عبد الجليل زيد المرهون

في الثالث عشر من أيار 2015، أطلقت مداولات مفتوحة في مجلس الأمن الدولي حول الأسلحة الصغيرة والخفيفة، بحضور حشد كبير من المسؤولين الأمميين.

&

&

&

&

وفي كلمته أمام المجتمعين، قال الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون: إن الكثير من الدول تفتقر إلى التخطيط والاهتمام المستمر بأمان ترساناتها من الأسلحة الصغيرة، وإدارتها ونقلها، والتخلص منها.

وسلط تقرير الأمين العام إلى مجلس الأمن الضوء على عنصرين رئيسيين لمعالجة التحدي الناجم عن الانتشار الفوضوي للأسلحة الصغيرة، هما: أولاً، الحاجة إلى ضمان أن استخدام الأسلحة والذخيرة من قبل قوات الأمن الوطنية يتوافق مع الالتزامات وفق المعاهدات والآليات الدولية. ويعني هذا أيضاً ضمان التخزين الآمن والملائم للسلاح والذخيرة. وثانياً، الحاجة إلى تدابير جديدة لمحاربة انتشار الأسلحة غير المشروعة.

وترى الأمم المتحدة أن مراقبة التدفق غير المشروع للذخيرة يُمكن أن يساعد في تحديد مصادرها وأنماط التهريب. وأن القضاء على تلك الأنشطة سيكون له آثار فورية على حدة الأنشطة المسلحة.

ويعتبر انتشار الأسلحة الصغيرة والخفيفة العامل المشترك في أكثر من 250 من الصراعات التي شهدها العالم في العقد الأخير. وقد تسببت هذه الأسلحة في 50 ألف وفاة سنوياً، بالإضافة إلى نزوح أعداد كبيرة من البشر، لم يشهد لها العالم مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية، كنتيجة مباشرة لهذا العنف.

ويفاقم تسريب الأسلحة، بما في ذلك القادمة من المخزونات الحكومية، من حدة الصراعات، ويسمح بتعزيز القوة المسلحة للمجموعات الإرهابية، والقراصنة وقوى الجريمة المنظمة.

كذلك، تقوم مرافق صناعية غير قانونية بإنتاج بعض الأسلحة الصغيرة غير المشروعة التي تصل إلى أمراء الحرب والقراصنة والإرهابيين، والمنظمات الإجرامية. بيد أن معظم تلك الأسلحة تحوّل وجهتها من مخزونات حكومية (إعادة استخدام الأسلحة المستخدمة في نزاعات سابقة في الدولة المعنية أو في البلدان المجاورة)، وقد ينجم تحويل الوجهة عن عمليات النقل الجارية بلا مراقبة سليمة إلى جماعات إرهابية.

ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة، فقد جرى الاستيلاء بصورة غير مشروعة على طائفة واسعة من الأسلحة الصغيرة والخفيفة التي كانت مودعة بالترسانة الليبية الكبيرة، وذلك بعد الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس معمر القذافي.

وقد حدث ذلك على أيدي جماعات مسلحة ليبية وأجنبية، وجرى نشر هذه الأسلحة في أرجاء منطقة الساحل وما وراءها، مما عرّض المنطقة برمتها إلى مخاطر أمنية واجتماعية هائلة.

وتشير الأمم المتحدة إلى أن الأسلحة والذخائر والمتفجرات الليبية قد شقت طريقها إلى ما يصل إلى ١٢ بلدًا، في مناطق المغرب العربي والساحل والمشرق العربي، وكذلك القرن الأفريقي. وتدفق الجزء الأكبر من هذه الأسلحة نحو منطقة الساحل ومصر. وتوجد مؤشرات - وفقاً لرصد الأمم المتحدة - على عمليات نقل كبيرة للسلاح الليبي إلى كل من سورية وقطاع غزة.

واليوم، فإن مخزونات الحكومة الليبية، التي تدار بصورة سيئة ومضطربة، لازالت تشكل مصدراً أساسياً للأسلحة الصغيرة غير المشروعة المتداولة من قبل الأفراد والمليشيات داخل البلاد، وفي أفريقيا والشرق الأوسط.

