حمد الماجد

لا بد أن نبدأ بمقدمة تقليدية لكنها مهمة قبل أن ندلف للحديث عن مسلسل «سيلفي» المثير للجدل، وهي أن لأي برنامج ساخر أو جاد أن يضع ممارسات الناس «كائنًا من كان» تحت مشرحة النقد والتوجيه، والناس في ذلك سواسية، هذه بحد ذاتها غاية سليمة، لكن الذي لم يدركه «السيلفيون» والمتحمسون المنافحون عن «سيلفي» أن سلامة الغاية لا تعني بالضرورة سلامة الوسيلة، فالطبيب «الحريص» على علاج مريضه لا يخليه من المسؤولية ارتكابه أخطاء في طريقة العلاج، والأب الذي يوبخ ابنه ويعنفه بحجة ارتكابه أخطاء، قد يساهم في استفحال المشكلة، و«سيلفي» الذي يقول إنه يريد معالجة مشكلة الاتجار بالدين، وهذه غاية سليمة ومشكلة موجودة، وقع في وسيلة خاطئة وهي الإساءة إلى بعض شعائر الدين وممارساته، وكذلك السخرية من العربية الفصحى، هذا ناهيك ببعض التعميمات الموهمة. ومع أنه من المبكر الحكم لـ«سيلفي» أو عليه والناس لم تشاهد إلا بضع حلقات، إلا أن الحلقات الأولى أعطت على الأقل مؤشرًا يسمح بمؤشرات نقدية أولية، فالأثر يدل على المسير، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، كما تقول الأمثال العربية.


«سيلفي» حاول في إحدى حلقاته الرمضانية معالجة مشكلة الإرهاب الذي ضرب بأطناب دولته في ربوع الشام والعراق، وهذا حق مشروع بل مطلوب، فالكوميديا إحدى الأدوات الفاعلة في محاربة أية ظاهرة خطيرة مضرة، و«السيلفيون» يعلمون أن السعودية أصاب بعض أبنائها لوثة «داعش» الإرهابية كما أصاب شبابًا كثرًا في الدول العربية وعدد من الدول الإسلامية والغربية، بل إن الأرقام والإحصائيات تتحدث عن أن نسبتهم من الدول الأخرى أكثر وأن قيادات «داعش» وأركان حكمه أغلبيتهم من غير السعوديين.


والمؤلم أن المحتفين بـ«سيلفي» تحدثوا عن فضح المحرضين من المشايخ وطلبة العلم الذين يشحذون همم الشباب للالتحاق بـ«داعش» وكل حركة إرهابية متطرفة، وهذا أيضًا توصيف خاطئ وتدليس مكشوف، فمن يرصد أدبيات الأغلبية الساحقة لشريحة المشايخ وطلبة العلم داخل أو خارج المؤسسة الرسمية بل وحتى المثقفين والإعلاميين والمغردين المحسوبين على الفئة «المحافظة» في المجتمع السعودي، وذلك من خلال أقوالهم ومقابلاتهم ومقالاتهم وتغريداتهم، يجد أن هناك شبه إجماع بينهم على تجريم «داعش» ومن لف لفه من الحركات الإرهابية، وأصابهم بذلك عنت شديد وتشويه وصل حد التكفير والتهديد بالقتل، فمن العيب أن تصل الخصومة الفكرية إلى حد تشويه واقع شاهر ظاهر وهو ملموس مشاهد ومقروء، والمحصلة تشويه سمعة البلاد واختزالها في تصدير الإرهابيين والتحريض على الانضمام إليهم.


إن «سيلفي» وبهذا الأسلوب الذي يصفه خصومه ومنتقدوه بـ«الاستفزازي»، قد فقد بعض الفرص السانحة في التغيير وإصلاح بعض المظاهر الاجتماعية السلبية، خاصة في محيط المهتمين بالشأن الإسلامي وكذا الشرائح العادية المحافظة، فصار ما يصدر من نقد «سيلفاوي» لهذه السلبيات بالنسبة لهم مرفوضًا لا مصداقية له، بل صوروه على أنه تهجم على الدين نفسه وسننه وتشريعاته، ولو أن «سيلفي» تحاشى التعرض لبعض الشعائر والتشريعات، لكانت ردود الفعل أخف، ولكانت فرصه في التغيير أفضل.


سنرى إن كان «سيلفي» في حلقاته القادمة سيمارس عدلاً في نقد مظاهر المجتمع السلبية الأخرى مثل التحلل الأخلاقي ومعاكسة الفتيات والتحرش الجنسي والشذوذ والمسكرات والمخدرات، وبروز الجرأة على السخرية بمسلمات الدين وسننه والإلحاد، وظاهرة الإقصاء والتصنيف.


إن العمل الفني الذي ينقد ظاهرة ويستفز مثل الطبيب الذي يقدم وصفته وهو يشتم، المريض لن ينتفع والظاهرة لن تتغير.