مأمون فندي
هل تفكك قصة أحمد إبراهيم المغسل، التي انفردت بها «الشرق الأوسط»، والذي قبض عليه الأمن السعودي، والمتهم بتفجير الخبر في 25 يونيو (حزيران) 1996، الاتفاق النووي بين أميركا وإيران؟ هناك أحداث صغيرة تشكل ملامح أمور استراتيجية كبرى، مثل اشتعال جسد البوعزيزي في جنوب تونس الذي أدى إلى حريق شامل في المنطقة، وأحيانا أشياء صغيرة مثل المشرط وتذكرة الطائرة اللذين أديا إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. فهل سيشكل حدث القبض على أحمد إبراهيم المغسل المتهم بتفجير سكن الأميركيين في الخبر في شرق المملكة العربية السعودية، والذي أدى إلى مقتل 19 أميركيا وجرح أكثر من 500.. هل يشكل هذا الحدث من جديد علاقات أميركا بإيران أو أميركا بالمملكة العربية السعودية؟ هل تفكك قضية المغسل الاتفاق النووي بين أميركا وإيران؟
عودة هذا الحدث إلى الواجهة مرة أخرى هي امتحان للأميركان.. فهل ستنسى أميركا قتل 19 من مواطنيها إذا ما ثبت الدليل على المغسل وعلاقته بالحكومة الإيرانية؟ هل يستطيع الرئيس الأميركي أو الكونغرس تبرير علاقات جديدة مع إيران وأيدي إيران ملطخة بالدم الأميركي؟ من يعرف المجتمع الأميركي وعلاقة المجتمع بالإعلام بالسياسة ستكون إجابته بالنفي، أي أن أميركا لا بد أن تنتقم لمواطنيها. لكن طبيعة الانتقام تتشكل بنوعية الأدلة التي قد تتسرب من التحقيقات مع المغسل.
في أميركا، خصوصا بين الأوساط السياسية، كان الحديث منذ بداية تفجير الخبر عام 1996 عن أن العملية أكبر وأكثر تنظيما من أن تقوم بها مجرد مجموعة إرهابية تسمي نفسها «حزب الله - الحجاز»، لذلك كان هناك شك أميركي كبير في أن إيران هي التي دربت هذه العناصر وهربت لهم المتفجرات وكانت خلف العملية، لكن السياسة الإقليمية أيامها لم ترد أن تدين إيران، والمملكة العربية السعودية خصوصا كانت لا تريد توسيع دائرة الاشتباه ولا تريد من أميركا ضرب إيران بعد خمسة أعوام فقط من تحرير الكويت. لكن الأدلة الأولى بالنسبة للأميركان كانت كلها تشير إلى يد إيرانية خلف التفجير، فقد استطاع السعوديون ومعهم «إف بي آي» تحديد «شاسيه» السيارة المستخدمة في التفجير، وتم التعرف على صاحبها الذي أقر بأن الإيرانيين قد دربوهم على العملية. كما أنه وقبل التفجير بشهور ضبطت قوات الحدود السعودية سيارة محملة بالمتفجرات قادمة من الأردن، وبالتحقيق مع السائق توصل السعوديون إلى خلايا متعددة اعترف أعضاؤها بتدريبهم إيرانيا لضرب أهداف على أراضي المملكة.
كل هذه التفاصيل كانت محور حوار مستمر بين السعوديين والأميركان، بين الأمير بندر بن سلطان الذي كان سفير السعودية في واشنطن وقتئذ، ومساعده السفير رحاب مسعود من ناحية، ولويس فري مدير «إف بي آي» وفريق عمله من الناحية الأخرى. كان ذلك في وقت رئاسة بيل كلينتون، الذي كتب أكثر من مرة إلى الملك فهد، وقابل بعدها ولي عهده حينها الأمير عبد الله بن عبد العزيز، في نيويورك، حيث كان هناك التزام علني من كلينتون بمعاقبة الجناة وتقديمهم للعدالة، وكانت الأدلة تشير إلى أعضاء في الحكومة الإيرانية والحرس الثوري الإيراني. أيامها كانت المملكة العربية السعودية لا ترغب في ضربة أميركية لإيران، فهل الوضع الآن هو ما كان في تسعينات القرن الماضي؟
كان ملف تفجير الخبر أساسيا في المعركة الدائرة بين البيت الأبيض من ناحية ممثلا في كلينتون ومستشاره للأمن القومي أنتوني ليك، ونائبه ساندي بيرغر.. وبين مدير «إف بي آي» لويس فري الذي لم يترك القضية مطلقا وكانت أولى القضايا التي شرحها لجورج بوش الابن وطالبه باتخاذ موقف أكثر حزما تجاه إيران. كلينتون تخلى عن ضرب إيران حفاظا على العلاقة الاستراتيجية بين السعودية وأميركا، لكن رأي لويس فري كان مختلفا.
