&إميل أمين

&

&

&

لعل الذين قدر لهم متابعة زيارة رئيس الوزراء الياباني »شينزو آبي« إلي واشنطن مؤخرا قد ادركوا الاهتمام الأمريكي بالتحرك نحو آسيا، علي حساب الاقتطاع أو الاختصام من الحضور شرق أوسطياً ، فقد كشف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، عن مبادئ توجيهية جديدة للتعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة واليابان بهدف تحفيز طوكيو علي اتخاذ أدوار عسكرية أكبر كثقل موازن للصين.

&

&

الخطوات الامريكية اليابانية الجديدة يمكن تفسيرها علي أنها جزء من سياسة «المحور» مع آسيا التي تتبناها إدارة أوباما ونقل الأصول العسكرية والاهتمام الدبلوماسي إلي منطقة شرق آسيا بعد أكثر من عقد من الحرب الشرق أوسطية، وكجزء من هذه الخطوة، نشرت الولايات المتحدة 60% من أصولها البحرية لمنطقة آسيا والمحيط الهادي. ووفقاً لهذا التوجه وانسجاماً مع الاتفاقية، قامت الولايات المتحدة بنشر طائرات الدورية البحرية (بي 8) إلي قاعدة كادينا الجوية، وطائرات الاستطلاع بدون طيار »جلوبال هوك« إلي قاعدة »ميساوان الجوية«، وسفينة النقل البرمائية »سابيو« كما تخطط الولايات المتحدة لنشر مقاتلات (أف 35 بي) إلي اليابان في عام 2017. في هذه الأثناء وفيما تنسحب واشنطن - ربما تكتيكياً وليس استراتيجياً - فإن روسيا تتحول إلي قوة ناعمة في الشرق الأوسط بحسب تقرير المونيتور الأخير، وروسيا هنا تستخدم طرقاً متعددة للوصول إلي عقول وقلوب العرب والمسلمين بالشرق الاوسط، فقد أجادت في السنوات الأربع الماضية العزف علي أوتار الإعلام عبر قناة روسيا اليوم، وعدة مواقع عبر الشبكة العنكبوتية، استولت علي نسبة كبيرة من المشاهدين العرب ونجحت في ذلك لسببين: الأول أنها تقدم وجهة نظر بديلة حول الأحداث العالمية، بمعني أن المشاهد العربي والمسلم لم يعد أسيراً للمحطات ذات التوجه الغربي والأمريكي التقليدي المعتاد ، مثل CNN أو BBC ، أو الحرة الأمريكية. والسبب الثاني أن لديها محتوي معلوماتياً متميز، ومع حالة الرفض للمشهد الأمريكي المتقلب والمشكوك فيه وجد الروس نقاطا وثغرات عديدة إلي قلب الشرق الأوسط، وربما كانت مسألة تزويد بعض دول المنطقة بأسلحة حديثة، يقدم بديلاً عن الاحتكار الأمريكي لتسليح جيوش المنطقة. إضافة إلي ذلك فإن روسيا الاتحادية اليوم لديها وسيلة أخري يمكن أن تكون أداة مهمة لإقامة علاقات أقوي مع المنطقة وهي المسلمون الروس وهؤلاء يمكن لهم أن يلعبوا جسراً وقنطرة مع العالم العربي والإسلامي.

&

غير أن السؤال: هل المشهد مجرد تبدل للقوي المهيمنة علي مقدرات شعوب المنطقة؟

&

ربما من ينظر إلي مسألة بيع السلاح لدول المنطقة يدرك أن لا أحد يهمه أكثر من يكون العالم العربي سوقاً رائجة لبيع السلاح، حتي ولو أدي الأمر - وهو أمر قائم فعلاً - لاقتتال العرب والمسلمين فيما بينهم ... هل من معلومات مفصلة في هذا السياق؟

&

يضيق المسطح المتاح للكتابة عن السرد، غير أن التقرير السنوي لمعهد ستوكهولم الدولي سيبري للنفقات العسكرية وفي تقرير أخير له أشار إلي أن زيادة طرأت علي الإنفاق العسكري الكلي في الشرق الأوسط بمقدار 57% خلال السنوات العشر الأخيرة ، وساعد علي زيادة التسلح في تلك الفترة ارتفاع أسعار النفط العالمية في الوقت ذاته توقع مسئولون في الصناعة العسكرية الأمريكية تلقي طلبات لشراء آلاف الصواريخ والقنابل وغيرها من الأسلحة أمريكية الصنع خلال أيام ...

&

هل هذا الوضع مرشح للاستمرار، بمعني أن تصبح خزائن العرب نهباً لشركات السلاح الأمريكية خاصة، عوضاً أن توجه مليارات الدولارات إلي ميزانيات التعليم والصحة والتنمية والبحث العلمي؟

&

تعتقد واشنطن أن الحروب بالوكالة في منطقة الشرق الأوسط سوف تستمر لسنين عدة قادمة، مما يجعل الدول المعنية أكثر حرصاً علي شراء أحدث ما تنتجه الترسانة العسكرية الأمريكية، كما أن محللي الصناعة وخبراء الشرق الأوسط يقولون إن الاضطرابات والتنافس المستمر علي السيادة الإقليمية في المنطقة سيؤدي إلي المزيد من الطلبيات علي آخر الأسلحة المتطورة وأحدث الأجهزة ذات التقنية العالية في الصناعات العسكرية بمختلف أنواعها، ليصب ذلك كله في سباق تسلح خطير ستشهده المنطقة التي تعيد رسم خريطة تحالفاتها بشكل حاد ... هل يدعونا هذا التحليل للتساؤل عمن له مصلحة كبري في إذكاء نيران الصراعات في المنطقة؟ هناك من يرجح أن المجمع الصناعي العسكري الأمريكي، وأطرافه الأخطبوطية كانت وراء اغتيال الرئيس الأمريكي جون فيتزجيرالد كيندي الذي بلغ لاحقاً مستويات من العظمة علي حد وصف المؤرخ الأمريكي الشهير نايجل هاملتون، ذلك لأن إنهاء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي سريعاً، والوصول إلي عالم يسوده السلام، لم يكن ليصب في مصلحة ذلك المجمع ، فهل يمكن لقوي الشر هذه أن تترك الشرق الأوسط في حال سبيله أم انها تسعي لأن تجعل منه بالفعل تركة الرجل المريض، حتي تتهيأ لتقسيمه ولتحقيق مصالح استراتيجية أبعد مدي وأشد تأثيراً ، تتسق وفكرة القرن الأمريكي المهيمن علي مقدرات العالم بامتياز؟

&

علي أنه مهما يكن من أمر الآخرين فإن المرء يتذكر سؤال الرجل الذي أعاد بناء الصين من جديد، رئيس وزرائها شوان لاي : ما الذي يهمنا بالأكثر هل ما يظنه الآخرون بنا أم الذي نظنه بأنفسنا؟ الذي يدبرونه لنا في الخفاء أم الذي نرتبه لأنفسنا في النور وعلي الملأ؟ طرح القضايا المصيرية يبقي أبداً ودوماً من الذات وليس من الآخرين.

&