سطام المقرن

الدعاية الإعلامية الإيرانية تصدر الإرهاب والفتن لجيرانها وللمجتمعات الإسلامية من خلال استغلال العاطفة الدينية للسذج من الناس، فهل هذه الدعاية الإعلامية أخلاقية أو مهنية أو إسلامية؟ وهل نقارعها بالمثل؟!

&


أطلقت قنوات فضائية حملة تلفزيونية بعنوان "حقيقة إيران"، والهدف من هذه الحملة، حسبما تم الإعلان عنه، هو تسليط الضوء على الواقع الاجتماعي، والعسكري، والاقتصادي لإيران، بالإضافة إلى كشف حقيقة المشروع الإيراني وأطماعه في المنطقة ومخططاتها، وكيفية مواجهتها.


الحملة التي استمرت على مدار يومين متتاليين، انضمت إليها أكثر من 40 قناة فضائية من مختلف أنحاء العالم العربي، وذلك في بث موحد، بمشاركة عدد من العلماء والمشايخ ورجال الدين وجمع من المفكرين والدعاة والمحللين السياسيين.


ويأتي هذا التنظيم بهذه الطريقة بسبب فشل القنوات الإعلامية الكبرى في بيان حقيقة إيران، حسبما ذكره أحد الدعاة المشاركين في البرنامج! كما يقول أيضا "إن بعض هذه القنوات ترفض الطرح الذي يبديه المشايخ تجاه إيران وتصر على وصف الصراع بأنه سياسي وحسب"، وهو الأمر الذي أدى إلى "قتل الخطاب الإعلامي للقنوات الكبيرة وأفقده الصدقية"!
والسؤال المطروح هنا: لماذا ترفض القنوات الإعلامية الكبرى الطرح الذي يبديه رجال الدين والدعاة؟ وهل بالفعل أدى هذا الرفض إلى فقدان المصداقية المهنية لهذه القنوات؟.. وأخيرا ما فحوى الخطاب الديني الذي كتمته القنوات الإعلامية حسبما يدعيه الدعاة ورجال الدين؟
ومن خلال متابعتي للحملة التلفزيونية، وكذلك (تغريدات) بعض الدعاة المشاركين في الحملة في موقع (تويتر) على شبكة الإنترنت فيما يتعلق بإيران، تبين أن الخطاب الديني في تبيان حقيقة إيران لا يخرج عن أمرين، الأول: يوضح وجهة النظر التقليدية من بعض الدعاة ورجال الدين، والثاني: يمثل وجهة نظر الإسلام السياسي.


وإن كانت وجهات النظر هذه تمثل الإسلام السني، إن صح التعبير، فهي في الحقيقة لا تختلف عن وجهات النظر أو الخطاب الديني للإسلام الشيعي حول القضايا السياسية من حيث المضمون.


فغالبية المشاركين في الحملة التلفزيونية يتفقون على قوة الإعلام الإيراني في مجال الصراع السياسي، حيث تبث قنواته الرسمية آراء رجال الدين دون أن تدخل في مسألة الطائفية، ولكنها من جانب آخر تدعم القنوات الفضائية الأخرى التي تبث الطائفية وتبشر بالمذهب الشيعي.


وعلى هذا الأساس، كان لا بد من أن تكون هناك قوة إعلامية مضادة! ولكن قد نسي هؤلاء الدعاة أن الإعلام الرسمي لإيران يمثل الخطاب الديني للإسلام السياسي الشيعي، والقنوات الأخرى التي تدعمها التي تبث الطائفية تمثل الخطاب الديني التقليدي للمذهب الشيعي بشكل عام.. فهل نمارس الخطأ نفسه ونتبع الدعاية الإعلامية الضعيفة لإيران التي تستغل السذج من الناس؟
الخطاب الديني التقليدي بشقيه السني والشيعي، كل فريق يحاول إظهار مساوئ وسلبيات الآخر من الناحية الدينية، ويعلنون للناس أنهم يطلبون الحقيقة المجردة، وهم يطلبون الحقيقة كما يشتهونها بحسب المصالح والقيم الاجتماعية السائدة. لذا نجد في خطابات بعض الدعاة من الجانبين (الشيعي والسني) مصطلحات طائفية مثل (الروافض) و(النواصب)، ومن المفارقات العجيبة أن كل فريق يرى ضعف التدين لدى الشباب بسبب آراء رجال الدين والتشدد والتزمت والتعصب من الطرفين.