في تلك المعركة حاول لويس فري أن يكسب الأمير بندر إلى صفه، لكن كان رد الأمير دائما لا يناسب أهداف فري، حيث كان يقول له حسب مجلة «النيويوركرز»: «نريد أن نعرف ماذا ستفعلون بالأدلة قبل إعطائكم إياها». ولم يكن غائبا عن الأمير يندر أن أي دليل يربط الموضوع بالحكومة الإيرانية سيؤدي إلى ضربها، ولم تكن السعودية حينها ترغب في ذلك. لكن اليوم غير الأمس، فظهور الأدلة ما بعد المغسل قد يؤدي إلى الضربة المؤجلة ذاتها منذ عام 1996. فهل سيكون المغسل هو الحلقة المفقودة في اللغز التي قد تؤدي إلى ضرب إيران ومعها يتفكك الاتفاق النووي؟
لا أظن أن قصة المغسل تسريبة سعودية تريد تغيير العلاقات الأميركية الإيرانية، لكن ظهوره الآن حتى لو كان بالصدفة سيؤدي إلى النتيجة ذاتها.
السعودية كانت دائما حريصة على تجنيب إيران أي ضربة أميركية رغم وجود أدلة على أيادٍ إيرانية خلف تفجير الخبر.
وكان ذلك واضحا في لقاء ولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبد الله بن عبد العزيز مع الرئيس الإيراني وقتها رفسنجاني في باكستان، حيث قال له الأمير عبد الله: «نحن نعرف أن إيران خلف العملية». ونفى رفسنجاني ذلك. كانت تلك فترة تقارب سعودي إيراني، وكان ذلك يحدث وزاد في فترة محمد خاتمي، لكن في العام ذاته (1997) تم القبض على هاني الصائغ، الذي سلمته السلطات الكندية لأميركا، وجرت معه تحقيقات تشير إلى يد إيرانية خلف التفجيرات.
ظن الأميركيون أيامها أن السعودية تحاول أن تتوصل إلى تسوية إقليمية مع إيران، الأمر الذي أغضب أميركا للدرجة التي جعلت ساندي بيرغر يسرب للصحافة حديثه مع الأمير بندر الذي قال فيه «إذا كان السعوديون يريدون سلاما منفردا مع إيران، فليفعلوا، ولكن يجب ألا يقيموا سلاما مع إيران نيابة عنا، ولا ينبغي أن تحدد السعودية كيف سترد أميركا»، أي أن أميركا تحتفظ بحق الرد على إيران بغض النظر عن موقف حليفتها الكبرى: السعودية.
وقد أثار الرئيس كلينتون موضوع تحقيقات الخبر مع الأمير عبد الله في أول زيارة له إلى واشنطن، ولكن يومها اختلفت التفسيرات بين أميركا والسعودية حول درجة الأهمية التي أثار بها كلينتون الموضوع، يومها كانت واشنطن غارقة في قصة مونيكا لوينسكي لا قصة الإرهاب.
الفكرة أن السعودية أيامها كانت حريصة ألا تضرب أميركا إيران، أما الآن فلا أعتقد أن السعودية يعنيها أمر إيران كثيرا، التي تدخل معها في مجموعة حروب إقليمية بالوكالة في لبنان واليمن والعراق وسوريا.
قصة المغسل، وإعادة فتح ملف الخبر اليوم ومقتل 19 أميركيا وجرح أكثر من 500 أميركي، ستمنح الكونغرس الرافض للاتفاق النووي مع إيران مزيدا من الذخيرة ضد رغبة الرئيس في إتمام تلك الصفقة. لهذا قد تكون لقصة المغسل أهمية كبرى في زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز المقبلة لواشنطن. من لا يعرف أميركا قد يتصور أن قصة ثأر أميركي منذ عام 1996 قد عفى عليها الزمن ولن يتذكرها الأميركيون.. من يتصور هذا واهم. الكونغرس الأميركي قد يتخذ من قصة المغسل سببا أساسيا لإفشال الاتفاق بين أميركا وإيران.
التعليقات