أمينة شفيق
&
من المرجح، حتى الآن، أن تتصدر السيدة هيلارى كلينتون قائمة مرشحى الحزب الديمقراطى فى الانتخابات الرئاسية القادمة، الانتخابات الرئاسية لعام 2016. وبالتالى قد يصبح من المرجح أن تدخل السيدة هيلارى إلى البيت الأبيض لتصبح هذه المرة رئيسة الولايات المتحدة الأمريكية وليس بصفتها السابقة، السيدة الأولى حرم الرئيس، كما حدث لدورتين سابقتين فى تسعينيات القرن الماضي.
والسيدة الأولى السابقة للبيت الأبيض امرأة عاملة كانت تحقق دخلا مرتفعا من عملها القانوني. وقيل ان دخلها من عملها القانونى هذا تفوق على دخل زوجها حتى عند توليه منصب رئيس منتخب لولاية اركانسو. كما أنها كانت، فى أثناء عملها بالقانون، واحدة من أشهر وأكفأ مائة محام ومحامية فى الولايات المتحدة بالرغم من أن مقر عملها كان فى مدينة ليتل روك عاصمة ولاية أركانسو الصغيرة، كما كانت ناشطة سياسية جيدة فى كل المعارك التى خاضها زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون، بدءا من معركة ولايته لولاية أركانسو إلى معركتى الفوز برئاسة البيت الأبيض. والأكثر من ذلك فهى التى خاضت السباق الديمقراطى للرئاسة الأمريكية أمام باراك أوباما ثم قيل انها عقدت صفقة معه. تضمنت الصفقة تنازلها عن الاستمرار فى المنافسة مقابل أن يدفع لها المرشح أوباما ما أنفقته على معركة الترشح ثم تعيينها وزيرة للخارجية فى دورة ولايته الأولي. كل ذلك بجانب فوزها بالمقعد البرلمانى لنيويورك بعد خروجها مع زوجها من البيت الأبيض بعد انتهاء ولايتيه. يعنى كل ذلك أنها سياسية تفهم فى المعارك والقانون ثم فنون الإدارة وخوض المعارك السياسية.
فى الولايات المتحدة، يعرفونها كامرأة قوية تعرف متى وكيف تقف بجانب زوجها فى الشدائد بجانب كونها زوجة تعرف كيفية عبور الأزمات الأسرية الكبيرة، ولكنهم لا يعرفون بالتحديد هل صمدت أمام أزمة بيل كلينتون الأخلاقية فى دورة ولايته الأولى حبا لزوجها وحفاظا عن أسرتها أم أنها تصرفت بالطريقة التى تصرفت بها تعبيرا عن كبريائها كامراة عاملة وسياسية تملك طموحاتها السياسية العامة خاصة إذا ما كانت قد حددت مبكرا مستقبلها الذى تريده؟ يرجحون السبب الثانى لأنهم رأوها تقف بجانب زوجها فى معركته للولاية الثانية وقد صاحبت ابنتها التى وقفت تمنع الهجوم أو حتى التساؤل عن خصوصيات والديها. ولم تفتح هيلارى كلينتون فمها ولم تتدخل فى حوارات ابنتها التى كانت حينذاك فى السادسة عشرة من عمرها. ولاشك أن فترة ولايتى بيل كلينتون تعيش فى ذاكرة الأمريكيين بمنطقهم وبناء على قناعاتهم كأمريكيين. كان، بسبب صغر سنه النسبي، يذكرهم بجون كيندى الرئيس الذى أغتيل فى الخمسينيات دون أن يعلم الشعب الأمريكى العظيم من الذى اغتال رئيسه. لقد حارب بيل كلينتون الجريمة وعدل من أجور الشرطة وخفض البطالة فى صفوف النساء والملونين والشباب والهسبانيك. إبتدعت إدارته فى ولايتيه فكرة عقود العمل المؤقتة أو المحددة المدة التى إستفاد منها بشكل جزئى المتعطلون من الشباب والنساء والملونون وذوو الأصول الأمريكية اللاتينية. حتى قيل ان أصوات الشرائح الأربعة تكاد تستقر فى صناديق الحزب الديمقراطى وليس فى صناديق الحزب الآخر المنافس، الحزب الجمهوري. وكانت علاقاته الأوروبية جيدة، خاصة مع أصدقائه فى 10 داوننج ستريت، مقر رئاسة الوزارة البريطانية، الذى كان يحتله تونى بلير. والاثنان معا، طرحا فكرة الطريق الثالث. وهى الفكرة التى لم نسمع عنها إلا فترة زمنية قصيرة جدا بعد مسحها من الخريطة على يد العلاقات التى فرضتها الرأسمالية العالمية. وكان الحزب الجمهورى المنافس يشير إلى فترتى بيل كلينتون على أساس أنه مجرد مستفيد من الفرص الاقتصادية الجيدة التى لم تمر بأزمات إقتصادية كبيرة. بمعنى أنها كانت صدفة لا تخضع لأى إرادة سياسية. أما هو وإدارته فكان يؤكد ان التقدم الذى حدث كان بسبب الاختيار السياسى السليم الذى سار عليه لمعالجة الأمور الاجتماعية. ولكن استمر الجمهوريون يحاربون مشروع السيدة كلينتون الخاص بالتأمين الصحى ولم يسمحوا لها بأن تطبقه أو حتى مجرد طرحه. فى هذا المناخ السياسى العام عاشت هيلارى كلينتون القانونية الذكية، ذات الطموحات السياسية التى تسير فى تواز مع طموحات زوجها، لثمانى سنوات فى البيت الابيض. ففكرة الاكتفاء بلقب السيدة الأولى لم تكن حدود طموحاتها تلك. كانت ترسم لما هو أكبر وهو ما تفعله الآن. وهو أن تصبح هى ذاتها أول امرأة تدخل البيت الأبيض كرئيسة للولايات المتحدة الأمريكية.وهو احتمال وارد حتى الآن.