هذا بالإضافة إلى أن كل فريق يتهم الآخر بالكفر والخروج عن الدين، وفي نفس الوقت ينفون تهمة تكفير الآخر عن أنفسهم، ومن الآثار المترتبة على الخطاب التقليدي هو زيادة العداوة والبغضاء ونشر الكراهية بين الناس من كل فريق.


فالخطاب التقليدي يتسم بالتحرك من موقع العداوة بين الطرفين، فكل فريق يضع نصب عينيه تحطيم الطرف الآخر كهدف أساسي ورئيسي في عملية الدعوة وكسب الأنصار والأتباع، بالإضافة إلى الجزمية والحقيقة المطلقة في الفكر والعقيدة من خلال تقسيم الناس إلى ثنائية تعسفية (مؤمن وكافر)، ومن هنا تتضح الأزمة التي يعيشها الفكر الإسلامي في مواجهة التحديات الصعبة التي يفرضها الواقع المعاصر.
أما الخطاب الديني السياسي فهو يختلف من حيث المضمون عن الخطاب الديني التقليدي، فهو يسعى في عملية التقريب بين المذاهب، ولا يتطرق إلى موارد الاختلاف بين السنة والشيعة، بل نجد التأكيد على موارد الاتفاق بين المذهبين، ولكن من سمة هذا الخطاب هو تحويل الدعوة الإسلامية إلى أيديولوجية، ونقل ساحة الصراع والسجال إلى أرض الإيديولوجيات المخالفة للإيديولوجية الإسلامية مثل الشيوعية والعلمانية والليبرالية والقومية، وغيرها من المنظومات الفكرية والسياسية التي تحاول أن تقف أمام مشروع الدولة الإسلامية.


ومن هنا نرى أن الخطاب الديني السياسي (الشيعي والسني) لديه موقف عدائي تجاه الغرب والشرق ومعاداته الشديدة لكل الأفكار والفلسفات والتجارب البشرية الواردة من الغرب، بالإضافة إلى خداع المجتمعات الإسلامية بالتجربة الأولى للخلفاء الراشدين وما فيها من إيجابيات عظيمة من العدالة ونصر المظلومين والأخلاق.. ويمثل هذا الخطاب (الإسلام السياسي السني)، أما الخطاب الشيعي فيخدع الناس بتجسيد عدالة الإمام علي بن طالب، رضي الله عنه، على أرض الواقع، ومن الآثار المترتبة على هذا الخطاب بشقيه السني والشيعي؛ ظهور الجماعات الإرهابية وظهور الظلم والاستبداد وإثارة الفتن والحروب في المجتمعات الإسلامية.


ومما سبق، تتضح نقاط الخلل وموارد الإشكال في الخطاب الديني، سواء كان تقليديا أو سياسيا، وسواء كان أيضا سنيا أو شيعيا، ولهذا السبب أحجمت القنوات الفضائية الكبرى، كما يسميها الدعاة ورجال الدين، عن إقحام الخطاب الديني فيها، وذلك لوجود معايير إعلامية مهنية تمنع إثارة الفتن والكراهية بين الشعوب والمجتمعات.


ولهذا كانت الدعاية الإعلامية الإيرانية تصدر الإرهاب والفتن وإثارة القلاقل لجيرانها وللمجتمعات الإسلامية، من خلال استغلال العاطفة الدينية للسذج من الناس، أو من خلال الإيديولوجيات التي خلفها الإسلام السياسي، مثل حزب الله والحوثيين ليحل الدمار والفتن في تلك البلاد.. فهل هذه الدعاية الإعلامية أخلاقية أو مهنية أو إسلامية.. وهل نقارعها بالمثل؟!
&