وقد باتت بعض هذه الأسلحة اليوم لدى أكثر الجماعات المتطرفة خطورة، بما فيها تلك الناشطة في سورية ومصر والعراق وبعض الدول المجاورة لها.

ويمكن سرقة المواد المتفجرة أو أسلاك التفجير واستخدامها في تصنيع عبوات ناسفة مرتجلة، مما ينطوي على احتمال مساهمتها في أنشطة إرهابية كبيرة، على النحو الذي يجري الآن تحديداً.

وفي مكان آخر من أفريقيا، فإن بعض الأسلحة المستخدمة في النزاع في دولة كوت ديفوار لم يُعَثر عليها بعد. وهي تشكل تهديداً لاستقرار الأجزاء الغربية من البلاد الواقعة على حدود ليبريا. وربما يسقط بعضها في طرق التجارة غير المشروعة، عبر الحدود الشمالية، إلى مالي، أو عبر الحدود الشرقية إلى غانا. ومن هناك إلى بلدان أخرى في المنطقة.

وغير بعيد عن ذلك، شجع مجلس الأمن الدولي حكومة الكونغو الديموقراطية على تعزيز أمن مخزونات الأسلحة والذخيرة والمساءلة عنها، وذلك بمساعدة الشركاء الدوليين، حسب الحاجة، وبناء على الطلب.

كما شجعها على الإسراع بتنفيذ برنامج وطني لوسم الأسلحة، ولا سيما الأسلحة النارية المملوكة للدولة، وفقًا للمعايير التي وضعت في بروتوكول نيروبي لمنع الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة في منطقة البحيرات الكبرى والقرن الأفريقي.

وعلى صعيد دولي أوسع، يقوم مكتب شؤون نزع السلاح، عن طريق مراكزه الإقليمية الثلاثة للسلام ونزع السلاح (لأفريقيا ، ولآسيا والمحيط الهادئ، ولأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي) بمساعدة الدول الأعضاء في وضع استراتيجيات إقليمية أو خطط عمل وطنية بشأن الأسلحة الصغيرة والخفيفة، واستعراض التشريعات الوطنية المتعلقة بها، وتوفير المعايير الفنية وإجراءات التشغيل الموحدة للحد من التسلح. وذلك بناء على المبادئ التوجيهية التقنية الدولية بشأن الذخيرة والمعايير الدولية لتحديد الأسلحة الصغيرة. كما يقوم المكتب بالمساعدة على تدريب قوات الأمن على إدارة مخزونات الأسلحة ووسمها وتعقبها.

ومن ناحيتها، وضعت معاهدة تجارة الأسلحة، التي دخلت حيز التنفيذ مؤخراً، أسس إطار العمل الدولي للسيطرة على نقل الأسلحة بما في ذلك الصغيرة والخفيفة.

وتهدف هذه المعاهدة إلى تعزيز السلم والأمن الدوليين، والحد من المعاناة البشرية، وتقوية التعاون والشفافية، والأفعال المسؤولة، من قبل الدولة.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت هذه المعاهدة في ٢ نيسان ٢٠١٣، وهي تُكمل الصكوك العالمية والإقليمية القائمة لمراقبة وتنظيم الأسلحة الصغيرة التقليدية، مثل برنامج العمل لمنع الاتجار غير المشروع بالأسلحة الصغيرة والخفيفة من جميع جوانبه ومكافحته والقضاء عليه، وصكه الدولي المتعلق بتمكين الدول من التعرّف على الأسلحة الصغيرة والخفيفة غير المشروعة وتعقبها في الوقت المناسب وبطريقة يعوّل عليها، وبروتوكول مكافحة صنع الأسلحة النارية وأجزائها ومكوناتها والاتجار بها بصورة غير مشروعة، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية.

وتحظر معاهدة تجارة الأسلحة بوضوح على الدول الأعضاء الإذن بعمليات نقل الأسلحة أو الذخائر التي من شأنها انتهاك الالتزامات الواقعة على عاتقها بموجب تدابير اتخذها مجلس الأمن، وهو يتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لا سيما تدابير حظر توريد الأسلحة.

