محمد خلفان الصوافي

عندما تهتم القوى الكبرى بدول مجلس التعاون الخليجي، وتعمل جاهدة على تفهم موقفها تجاه قضايا المنطقة «وفهمه» بالشكل الصحيح، أعتقد أن ذلك أمر له دلالاته ومعانيه الاستراتيجية التي ينبغي الاهتمام بها؛ لأنها تطرح «معادلة سياسية» جديدة حول مكانة هذه الدول من ناحية التأثير الدولي، إذ أثبتت أن تأثيرها يتعدى كونها دولا نفطية، كما يحب بعضهم النظر إليها منذ أكثر من ثلاثة عقود.

الأمر الذي أعنيه هنا، أنه في الفترة الأخيرة شهدت دول الخليج اهتماماً سياسياً واقتصادياً عربياً وعالمياً، أعطى انطباعاً للمراقبين في العالم بأن هذه الدول باتت محركاً أساسياً للأحداث في العالم. وهذا أمر يغاير الإدراك العام المعروف عن هذه الدول كونها مصدرة للنفط فقط، ما جعل الاهتمام بما تقوم به يستحق المتابعة والاهتمام.

&


وفي الحقيقة هناك ما يدعم هذا الانطباع على الأرض منذ نهاية عام 2010، ومن ذلك: الظهور القوي لدول الخليج في الحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني من حالة الفوضى التي كان مخططاً لها لخدمة مصالح دولية وإقليمية، ما جعل الكثيرين في حالة استغراب، حيث لم يتعودوا التحرك الخليجي بعيداً عن الموقف الأميركي، حتى إنه ظهرت انتقادات ضد السياسة الأميركية من الداخل الأميركي نفسه، ما دفع أوباما إلى مراجعة مواقفه. الأمر الآخر، أنه في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد العالمي ركوداً ومشكلات تنموية، كان الاقتصاد الخليجي هو المحرك الأساسي له ويسجل حالة من الانتعاش في النمو، ما أوجد رغبة كبيرة في استقطاب الاستثمارات من هذه الدول وعقد الصفقات المالية معها باعتبارها عاملاً أساسياً في إيجاد حلول لمشكلات الاقتصادات المتقدمة، مثل البطالة والتضخم والمديونية، بل إن سوق العمل في الخليج، وخاصة دولتي الإمارات وقطر، بقيت الطموح الذي يسعى إليه الكثيرون للحصول على فرصة عمل فيه.

وإضافة إلى العوامل السابقة، فإن أموراً عدة جعلت من تغير النظرة إلى دول الخليج أمراً واقعياً، مثل: الوساطة العمانية بين طهران وواشنطن (بغض النظر عن موافقة الدول الخليجية أو اختلافها مع هذا الموقف)، وكذلك العمل على إصدار قرارات دولية تدين الطرف الذي ينتهك الشرعية في اليمن.

الاهتمام العالمي بالدول الخليجية ظهر بشكل أكبر بعد التحرك الخليجي ضد إيران في اليمن، وهو أمر ينبغي ألا يكون مفاجئاً، لأنه منذ زمن ظهرت مؤشرات حقيقية تدل على التحول العالمي في أماكن صناعة الأحداث، بل إن البعض يعتقد أن ما يحدث هو من الظواهر الطبيعية لما كانت تفعله هذه الدول منذ زمن نتيجة لما تمتلكه من أسباب سياسية واقتصادية.

وحين ظهر ذلك الموقف الخليجي على السطح تفاوتت ردود الأفعال الدولية وحتى تحليلات المراقبين، ما بين مقلل لدورها نتيجة لحداثة دولها، أو لقلة الثقل السكاني فيها، وهي تحليلات ربما تكون أقرب للعاطفة منها إلى المنطق العقلاني، وبين من يحاول أن يحتوي «الغضب» الخليجي الذي جاء بعد التفسير الخاطئ للمحاولات الخليجية للتعامل الدبلوماسي الهادئ، فجاءت لغة الإغراءات كمحاولة لتهدئتها. لكن أعتقد أن دول الخليج وصلت إلى مرحلة النضج السياسي وتعلمت من الدروس السياسية التي مرت بها، وبالتالي فلن يكون التراجع عما حققته بالسهولة التي يعتقدها البعض.

الجزئية التي تهمنا كخليجيين أننا أصبحنا «رقماً صعباً» في المعادلة الإقليمية وفي كل مجالات الحياة، وصرنا من يتحكم بأهم الخيوط السياسية والاقتصادية التي تلف المنطقة. إن ما جعل كلمة الخليجيين مسموعة في دوائر صناعة القرار في العالم، ليس الحضور السياسي في الفعاليات الدولية فقط، بل الثقل الذي تمتلكه في قضايا معينة ومدى إمكانية تغيير مسارها أيضاً. وقد بدا ذلك من خلال زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند إلى بعض دول الخليج وكذلك القمة الخليجية الأميركية في كامب ديفيد.

لم يعد سراً أن بعض السياسيين والمراقبين أساؤوا فهم موقف الدول الخليجية، وأخطؤوا في تقدير رد فعلها، وقد تبيّن لهؤلاء بعد ذلك أن هذه الدول قوة إقليمية لديها تأثير فعال، كما أن لديها رؤية أقرب للصواب في قضايا المنطقة يجب الأخذ بها وإلا سيخسر الجميع، بما في ذلك الدول الكبرى. ولم يعد خافياً أن القرارات الخليجية الأخيرة أنعشت نظرة المراقبين إلى أن القوى الإقليمية والخليجية تحديداً يمكنها أن تلعب دوراً مؤثراً أكبر مما كان يعتقده البعض.
&