&هتون أجواد الفاسي


شعرت بالعجز الشديد، كما الكثيرات والكثيرين ممن يشغلهن/م همّ الوطن، وأنا أسمع خبر التفجير الإرهابي المجرم في مصلى القديح وأنا في مجلس يجمعني في ذلك الصباح مع صديقات من أنحاء المملكة ومنهن اثنتان من القطيف.

كان مجلساً وطنياً بحق يبني على علاقة وطيدة تعمل على تعزيز المشاركة المجتمعية للنساء في وطننا المشترك، كنا نعمل يداً بيد في غياب عما يجري على الأرض من تغذية للكراهية والبغضاء، أو في اعتقاد بأننا تعلمنا درساً من حادثة الدالوة وأن مثيلها لن يتكرر بين ظهرانينا. كنا كلنا ثقة بأن إجراءات مكثفة تجري لاجتثاثها من الجذور، أو هكذا ظننا.

بدأت في كتابة هذا المقال وأنا متجهة إلى القديح يوم الجمعة 29/5/2015 بعد أسبوع من اعتداء القديح الأثيم لتقديم فروض العزاء لأسر الشهداء الواحد والعشرين ممن توزعت صورهم على جدران القرية الصغيرة الوادعة النخيل شمال واحة القطيف العامرة، كما ذكرت لكم الأسبوع الماضي عندما تحالفت رياح الغدر إلا أن تخطف أربع أرواح طاهرة أخرى في مسجد حي العنود بالدمام.

قرية القديح، هذه القرية التي سبق وروعت في قرون سابقة وروعت من ست عشرة سنة وتصدّر اسمها صحفنا وقلوبنا ونحن نختنق مع سماع قصة حفل الزفاف الذي تحول إلى مأتم في حريق مروع ذهب بالعروس وأكثر من سبعين من مدعواتها وأطفالهم ولاحق إحدى الطفلات الناجيات لتترمل شابةً في القديح الثانية.

وما يكاد أن يشفى الفقد حتى يتلوه فقد أعظم لا يأتي بحادث قدر وقدر أو إهمال وإنما بحادث متعمد ومرصود ومدعو إليه ومحرض عليه من جبناء كما هي حال مقترفي جرائم الكراهية، يهاجمون الآمنين المسالمين الأطفال والشيوخ دونما إحساس بذنب أو برأفة أو بخشية من مالك الأرواح وهم يفجرون أنفسهم خلف الصفوف في صورة متكاملة لجبان النفس والعقيدة متخفياً بزي وافد أو زي امرأة، لا يهم، فالغاية تبرر الوسيلة.

لكن ما الذي قاد بابن العشرين إلى هذا العمل الإجرامي؟ كيف برره لنفسه؟ من برره له ودعاه إليه؟ ابن العشرين هذا أمضى منها ثماني عشرة سنة على مقاعد الدراسة في مدارسنا العتيدة، يقرأ على مناهجنا المحدّثة، يستمع إلى إذاعات إف إمنا التافهة، ويتابع القنوات الفضائية التي نطالب بإغلاقها لنشرها الفكر المتطرف ولا تُغلق، ويمضي وقت فراغه متنقلاً ما بين حساب وحساب في فضاءات التواصل الاجتماعي المغالية وقد شب عن الطوق وهي لم تعد تخضع لأي قانون أو سيطرة.

لطالما آمنت بمبدأ البدء في أي علاج بالجذور ولطالما يجد هذا المبدأ المقاومة حثيثة التي تقلل من شأنه وتفضل اللجوء إلى الفروع والأطراف التي تبدو سهلة العلاج والتقليم. وهو بالفعل ما يجري النصح به اليوم، التقليم. وهذا يقودني إلى الحديث عمن يقدم هذا النصح، من هم هؤلاء الناصحون، هؤلاء المحللون؟ هل هي جهات أم أفراد، ما هي خلفياتهم وإلى أي حد يمكن استمرار الثقة في رجاحة حكمهم ونصحهم؟

لا شك أن الأحداث الأخيرة تنبئ بوجود خلل في هذه الآلية التي تتطلب إعادة النظر التام فيها، فضلاً عن الاحتياج الماس لمعالجة الجذور التي نخشى الوصول إليها أو مواجهتها لما تحمله من حقيقة قاسية شبيهة بأن الكراهية الطائفية إنما هي مختزنة في تراثنا القومي، تراثنا الذي نبني عليه هويتنا، تراثنا الذي يتقدم في كثير من الأحيان على ما نص عليه القرآن الكريم والسنة العملية الصحيحة.

ولعل في التبرير الذي تقدمه داعش لكل جريمة من جرائمها مدخلاً للمشكلة الحقيقية التي نئن منها وتتطلب المواجهة الحقة، وسيلة خلاصنا الوحيدة. لن أفصل أكثر ولكن أي بحث بسيط في الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ستوصل إلى الصفحات التي عُثر عليها من كتب تاريخ معاصرة تتناول اعتداءات طائفية مبكرة وتنال القديح بالتحديد، ما يثير التساؤلات حول ما إن كانت داعش تسير على خطى محددة سارت عليها خطى كتب التاريخ، وليس بعيداً مقام العالم الجليل الدكتور حاتم عوني الذي كشف عن الكثير من استخدامات داعش الفقهية لكتب التراث المعتمدة.

وبالمقابل فإن بعض العلماء قد يجدون تحفظاً في مناظرة أو مواجهة هذه الاقتباسات نظراً لعدم مخالفتهم لها ضمنياً وتحرجهم من الاعتراف بذلك ما يؤدي إلى ما نشهده اليوم من صراع فكري تنجح فيه داعش في كشف حالة من النفاق والتناقض الذي يقع في هذه الأوساط، فهل نقف صامتات وصامتين؟
&