هاني الظاهري

بيان وزارة الداخلية، الذي كشف قبل أيام عن ضبط أكثر من 400 إرهابي مرتبط بتنظيم «داعش»، وإحباط مجموعة من العمليات الإرهابية، التي كانت من المفترض أن تزهق أرواح المئات وربما أكثر من الأبرياء، ليس بياناً عادياً، هو فعلياً أهم رسالة تطمين موجهة إلى الداخل والخارج، تؤكد أن اليقظة الأمنية السعودية قادرة على إبهار أعرق أجهزة الاستخبارات الدولية بإنجازاتها في مكافحة إرهاب هذا التنظيم، الذي مازال يثير رعب الناس في كل مكان بقدراته المثيرة ووحشيته غير المسبوقة.

&

على المستوى المحلي، تبدو وزارة الداخلية الجهاز الوحيد الذي يخوض المعركة مع الإرهاب بكل جدية ويقاتل منفرداً، وسط دور أقل من المتوقع وأدنى من المستوى المأمول لأجهزة أخرى، يفترض بها أن تلقي بكامل ثقلها في هذه المعركة الوجودية، فالإرهاب فكر قبل أن يكون عمليات تفجير، والجهات التي تتعامل مع الفكر غائبة عن المعركة حتى الآن، وهذا أمر غير مفهوم بالنسبة لي ولكثيرين من متابعي الشأن العام، فإن كانت وزارة الشؤون الإسلامية على سبيل المثال تشرف بكل تقصير وعدم مبالاة على المنبر أو المخيم الذي يخترقه مروجو الفكر المتطرف، ليدفع بإرهابيين جدد في مواجهة الجهات الأمنية، فنحن في دوامة بحاجة للمعالجة السريعة، لأن المعركة أسرع وأشرس بكثير مما نتصور.

&

تسجيل الغياب لا يخص وزارة الشؤون الإسلامية فقط، بل يشمل التعليم والإعلام وغيرهما من الجهات، التي أعتقد وفق رؤيتي الخاصة أنها لم ترتدِ حتى الآن لباس الحرب على الإرهاب بشكل جدي يتناسب مع الخطر المرحلي الذي تواجهه الدولة، إما لأن هذه الجهات لم تستوعب بعد مدى خطورة المعركة، أو لأنها تعاني من شلل حركي مزمن فقدت بسببه القدرة على الاستجابة السريعة للمتغيرات، وهو ما عبر عنه والدنا الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله- عندما وصف سلوك بعض الشخصيات ذات التأثير الفكري في المجتمع بـ«الكسل» في مواجهة الفكر الإرهابي.

&

على المستوى الدولي أضافت وزارة الداخلية السعودية إلى سجلها تفوقاً جديداً ولافتاً، فكما نجحت خلال العقد الماضي في تفكيك وإبطال مفعول تنظيم «القاعدة» وأجبرت بقايا خلاياه على الفرار إلى دول مجاورة بحثاً عن السلامة، نجحت أيضاً في إحباط ما خطط تنظيم «داعش» لإنجازه داخل السعودية طوال الفترة الماضية، وهذا إنجاز أكبر وله بعد دولي وإقليمي أهم، فـ«القاعدة» مقارنة بـ«داعش» تبدو مجرد تنظيم بدائي بسيط ضعيف القدرات والتخطيط، فيما القوى الدولية الكبرى تقف محتارة اليوم أمام القدرات التنظيمية والاستخباراتية والاستراتيجية التي يتمتع بها تنظيم «داعش»، وهذا ليس أمراً سرياً فالتصريحات القادمة من البيت الأبيض تتحدث عن حاجة العالم إلى عقدين من الزمن كي يتمكن من هزيمة «داعش»، لكن يبدو أن ما تحققه الداخلية السعودية في هذا الميدان قادر على تغيير كثير من القناعات حول هذه المعركة.
&