كذلك، تحظر المعاهدة على الدول الأطراف أن تأذن بعمليات النقل، إذا كانت الدولة الطرف على علم حين إصدار الإذن، بأن الأسلحة المنقولة سوف تُستخدم في ارتكاب جريمة إبادة جماعية، أو جرائم ضد الإنسانية، أو انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف لعام ١٩٤٩.

وعلى الرغم من كل ما جرى تبنيه وتطبيقه، حتى الآن، من اتفاقات دولية وإقليمية ذات صلة، فإن الانتشار الفوضوي للأسلحة الصغيرة والخفيفة لازال يفرض نفسه على مناطق وأقاليم واسعة من العالم، وخاصة أفريقيا والشرق الأوسط.

وحسب تقرير أصدره معهد الدراسات الدولية المتقدمة في جنيف، بعنوان "مسح الأسلحة الصغيرة"، فقد كان هناك 650 مليون قطعة سلاح صغيرة في أيدي المدنيين حول العالم، في العام 2007. ويشير هذا الرقم إلى أن هناك قطعة سلاح صغير لكل عشرة أشخاص من سكان المعمورة، أنتجها ما يزيد عن ألف شركة في 98 دولة على الأقل.

ومما يزيد من تفاقم المشكلة هو أن الأسلحة الصغيرة والخفيفة يمكن أن تظل قيد الاستخدام لمدة تصل إلى 40 عاماً أو أكثر، عبر قدر محدود من الصيانة. هذا مع صحة القول في الوقت نفسه بأن صلاحية الذخائر أقصر من العمر الفعال للأسلحة ذاتها، كما أن مخزونات الذخائر يتم استهلاكها مع مرور الزمن.

ووفقاً للتقارير الدولية، فإنه يتم سنوياً إنتاج ثمانية ملايين قطعة سلاح صغير، و16 مليار وحدة ذخيرة. ويشير حجم الذخائر إلى أن حصة الشخص الواحد تزيد على رصاصتين سنوياً. ومع كل دقيقةٍ تمر، يُقتل إنسان من جراء العنف المسلح.

وبحسب هذه التقارير، توجد نحو 60% من الأسلحة الصغيرة بحوزة المدنيين. وأن ما بين 80% إلى 90% من الأسلحة الصغيرة يبدأ تداولها من خلال العمليات التجارية المرخصة من قبل حكومات الدول المختلفة. ويبلغ حجم التجارة العالمية في الأسلحة الصغيرة نحو أربعة مليارات دولار سنوياً، منها مليار دولار يُرجح أنها تجارة غير مشروعة.

وفي السنوات الأخيرة، ومع تصاعد موجات العنف، واتساع نطاق الجرائم التي تعرض لها المدنيون في العراق وسورية على أيدي الجماعات الإرهابية، والكوارث الاجتماعية الكبيرة التي نجمت عنها، طرحت بعض الأوساط البحثية والحقوقية في العالم مسألة تأثير انتشار الأسلحة الصغيرة والخفيفة على حقوق الإنسان، وخاصة المرأة. وقد اكتسبت هذه المسألة حالياً ثقلاً دولياً.

وكما ترى الدكتورة آنا ألفازي ديل فراتي، فإن تأثير العنف باستخدام الأسلحة الصغيرة على المرأة يُعد واسعاً وعميقاً.

وألفازي هي مديرة البحوث في منظمة الدراسة الاستقصائية للأسلحة الصغيرة، وهي منظمة غير حكومية تتناول بالبحث انتشار الأسلحة الصغيرة والأخطار التي تنجم عن إساءة استخدامها في جميع أنحاء العالم.

وترصد المنظمة جميع جوانب العنف باستخدام الأسلحة الصغيرة وتعمل باعتبارها جهة مرجعية تستعين بها الحكومات وغيرها للحصول على المعلومات بشأن هذه المسألة.

وفي العام 2014، تناولت المجموعة بتعمق كيفية تأثير العنف المسلح على حقوق المرأة في تقريرها، "الدراسة الاستقصائية للأسلحة الصغيرة: المرأة والأسلحة النارية".

وهناك أيضاً الكثير من الروايات التي نقلها الصحفيون من مخيمات النزوح السوري والعراقي، في الداخل والخارج، والتي توضح طبيعة معاناة النساء والأطفال جراء أعمال العنف التي تمارسها الجماعات الإرهابية الضالة.
&