زهير قصيباتي

«فصل جديد من الأمل» لإيران، بعد ليالي فيينا «النووية»، هل يتحوّل فصولاً من المواجهات والحروب الصغيرة في المنطقة العربية، لاستكمال الشق الآخر من الصفقة الذي ما زال خفياً؟ مواجهات وحروب أخرى للحسم في البؤر المشتعلة، والاقتراب من الفصل الأخير في سيناريو التفتيت والتقسيم؟

صحيح أنها المرة الأولى التي يلتقي فيها العرب وإسرائيل في موقف متقارب، يتوجّس من قدرة إيران المالية بعد رفع الحظر الاقتصادي والنفطي، ومن طاقتها النووية، لكن المفارقة التي تصدم الجميع، هي أن يظهر الرئيس باراك أوباما مدافعاً عن الاعتراف بإعادة تأهيل «الجمهورية الإسلامية» في إيران التي ما زالت مصنّفة دولة راعية للإرهاب، لتصبح مجدداً عضواً مقبولاً في المجتمع الدولي. يعني ذلك بداهةً تطبيعاً كاملاً، ولو على مراحل، ومصالح متبادلة في الاقتصاد والتجارة، ومَنْ يدري قد نسمع بعد سنة أو اثنتين عن عقود أميركية لشراء نفط إيراني، وتأهيل الطيران المدني الإيراني و... قد نرى المرشد علي خامنئي في البيت البيض، وأوباما يشدّ رحاله إلى طهران لفتح سفارة الولايات المتحدة، وطي ذكريات احتجاز الرهائن الأميركيين فيها، ثم لا بأس بجولة سياحية في قم.

«العالم يتغيّر» في عيون طهران، ويرجَّح أن تختفي الهتافات ضد «الشيطان الأكبر» الذي بارزَتْه جمهورية المرشد لأكثر من عشر سنين في مياه الخليج، وتحدّته أن يستخدم العصا رداً على تشبُّثها بتخصيب اليورانيوم.

في الزاوية الأخرى من الصورة، بعد الأيام العصيبة في فيينا، يقف أوباما وخامنئي معاً في مواجهة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، إذا صدقنا أن إسرائيل غاضبة فعلاً مما انتهت إليه ليالي فيينا، إذ إنها لا تشطب القدرة النووية لدى إيران ولا تحرمها منها. وقد يكون وراء الغضب الإسرائيلي احتمال تسريع قطار التطبيع مع طهران، بل كسرها احتكار الدولة العبرية امتياز الحظوة الأولى لدى أميركا وأوروبا.

كانت باريس أشد المتحمّسين للتشدُّد مع الإيرانيين في المفاوضات النووية. اليوم، باريس في مقدّم القطار، ويستعد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس لزيارة طهران فيما لم تمضِ سوى ساعات على دفن مواجهة بالعقوبات والتهديدات دامت عقداً من الزمن.

«العالم تغيَّر»؟... هو تغيَّر في المنطقة العربية أيضاً، حيث المخاوف مشروعة من المخفي الأعظم في اتفاق فيينا، وهو لن يكون إلا على حساب العرب. سورية مثلاً، حيث بات الدور الإيراني مطلوباً لدى فرنسا لوقف الحرب، أين تقف على عتبة «النووي السلمي» الذي يمنح طهران شهادة «حسن سلوك»، تؤهلها لدور في تسويات مطلوبة لدى الدول الكبرى، في كل بقعة عربية مشتعلة؟ وتلك تسويات لن تعني بالضرورة أن الحروب المتنقّلة في ليبيا وسورية واليمن والعراق، سينطفئ أوارها غداً أو بعد سنة أو خمس.

وإن كانت دول الخليج معنية قبل غيرها من الدول العربية، بتداعيات اليوم التالي لفيينا، فلا بد أن يُطرح السؤال الآتي: هل ستُخصِّص إيران جزءاً من عائداتها النفطية الضخمة، بعد رفع الحظر، ومن أرصدتها المجمّدة، لإنشاء مستشفيات وبناء مصانع وجامعات ومعاهد علمية للإيرانيين، ولعربٍ اعتبرتهم رعاياها في «محافظات إيرانية»... حيثما حلّ «فيلق القدس» وقاسم سليماني؟

ما يعني الخليجيين وسواهم من العرب، أن إيران في ظل الحصار الدولي والعداء للغرب، اخترقت دولاً ومجتمعات عربية وفكّكت وحدتها بإنعاش المذهبية التي باتت تتقدّم على الانتماء الوطني، حتى باتت الحلول مستعصية، وصمود الكيانات العربية تحاصره الشكوك.

إيران «الضعيفة» متورّطة في العراق وسورية واليمن، وذريعة محاربة «داعش» إن كانت أحد معابر التطبيع مع الغرب، لن تكفي لإقناع العرب بأن طهران باتت داعية سلام، لا تريد لهم إلا السلام والوئام، برعاية أوباما وخامنئي.

الملف «النووي» أولوية لدى الأوروبيين والأميركيين، الملف المذهبي أولوية العرب ومحنتهم، والسؤال هو: إن كانت عقدة البرنامج النووي لإيران استنفدت عقداً من القطيعة والمواجهات والتهديدات، فكم ستطول فصول الصراعات المذهبية؟ وهل «سحر» الغرب والعقوبات الذي «غيّر العالم» قادر على تدجين الطموحات الإقليمية لطهران و «حرسها» الثوري؟

أوباما الذي سيسجّل له التاريخ قتل زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن، و «خنق» القنبلة الذرّية الإيرانية إلى حين، لم يُثبِت بعد رغبته في وقف الحروب الإيرانية بالوكالة.