زينب غاصب

لن يكون تفجير مسجد قوات الطوارئ في منطقة عسير الأسبوع الماضي الأخير، لأن تنظيم داعش والمنتمين إليه لا يعرفون الله أصلاً، فلو كانوا يعرفونه حقاً لما أجازوا لأنفسهم قتل الرُّكَّع السجود في بيوت الله التي لا يذكر فيها سوى اسمه العظيم، لم يكن الجهاد في يوم من الأيام دعوة للقتل، ولا لنشر الإسلام بحد السيف، بدليل أن الجهاد في العصر الإسلامي الأول مبني على ثلاثة أركان، الدخول إلى الإسلام ونطق الشهادة أولاً، ثم الصلح بدفع الجزية التي تقابلها الصدقة عند المسلمين، أو القتال وجهاً لوجه بين فريقين ليست غيلة، ولا خداعاً، بمعنى أن كل طرف له حق الدفاع عن نفسه ومعتقده، وقد اكتفى المسلمون في أواخر عهودهم بنشر الإسلام عن طريق التجارة، والدعاة المخلصين الصادقين، وصرفوا اهتمامهم بتحصين بلدانهم والحفاظ عليها.

&

أما عقيدة التكفير التي اعتنقتها التنظيمات الخارجة عن الإسلام بدءاً من تنظيم القاعدة إلى تنظيم داعش في العصر الحاضر فهي لا تنتمي إلى الإسلام الذي جوهره صيانة الأرواح، والحفاظ عليها، وتحريم قتلها، فهؤلاء تنظيمات هدفها محاربة الإسلام من دون مواربة ومغالطة، وقد أخبر عنهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنهم (كلاب النار) في حديثه المنقول عن الخوارج، ولا بد لنا من أن نتساءل: لماذا قتل المسلمين الأبرياء وقتل الركع السجود؟ لقد غضب الرسول -صلى الله عليه وسلم- على خالد بن الوليد -رضي الله عنه- حين أرسله داعياً إلى بعض القبائل العربية وقال له: (إني أبعثك داعياً، لا مقاتلاً)، لكن خالد سبقه سيفه متسرعاً غير متعمد، وقتل بعضهم، فانتفض الرسول جزعاً وألماً مستقبلاً القبلة رافعاً يده لله معتذراً قائلاً: (اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد)، هذا وهو الرسول العظيم الذي لو شاء لاستغفر لخالد من دون أن يتبرأ من فعله، ولو شاء أيضاً لبرر له تسرعه. أما «داعش» ومن في ثوبها فيجدون لهم من يحرضهم، ويشجعهم، ويتعاطف معهم، ويحارب من يقف ضدهم، وهؤلاء هم رؤوس الفتنة ودعاتها، ونارها التي تحرق الأوطان والأبرياء، ولن تتحرك ضمائرهم طالما يحتمون خلف طوابير الغباء لا نقول جهلة، فالله قد جعل الإيمان فطرة بعيدة عن سفك الدماء خشيةَ غضبه، منذ بدء الخليقة وفي عهد آدم عليه السلام عندما قتل قابيل أخاه هابيل، في قوله تعالى: (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين)[المائدة:28] فهم لم يعرفوا الله كما ينبغي لجلاله من كتابه الكريم الذي فسروه بما يتماشى مع أهدافهم في الفتنة والخراب، وكما كان للخوارج مفكروهم وعلماؤهم الذين أباحوا لهم الدماء والقتل، فهؤلاء المحرضون هم علماء الخوارج في العصر الحديث بلا علم، وبلا دين، وإلا لخافوا الله الذي يصرخون باسمه أن يسألهم عن كل هذا القتل والدماء التي أهدروها بفكرهم التكفيري المحرض على القتل عامة، وقتل الركع السجود خاصة؛ لأنهم بين يديه سبحانه وتعالى، وفي بيته، وفي أمنه، وفي حرمته، لكنهم لا يصونون لله حرمة ولا خلقه، ولا لدينه.

&

لا جدال الآن فقد اتفق الناس من داخل البلد وخارجه، عن طريق كتاباتهم الصحافية، أو على مواقع التواصل الاجتماعي، أو الهشتاقات التي وضعوها، أن لا سلامة، ولا حماية للناس مهما كانت جهود الأمن القوية، وأجهزته الفعالة المشكورة في التصدي لهؤلاء الإرهابيين الخارجين عن شريعة الله، إلا بالقضاء على فكرهم ورؤوسهم في التحريض، ولا يخرج عن هذا الرأي إلا من كان في جعبتهم ويحمل فكرهم.
&