محمد العسومي
اكتسبت الانتخابات البريطانية التي جرت الأسبوع قبل الماضي أهمية كبيرة لمستقبل المملكة المتحدة، بل إنها حددت توجهات الناخبين، وقلبت كل استطلاعات الرأي التي جاءت مخالفة تماماً لتوقعاتها حتى قبل ساعات قليلة من بدأ عملية التصويت. وبحكم المتابعة القريبة للحملات والآراء العديدة التي تم طرحها، يمكن الإشارة إلى أنه كان هناك قلق كبير لدى البريطانيين من البرنامج الانتخابي لحزب «العمال» المنافس الرئيسي لحزب «المحافظين» الحاكم بزعامة «ديفيد كاميرون»، حيث أعطت الاستطلاعات نسبة متساوية للحزبين، إلا أن «ايد مليباند»، الذي يقف على يسار حزب «العمال» أعلن عن نيته لفرض ضرائب إضافية على الاستثمارات الكبيرة، وبالأخص في قطاع العقارات، مما جمد العديد من الاستثمارات في هذا المجال، حيث كان يتوقع أن يكون لمثل هذا الإجراء عواقب على السمعة الاستثمارية لبريطانيا، بدليل اتمام الصفقات العقارية المجمدة بمجرد الإعلان عن النتائج والفوز الكاسح لـ«المحافظين»، الذي يتمتع بإدارة اقتصادية أفضل وأكثر وضوحاً.
هذه الإدارة الجيدة للاقتصاد، والتي أدت إلى تعزيز النمو وخلق أكثر من 350 ألف وظيفة جديدة وتخفيض معدل البطالة إلى أقل من مليونين منحت «المحافظين» 51% من الأصوات ليشكلوا أغلبية مطلقة تتيح لهم التصرف وإقرار القوانين، دون الحاجة لتحالفات، كما هو الحال في الدورة السابقة عندما تحالفوا مع «الليبراليين الديمقراطيين»، والذين لحقت بهم هزيمة ساحقة حالهم حال حزب «العمال»، الذي خسر كل مقاعده ما عدا واحد في أسكتلندا، التي فاز فيها الحزب القومي بجميع المقاعد تقريباً.
هذا النجاح الاقتصادي لـ«المحافظين» داخلياً لا يقابله بالضرورة نجاح مماثل على مستوى دمج بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، إذ من المقرر أن يطرح استفتاء عام 2017 حول بقاء بريطانيا من عدمه في الاتحاد، حيث تبدو الأمور ضبابية في هذا الجانب، فحزب «الاستقلال» المعارض لبقاء بريطانيا في المجموعة الأوروبية والمعارض للهجرة في نفس الوقت، والذي حصل على نسبة كبيرة من الأصوات تجاوزت 12.5% سيعمل بقوة لنجاح الاستفتاء، خصوصاً أن هناك مليوني مهاجر من دول الاتحاد يعملون في بريطانيا، مما يقلص فرص العمل أمام البريطانيين، من وجهة نظر الحزب، مع العلم أن معظم هذه الوظائف تعتبر متدنية، ولا يقدم عليها البريطانيون.
ويتوقع أن يحقق حزب «المحافظين» المزيد من النجاح الاقتصادي في السنوات الأربع المقبلة، إلا أن ذلك سيتوقف كثيراً على نتيجة الاستفتاء، فـ«المحافظون » لا يريدون ترك الاتحاد الأوروبي لمعرفتهم بأهميته للاقتصاد البريطاني، إذ إن 80% تقريباً من تجارة بريطانيا هي مع المجموعة الأوروبية.
وفي كلتا الحالتين، أي النجاح أو الفشل سيكون وضع بريطانيا صعباً، فسياستها السابقة بإهمال الاتحاد وعدم الانضمام إلى العملة الموحدة
«اليورو» ترك المجال واسعاً أمام ألمانيا للهيمنة على قرارات الاتحاد دون منافس، إذ إن بريطانيا هي القوة الاقتصادية الوحيدة المنافسة لألمانيا في أوروبا، وبالتالي، فإن فشل الاستفتاء وظلت بريطانيا في الاتحاد، فإن ذلك سيؤدي إلى تهميشها، في الوقت الذي ستستمر في تحمل أعباء الانضمام المكلفة، والتي تثير تذمر فئات واسعة وتكسب حزب «الاستقلال» المزيد من الدعم بصورة مستمرة. وإذا نجح الاستفتاء، فإن بريطانيا ستخسر أهم شركائها التجاريين، وستفقد صادراتها قوتها التنافسية في أسواق دول الاتحاد الـ27، وهو ما سيمثل ضربة قوية للاقتصاد البريطاني، الذي يعتبر الأفضل حالياً في أوروبا إلى جانب الاقتصاد الألماني، مما يتطلب البقاء في الاتحاد مع استغلال نتيجة الانتخابات والتقدم الكبير الذي حققه حزبي «المحافظين» و«الاستقلال» للحصول على تنازلات أكبر من المفوضية الأوروبية، بما في ذلك تقليص مساهمة بريطانيا في ميزانية الاتحاد، وهو ما يسعى إليه حزب «المحافظين»، ما سيعزز من نفوذه وبقائه في السلطة في الانتخابات المقبلة، علماً بأن تقلب مزاج الناخب البريطاني يشبه كثيراً تقلب الطقس، مما يجعل من عملية التوقعات صعبة للغاية.
التعليقات