وحيد عبد المجيد

استقبلت موسكو الأسبوع الماضي قادة ثلاثة من أهم الدول العربية، إذ كان كل من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وسبقهم بأيام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في منتصف أغسطس الماضي.

&

وهكذا تدخل العلاقات العربية الروسية مرحلة جديدة تشهد تعاوناً متزايداً لم يحدث مثله من قبل، فهذه هي المرة الأولى التي تخلو فيها العلاقات بين العرب والروس من صراعات أو توترات ظاهرة، فقد ظلت هذه العلاقات صراعية أو متوترة أو فاترة في معظم الفترات، وحتى في الفترة التي أقامت فيها بعض الدول العربية علاقات وثيقة مع موسكو في الخمسينات والستينات، كانت دول أخرى في حالة صراع أو قطيعة معها، وبلغت العلاقات الصراعية ذروتها في مرحلة الغزو السوفييتي لأفغانستان في الثمانينات، حيث ساهمت دول عربية عدة في مواجهة هذا الغزو بأشكال ودرجات متباينة.

لكن التغير الذي حدث في العالم منذ انتهاء الحرب الباردة الدولية فتح الباب أمام تحول تدريجي بدأ بطيئاً في العلاقات العربية الروسية، ودفعت الاضطرابات التي تغمر منطقتنا منذ بداية العقد الجاري لازدياد معدلات هذا التحول.

وفيما تتطلع دول عربية عدة اليوم إلى دور روسي أكثر فاعلية في معالجة ملفات ملتهبة في المنطقة، تطمح روسيا إلى بناء علاقات اقتصادية وعسكرية أوسع وأعمق مع العرب لمساعدة اقتصادها على التعافي من تداعيات العقوبات الغربية وانخفاض أسعار النفط، لذلك يوحي المشهد للوهلة الأولى بأن الطريق صار ممهداً أمام ازدهار العلاقات العربية الروسية، بل يتصور بعض المراقبين موسكو بديلا عن واشنطن بالنسبة لكثير من العرب في المستقبل.

لكن بقدر ما تتوفر فرص كبيرة لهذا الازدهار، توجد عوائق قوية لا تجوز الاستهانة بها أو إغفال أنها قد تجعل اغتنام هذه الفرص من الصعوبة بمكان. وفي مقدمة هذه العوائق الروابط الخاصة جداً بين موسكو وطهران. ويثير ذلك سؤالا ملحاً قد يكون جواب موسكو عليه هو المحدد الرئيسي لمستقبل علاقاتها بالعرب: فهل تقدر روسيا على الاضطلاع بدور مؤثر في معالجة ملفات عربية تعد إيران طرفاً مباشراً في بعضها وغير مباشر في بعضها الآخر؟ وهل تستطيع تحقيق قدر معقول من التوازن في سياستها الإقليمية؟

ربما تكون الأزمة السورية هي الساحة الرئيسية لاختبار قدرة روسيا على التمايز عن السياسة الإيرانية التي تصر على أن بشار الأسد جزء من الحل وليس من المشكلة، ورغم عدم وجود موقف عربي موحد في هذا الشأن، فالاتجاه الغالب يرى أن الأسد لم يعد له مكان في مستقبل سوريا، مع استعداد لقبول انخراط بعض أركان نظامه في صفقة شاملة للحل.

وبإمكان روسيا القيام بدور مهم في هذا الحل التاريخي، ورغم وجود بوادر تقدم في موقفها بهذا الاتجاه، مازال خطابها الرسمي يراوح بين غموض يتستر وراء «صيغة جنيف» المبهمة حيناً، وانحياز سافر إلى الموقف الإيراني حيناً آخر.

وكلما بدا أن الموقف الروسي قابل للتقدم خطوة إلى الأمام باتجاه الفصل بين الأسد والدولة السورية، لا يلبث أن يعود أدراجه. فبعد تصريحات عدة شابها الغموض منذ مطلع الصيف الجاري، تحدث «لافروف» بلسان نظيره الإيراني «ظريف» خلال مؤتمرهما الصحفي في موسكو (17 أغسطس)، إذ رفض ما أسماه «اشتراط تنحي الأسد في إطار صفقة شاملة لإحلال السلام»، واستعادت موسكو الغموض الذي تلجأ إليه أحياناً في هذا المجال خلال زيارات القادة العرب الثلاثة إليها الأسبوع الماضي عبر إشارات مبهمة إلى «صيغة جنيف»، ورغم أن هذا التذبذب لا يتيح - وفق بعض التقديرات العربية - بناء ثقة كاملة مع موسكو، ويثير شكوكاً في جدوى الرهان على دور متوازن يمكن أن تقوم به، فهو يدفع - حسب تصورات عربية أخرى - إلى مواصلة الحوار وتنمية العلاقات معها على نحو يجعل مصالحها في العالم العربي أقوى من روابطها مع إيران.
&