علي سالم

الأمير سعود الفيصل هو عنوان لفصل في كتاب الزمن هو: دور الفرد المبدع في التاريخ. وكيف أنه القاطرة الحقيقية التي تشد عربات التاريخ إلى الأمام على قضبان الزمن والحضارة. وبغياب الفرد المبدع أو بخفوت صوته أو بحصاره بقوات العجزة غير الأكفاء من جموع أهله تنتكس حركة التاريخ وتتوه الجماعة وتضيع الحضارة. هذه ليست مجرد كلمات، بل هي حقائق واقعية على الأرض تحيط بنا الآن ممثلة في شعوب بأكملها تركت بيوتها وهامت على وجهها في الوديان والجبال والصحارى. هذه شعوب بذلت حكوماتها جهودا جبارة في القضاء على الأفراد المبدعين في مجتمعاتها إلى أن جاءت اللحظة التي فقدت فيها هذه الشعوب من يقودها إلى سكة السلامة.


كان الأمير سعود الفيصل فردا مبدعا وموظفا عاما يتميز بكفاءة نادرة. وكأي فرد مبدع كان إحساسه بالمسؤولية عاليا، ولعل ذلك كان السبب في ملامح وجهه المهمومة دائما. استمع إلى جملته.. كل دقيقة تضيع هي ثمن لشيء ما. قد تبدو الجملة غامضة أو ينقصها الوضوح عند هؤلاء الذين لا يدركون أن الوقت هو الثروة الحقيقية على الأرض، وهو ما كان يؤمن به الأمير سعود الفيصل.


من الشائع عند الكثيرين أن الدبلوماسية هي فن المراوغة وتلوين الحقائق حسب الظروف، أو هي القدرة على أن تتكلم دون أن تقول شيئا. وقد تجد من الوقائع ما يثبت ذلك، وخصوصا عند ممثلي حكومات الدول الضعيفة، غير أن سعود الفيصل (رحمه الله) أدرك منذ وقت بعيد جدا أن الدبلوماسية هي الوضوح وأن يعلن طول الوقت ما يراه وما تراه دولته صحيحا، حتى عندما كانت معظم دول العالم متحمسة لغزو أميركا للعراق لإزالة صدام حسين، أعلن في وضوح أنه ضد ذلك. وعندما كانت أهم دول الغرب تحت التأثير القوي لإعلام جماعة الإخوان المصرية، ترى أن ما حدث في مصر هو انقلاب عسكري، سارع هو بالحركة والسفر ليشرح لهم حقيقة ما جرى في 30 يونيو (حزيران)، وكيف أن عشرات ملايين المصريين خرجوا إلى الشارع رافضين أن تستمر جماعة الإخوان في حكمهم. كان (رحمه الله) بخبرة السنين يعرف أن الجانب الشخصي في السياسة العالمية دوره مهم للغاية، هو يعرف أنهم يثقون به، ويثقون بحكمه الصائب على الأمور، لذلك قام بهذا الدور، ليس لأنه مسؤول عن الشؤون الخارجية المصرية، بل لأنه مسؤول عن إعلان الحقيقة دفاعا عن دولة حليفة، هذا هو ما يحتمه عليه كموظف عام الإحساس بالواجب. هو ليس موظفا عاما في السعودية فقط، هو يدرك أنه موظف عام عند العرب جميعا. هذا الرجل (رحمه الله) لم يكتفِ بموهبته التي حباه الله بها، بل أضاف إليها ما نسميه عبقرية المجهود. إن إجادته لعدد كبير من اللغات الأجنبية، ومنها اللغة العبرية، تدل دلالة واضحة على رغبته القوية في بناء جسور بينه وبين العالم كله. الفرد المبدع في كل المجالات يشعر بتوحد مع بلده، هو وبلده يصبحان كيانا واحدا. لذلك كان (رحمه الله) على يقين من أنه يمثل بلدا إقليميا قويا قادرا على التعامل بندية مع كل أطراف العالم القوية، وأن لدى السعودية ما يمكن أن تقدمه للعالم. رحمه الله.. كان عنوانا حقيقيا للمملكة السعودية.