أحمد عبد الملك

لم تكن القمة التشاروية لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية المنعقدة في الرياض يوم 5 مايو 2015 تشاروية بالمفهوم العَملي، إذ اختلفت عن كافة القمم السابقة. فقد عُقدت في وقت تمرُّ فيه المنطقة بتطورات كبيرة، كما أنها القمة التشاوية الأولى التي يحضرها الملك سلمان بن عبدالعزيز بصفته ملكاً للمملكة العربية السعودية. وهي أيضاً القمة التشاروية الأولى التي يُدعى لها رئيس دولة أجنبي (هو الرئيس الفرنسي أولاند)، مما اعتبره البعض امتعاضاً خليجياً من الموقف الأميركي تجاه إيران. وكان الرئيس الفرنسي واضحاً خلال القمة عندما أشار لضرورة وجود اتفاق نووي قوي ومستدام مع إيران، قائلا إن على الأخيرة أن تعلم أنها «لن تمتلك أسلحة نووية تهدد دول مجلس التعاون الخليجي»، مما يمثل إيذاناً بمرحلة جديدة في العلاقات الفرنسية الخليجية، وموقفاً فرنسياً من إيران.

الأهمية الأولى للقمة التشاورية أنها جاءت بعد إعلان وقف «عاصفة الحزم»، وهي أول حرب تخوضها دول المجلس بقيادة المملكة العربية السعودية، لإعادة الشرعية في اليمن، ولوقف الزحف الحوثي المدعوم إيرانياً. وقد حققت «عاصفة الحزم» أهدافها بعد أن دمرت منصات الصواريخ الباليستية والمطارات العسكرية والمواقع الاستراتيجية للحوثين وأنصارهم. كما أن بدء «عملية الأمل» لتقديم الإغاثة الإنسانية لليمنيين، وإنشاء مركز الأعمال الإنسانية الإغاثية الخاص باليمن في الرياض بمشاركة الدول الخليجية، من الأمور التي تستوجب الاهتمام، لرفع المعاناة عن الشعب اليمني الذي توقفت مؤسساته بعد أن شلَّ الحوثيون معظم أوجه الحياة في البلاد. واستندت القمة التشاورية إلى القرار رقم 2216 الصادر عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع، وودعت لتنفيذه بشكل كامل ودقيق، بغية إعادة الأمن والاستقرار لليمن والمنطقة.

لكن ما يزال أمام اليمنيين طريق غير قصير للحوار، وعليهم أن يضعوا مصلحة اليمن نصب أعينهم. ولابد أن يلتزموا جميعاً بمخرجات مؤتمر الحوار المنعقد في الرياض، وبما يتماشى مع المصلحة اليمنية والمواثيق الدولية ونصوص المبادرة الخليجية. وكما كان متوقعاً، فقد قاطع الحويثيون هذا المؤتمر، سعياً لإجهاض الجهود المخلصة التي تبذلها المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون، وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه آنفاً.

الملف الثاني والمهم هو العلاقات مع إيران، والتي ما انفكت تؤرق الطرفين، وسعي إيران لامتلاك القوة النووية، واحتمال استخدامها في المجالات العسكرية. وقد عبّر قادة دول التعاون عن الأمل في أن يؤدي الاتفاق الإطاري المبدئي بين إيران ومجموعة (5+1) إلى اتفاق نهائي شامل، «يضمن سلمية البرنامج النووي الإيراني». كما عبّروا عن تطلهم إلى «أن يُسهم الاتفاق في حل القضايا العالقة مع إيران»، وأكدوا مواقفهم الثابتة بدعم حق دولة الإمارات العربية المتحدة وسيادتها المطلقة على جزرها الثلاث (طنب الكبري وطنب الصغرى وأبوموسى) ومياهها الإقليمية والإقليم الجوي والجرف القاري والمنطقة الاقتصادية للجرز.

وفي تطور استجد خلال الأسبوعين الماضيين حضر وزير الخارجية الأميركي (كيري) اجتماعاً وزارياً في باريس لدول مجلس التعاون تناول علاقات الصداقة بين هذه الدول والولايات المتحدة وسبل تطويرها، كما تطرق لقمة كامب ديفيد التي انعقدت لاحقاً بين قادة دول التعاون والرئيس الأميركي (أوباما)، وجاءت لتؤكد ضرورة وجود اتفاق شامل مع إيران يسمح بالرقابة على برنامجها النووي، ويبدد المخاوف الإقليمية والدولية حياله، كما أكدت استعداد الولايات المتحدة للعمل سوياً مع دول مجلس التعاون لردع أي تهديد خارجي لسلامة أراضي أي منها. وكانت لهجة البيان واضحة ودقيقة فيما يتعلق بوقوف الولايات المتحدة مع دول المجلس حال تعرضها لأي تهديد، وهي رسالة موجهة إلى إيران.

وقبل ذلك كانت رسائل القمة التشاورية واضحة، فيما يتعلق بملفات اليمن وإيران وسوريا وفلسطين والإرهاب. ونتوقع أن تكون القمة العادية المقبلة استكمالا لهذه القمة وملفاتها الساخنة.