&مالك التريكي
&
&
&
&رغم أن أول معاهدة بين تونس وبريطانيا تعود إلى عام 1662، أي إلى ما قبل تأسيس الدولة الحسينية التي منحت تونس، منذ عام 1705، كيانها المعروف ونظام حكمها المستقل عن السلطنة العثمانية (مع بقاء مظاهر الارتباط الإسمي والديني)، فإنه لا تكاد توجد بين تونس وبريطانيا أي علاقات ثقافية واجتماعية يمكن الاعتداد بها.
أما العلاقات السياسية فهي تكاد تنحصر، منذ زمن الدايات والبايات والملك تشارلز الثاني، في الحد الأدنى المتمثل في التبادل الدبلوماسي. ذلك أن الحضور الفرنسي الطاغي لم يتح لتونس مجالا للانفتاح على بقية الأمم الأوروبية، ناهيك عن سواها.
إلا أنه لا يمكن إرجاع المسألة إلى الاستعمار فحسب، لأن العلاقة شبه الحصرية بين تونس وفرنسا لم تبدأ مع فرض نظام «الحماية» الاستعمارية عام 1881، بل إن بذورها بدأ تنمو منذ أكثر من ثلاثة قرون.
أما أسباب هذا «الانفراد» الفرنسي بتونس، فهي عديدة. وأهمها أن فرنسا هي التي اضطلعت منذ القرن السادس عشر بحماية المصالح الأوروبية في تونس. كما أن الانجذاب إلى المدنية الفرنسية، وبدرجة أقل الإيطالية، قد كان منذ ذلك العهد واسع الانتشار بين حكام تونس ووجهائها.
ولهذا فلا يكاد يكون لتونس المعاصرة أي حضور في بريطانيا لا ثقافيا ولا سياسيا. أما في المخيال الشعبي البريطاني فإنها لم تكن تعدو، طيلة القرن العشرين، كونها قطرا في إقليم «شمال إفريقيا الفرنسية”. ولم تبدأ الأمور في التبدل نسبيا إلا في العقدين الأخيرين، حيث صارت تونس تدريجيا، بقربها الجغرافي وقلة تكاليف الإقامة فيها، وجهة سياحية جديدة للبريطانيين، بعد ما كان الفرنسيون والإيطاليون والألمان يمثلون الأغلبية الساحقة من سياحها الأوروبيين.
صحيح أن الثورة الشعبية ونجاح تجربة التداول السلمي على السلطة قد أكسبا البلاد بادىء الأمر سمعة جيدة في الإعلام الأنكلوساكسوني. ولكن الاهتمام ظل محدودا ومناسباتيّا، بعكس الاهتمام الثابت والأصيل في الإعلام الفرنسي. أما ما طرأ من اهتمام في الفترة الأخيرة، فإنه راجع «للأسباب الخطأ». إذ إن المفارقة الأليمة هي أن عملية سوسة قد قلبت الموازين، فحولت تونس إلى اسم مرتبط من هنا فصاعدا بأكبر عملية إرهابية تعرفها بريطانيا من حيث عدد الضحايا، حيث لا تسبقها في هذا الترتيب الرهيب سوى عملية 7/7/2005 التي أحيت لندن، قبل أيام، ذكراها العاشرة.
ورغم أن الإجماع منعقد نظريا في بريطانيا، وعموم أوروبا، على أن الانتعاش الاقتصادي (المرتبط وجوبا بإقبال الاستثمارات الأجنبية) هو المخرج الوحيد لتونس من مأزقها الاجتماعي والأمني والضمان الأسلم لاستقرار تجربتها في الانتقال الديمقراطي، فإن بريطانيا لم تبذل الكثير. حيث تقول الباحثة المتخصصة في الشؤون العربية في معهد «تشاتهام هاوس» كلير سبنسر إن بريطانيا ساندت التونسيين في ثورتهم، وكان وليام هيغ أول وزير خارجية أوروبي يزور تونس بعد سقوط بن علي، مقدما منحة تضامنية بخمسة ملايين جنيه. وكانت بريطانيا فاعلة في برامج المساعدة التقنية والمالية التي أعلنها الاتحاد الأوروبي ومجموعة العشرين، ولو أنه تبين أن المنح التي تم التعهد بها بعد قمة دوفيل عام 2011 إنما هي أموال أعيد تدويرها (أي أنها مرصودة أصلا في برامج سابقة) وليست أمولا جديدة. أما الآن فإن التونسيين «يجدون صعوبة في محاولة ذكر أي مساهمة من بريطانيا» في تعزيز التجربة السياسية الجديدة.
وتشرح الباحثة أنه “لا يوجد في الدوائر الحكومية البريطانية من يدافع عن قضية تونس، إلا ما قلّ وندر من أصوات في البرلمان”. ولهذا لم تتجاوز المساعدة الثنائية عام 2012 مبلغ 7 ملايين و200 ألف جنيه. ذلك أن “التعهد البريطاني عام 2011 بتطبيق استراتيجية تنموية بعيدة الأمد في تونس سرعان ما تراجع بفعل تصاعد القلق من انتشار الإرهاب” في المغرب العربي. وتشير سبنسر إلى أن الميل أصبح قويا لدى الحكومة البريطانية – منذ أكثر من عامين، في تقديرنا – إلى العودة إلى استراتيجيات “مكافحة الإرهاب أوّلا” التي كانت سائدة قبل الثورات العربية. ولكنهاتنبه إلى أن انخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تونس منذ عام 2011 إنما يعني استمرار تضاؤل فرص العمل أمام الشباب المتخرج من الجامعات ومزيدا من التقبل لدعاية الفصائل الإرهابية.
إلام تخلص الباحثة من هذا كله؟ إلى أن بريطانيا صديق لتونس، ولكن في السراء فقط!
&
التعليقات