وفى حالة نجاحها فى دخول البيت الابيض كرئيسة فانها ستكون قد حققت مكسبا شخصيا بحتا. أو فى حالة إخفاقها فآننا سنعتبر ذلك خسارة شخصية بحتة. أرى أنها فى الحالتين تمثل شخصها وطموحاتها. فالسيدة كلينتون لا تملك أن تدعى أنها تمثل المرأة فى الولايات المتحدة الأمريكية أو حتى تدعى أنها دافعت يوما أو ستدافع مستقبلا من أجل مستقبل أفضل للنساء الأمريكيات. لم نسمع أن هيلارى كلينتون انخرطت يوما فى حركة أو معركة أو حتى مناسبة تحتضن مطالب النساء الأمريكيات.
فهى مثلا على عكس امرأة عاملة أخرى شهيرة قفزت من منصب وزارى فى بلدها فرنسا إلى رئاسة إدارة صندوق النقد الدولي. فكريستين لاجارد اقتصادية تنتمى إلى مدرسة الليبرالية الاقتصادية الجديدة التى تؤمن بقدرة الرأسمالية العالمية على إصلاح الكون. ويختلف معها الكثيرون فى فكرها الاقتصادى وانا منهم، ولكن تأتى إلى موضوع قضايا المرأة فى كل البلدان وفى كل القارات وتتحول إلى مدافع عن حقها فى التعليم والعمل والمشاركة السياسية. فى كل محاضراتها تذكر بكل وضوح أن قضايا الدفاع عن حقوق النساء من الأمور المحببة إلى قلبها وأن العالم والحكومات لابد أن تعترف بحقوق النساء الأساسية لإنجاح التنمية و تقدم البلاد. لها منطقها الخاص فى وسائل وطرق حصول النساء على حقوقهن، وقد يختلف معها الكثيرون منا على المنهاج الاجتماعى الذى تحتضنه، ولكنها دائما ما تؤكد الحقوق الأساسية للمرأة. كما أنها تتابع حركة تطور النساء وخاصة فى إفريقيا جنوب الصحراء. لم تنس كريستين لاجارد يوما ما أنها امرأة وأن النساء لهن حقوق ولم تخف يوما أنها مرت بأنواع كثيرة من التمييز ضدها فى المواقع العملية الاقتصادية الفرنسية لمجرد كونها امرأة وليست رجلا. وغير كريستين لاجارد العديد من القيادات النسائية التى تتولى مناصب سياسية أو إدارية فى بلدانها.
أما هيلارى كلينتون، فإنها فى موقفها هذا أقرب إلى موقف رئيسة الوزراء السابقة مارجريت تاتتشر أول امرأة تتولى رياسة حزب المحافظين ورئاسة الوزارة فى المملكة المتحدة. لم تشغلها قضايا المرأة قدر ما شغلتها قضايا خصخصة القطاع العام واضعاف الحركة العمالية البريطانية والدخول ببلادها إلى مرحلة الرأسمالية الكونية أو العالمية وتحالفاتها عبر الاطلنطى مع رونالد ريجان. لذلك، ربما تصبح هيلارى كلينتون اول امرأة أمريكية تدخل البيت الأبيض ولكن لا يمكن اعتبار نجاحها إنتصارا للنساء الأمريكيات. أو اعتبارها من القيادات النسائية التى أضافت أو ستضيف حقوقا للنساء الأمريكيات. فنساء الولايات المتحدة لن يكسبن كثيرا من وجودها فى البيت الأبيض بالرغم من كل المشكلات التمييزية التى تعيشها جموع النساء الأمريكيات الحاملات لجواز سفر بلد هو أكبر إقتصاديات العالم كما تعرف أن بلدها تزج بأنفها فى مواقف الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان فى العالم كله. فأوضاع المرأة الأمريكية لا تأتى فى المقدمة.
فى الولايات المتحدة وزيرات وقاضيات ومحلفات وسفيرات ومجندات وضابطات شرطة وشاغلات لكل المهن والحرف ولكن تعمل كل هؤلاء النساء الجادات والمنتجات فى نسيج إجتماعى يعانى تمييزا حادا فى علاقات العمل وفى الأجور والاستحقاقات القانونية. فمبدأ الأجر المتساوى للعمل المتساوى ليس مطبقا فى الولايات المتحدة. قد يكون التطبيق فى ولاية ما ولكنه ليس مطبقا على المستوى الوطني. ويعيدون السبب إلى ديمقراطية النظام الفيدرالى الذى يترك لكل برلمان ولاية الحق المطلق فى التشريع. كما تخضع النساء الأمريكيات للتمييز فى العمل ليس على أساس النوع الاجتماعى فحسب بل وعلى أساس الأصول العرقية.
الخلاصة أن هيلارى كلينتون لن تعبر عن تقدم النساء الأمريكيات، كما أن وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيص لم يمثل انتهاء العنصرية فى أمريكا.
التعليقات