داود الشريان
في كل عام يتكرر الهجوم على الفنون الساخرة من دعاة ووعّاظ، استناداً إلى النَّهي الوارد في القرآن الكريم عن السخرية من الآخرين، وهو استدلال غير صحيح. السخرية في الفن لا تهاجم الأشخاص لذواتهم، ولا قيم المجتمع كما يدّعي هؤلاء، بل تهاجم الخطاب الذي يتّحدث عن هذه القيم على نحو مزيف، أو يقدِّس الأشخاص، ويُنزلهم منازل القِيَم، فضلاً عن أن السخرية في الدراما أصبحت أحد قوالب النقد، وتولد من عدم الرضا عن وضع معين.
&
وكلما تخلّت السخرية عن المنطق لمصلحة كلمة أو موقف زاد إبداعها، وهي تميل بطبيعتها إلى السلبية المطلقة، ولا تكترث بالتوازن. لكن هناك من يحاول تعريفها على طريقة المعاجم بأنها تعني التسخير والتذليل، والقهر. والصحيح أنها إظهار الواقع بعكس ما يقال عنه، وهي لا تختلف عن «النكتة»، بمعنى أنها تصل إلى نتائج غير متوقعة. ولهذا فإن تحريمها استناداً إلى الآية الكريمة «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ»، هو تعسُّف في التفسير والحكم.
&
بعض «المحتسبين» عاود ترديد الحُجج ذاتها حول تحريم السخرية في الفن، بعد بداية عرض مسلسل «سيلفي» الذي حظي بحفلة شتيمة تعتبر سابقة، وأصبح بطله ناصر القصبي، ومؤلّفه خلف الحربي، معرَّضَيْن للتكفير، والتهديد بالقتل. التكفير ليس جديداً، وخلال أعوام ماضية صدرت فتوى مماثلة ضد مسلسل «طاش ما طاش». لكن ردود الفعل هذه السنة مختلفة، وأبرز ما فيها أن الهجوم كان حاداً ومنفعلاً، والسبب أن المسلسل أوجع المروِّجين لما يُسمى «الجهاد في سورية والعراق»، وكشف الكذب الذي تمارسه هذه التنظيمات الإرهابية، ودورها في خطف شبان سعوديين، وتحويلهم إلى وقود في هذه الحروب الكافرة.
&
هؤلاء الذين هاجموا المسلسل، لم يكن موقفهم دفاعاً عن «الجهاد»، لأنهم يدركون أن ما يجري ليس جهاداً. غضبهم كان انتصاراً لأنفسهم ، فالمسلسل كشف خطورة التحريض الذي يمارسونه لخطف شبان صغار، للموت في حروب تديرها عصابات وأجهزة استخبارات باسم الجهاد.
&
لا شك في أن سخرية «سيلفي» كشفت، على نحو مبدع، خطاب التحريض الذي غرّر بشبابنا، وجرّهم إلى حروب ملتبسة.
&
الأكيد أن السخرية سلاح فاعل للتشكيك في ما يعتقد بعضهم بأنه عظيم. السخرية تلعب دور الشك في الفلسفة، لكنها تفضي إلى نهايات سعيدة.
&
التعليقات