علي سالم

لطفي زيني، رحمه الله، ممثل ومنتج سعودي. تعرفت عليه عندما كنت أعمل مع عبد الله المحيسن في أول شركة للإنتاج الفني في الرياض. وهو شاب درس الإخراج السينمائي في لندن. كان ذلك عام 1977. وبعدها بعام نقل لطفي نشاطه إلى القاهرة منتجًا، فعملت معه مستشارًا فنيًا للنصوص. كانت مصر في ذلك الوقت قد بدأت ما نسميه «الانفتاح الاقتصادي»، وهو ما جعل لطفي يتصور أنه سيكون من السهل عليه أن ينشئ استوديو في مصر يقوم فيه بتصوير إنتاجه، وهو الأمر الذي لم يحدث. وكان الأمر مثيرًا للسخرية عندما كنت أرى المنتجين من مصر ومن المنطقة العربية يقومون بتصوير أعمالهم في قبرص ولندن واليونان. حاولنا المستحيل أن نقنع المسؤولين في مصر بأن تصوير الإنتاج العربي في مصر أمر ضروري وفي غاية الأهمية لعاصمة الفن في المنطقة العربية، وأن السماح بعمل استوديوهات خاصة في مصر أمر مفيد من كل الوجوه، وأنه لا يشكل خطرًا ما على الأمن القومي. فشلنا في إقناعهم، كما فشلوا في إقناعنا بصحة موقفهم الذي يتناقض تمامًا مع سياسة الانفتاح. وظل هذا موقف الدولة حتى بداية التسعينات، فقد سمحوا بظهور الجرائد الخاصة بشرط أن يقوم أصحابها بطباعتها خارج مصر.. في لبنان أو قبرص. واستمر هذا الموقف إلى أن اكتشف أصحابه ما فيه من بلاهة، فسمحوا بطباعتها في مصر.


أعود إلى لطفي.. في بداية الثمانينات، اكتشف مبنى في مدينة سوسة بتونس يصلح بعد تعديلات بسيطة للتحويل إلى استوديو لتسجيل الأعمال التلفزيونية. أما الأجهزة المطلوبة، فقد اكتفى بشراء سيارتين مخصصتين للتسجيل ألحقهما بالاستوديو. هكذا بدأت قوافل الممثلين والمخرجين في الذهاب إلى سوسة/ تونس لتسجيل أعمالهم هناك. كانت التجربة فريدة بالنسبة لي، فقد تعرفت على الكتّاب والمسرحيين التوانسة، كما أعجبت كثيرًا بذلك الجسر الذي أقامته تونس ليس مع الثقافة الغربية فقط؛ بل مع المواطن الأوروبي سائحًا يبحث عن مكان جميل وآمن. كان إعجابي لا حد له بتلك العمارة المتميزة للفنادق في تونس الشمال، ووقعت في عشق سوسة والحمامات.


والآن تقفز سوسة إلى ذهني ليس بوصفها مكانًا جميلاً، بل على أنها خبر يهتز له العالم كله.. نعم أعرف هذا المكان جيدًا، كم تمتعت بالإقامة فيه منذ أكثر من خمسة وثلاثين عامًا.


معركتنا طويلة يا سادة. وعلينا أن نتنبه إلى أننا يجب أن نخوضها بكل ألم، ولكن ليس بفقدان الأعصاب. قلبي مع تونس والتوانسة.. قلبي مع الحكومة التونسية التي اتخذت عدة قرارات حاسمة مع بداية معركة طويلة للغاية غير مسموح لنا أن ننهزم فيها.


تونس في التاريخ المعاصر لم تكن منتجعًا جميلاً فقط، بل كانت مصدرًا للأفكار الحرة والسياسات العاقلة البعيدة عن الديماغوجية. تونس، ولسنوات طويلة، كانت على الطريق الحقيقي للتنمية والحرية الاقتصادية، وحقوق الإنسان، رغم كل الانتكاسات. المعركة طويلة، والصيف أيضًا طويل.. لقد جاءت الطائرات الإنجليزية لتعيد السائحين إلى إنجلترا.. هل أطلب من الطائرات العربية أن تذهب إلى سوسة بركابها العرب؟ دعونا على الأقل نستمتع بالهواء البارد وجمال البحر في سوسة.. فالمعركة طويلة.