زياد الدريس

بدأتْ أحاديث وهواجس الترشح العربي لرئاسة منظمة اليونسكو تتزايد وتتقاطع بين المتفائلين وبين المتشائمين، وذلك تمهيداً لخوض المعركة الانتخابية في شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام ٢٠١٧، خلفاً للبلغارية إرينا بوكوفا التي ستكون أكملت استحقاقها الرئاسي للمنظمة بدورتين متتاليتين، (علماً أن السيدة بوكوفا قد أعلنت عن ترشحها لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة خلفاً للسيد بان كي مون). وسيكون شهر تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٥ هو الموعد المنتظر لإعلان قائمة المترشحين لرئاسة اليونسكو في انتخابات ٢٠١٧.

&

كتبتُ، خلال الخـــمس عشرة ســـنة الـــماضية، عدداً من المقالات عن انتخابات اليونســـكو والمحاولات العربية خلال الثـــلاث جولات الماضية، في العام ١٩٩٩ حين هزم الياباني ماتسورا السعودي الراحل غازي القصيبي، ثم في العام ٢٠٠٩ حين هزمت البلغارية بوكوفا المصري فاروق حسني، وأخيراً في العام ٢٠١٣ أكدت بوكوفا جدارتها بالولاية الثانية حين هزمت الجيبوتي رشاد فرح واللبناني جوزيف مايلا.

&

لن أتحدث اليوم عن المرشحين العرب للمحاولة الرابعة، الذين أُعلنوا منهم والذين لم يُعلنوا حتى الآن، لكني سأتحدث عن مبدأ ترشحنا، في الظرف العربي الراهن، لرئاسة المنظمة الدولية الأولى في مجال الثقافة والتربية والتراث.

&

وسأقتبس من آخر مقال كتبته بهذا الخصوص، في هذه الصحيفة تحت عنوان : (العرب واليونسكو .. الهزيمة الثالثة http://alhayat.com/Details/560036 ) ، إجابةً على سؤال يتردد كثيراً، مفاده: لماذا لم يفز العرب بهذا المنصب حتى الآن، على رغم أحقيتهم التاريخية والموضوعية؟

&

وقد أجبت: «لأنهم إما أن يدخلوا بالمرشح المناسب في التوقيت غير المناسب، أو بالمرشح غير المناسب في التوقيت المناسب، أو بالمرشح غير المناسب في التوقيت غير المناسب. لكن العرب حتى الآن لم يصطادوا اللحظة الذهبية المتكاملة، أي التي يدفعون فيها بالمرشح المناسب في التوقيت المناسب!». ثم وضعت سؤالاً آخر ظننته أسهل من الأول، وهو: كيف يمكن للعرب أن يفوزوا بمنصب (المدير العام لمنظمة اليونسكو) الذي استعصى عليهم طوال سبعين عاماً من الانتظار وخمس عشرة سنة من المحاولة؟ وقد أجبت بأن سر الفوز يكمن في عنصرين رئيسين: اختيار المرشح المناسب، واختيار التوقيت المناسب. لكني استطردت، متفائلاً حينذاك، بالجزم بأن (التوقيت المناسب) متوافر وواضح ويجب أن لا نفوّته، وهو العام ٢٠١٧ م.

&

الآن سأعترف بكل شجاعة أني ربما أفرطت في الجزم بأن جولة ٢٠١٧ هي التوقيت المناسب، إذ لم يتوقف الحديث الآن عند كفاءة وجدارة المرشحين العرب، كما كان يتم سابقاً، لكنّ حديثاً يدور الآن في بعض الدوائر الغربية وغير الغربية عن كفاءة وجدارة (العالم العربي) الآن، وفي حالته «الخريفية» الراهنة أن يترأس المنظمة الدولية الأولى المعنية بقضايا ضمان وجودة التعليم والتعددية الثقافية والمحافظة على التراث، وهو غير القادر على تسيير شؤون هذه الملفات الأساسية في بلدانه، وخصوصاً بلدان ما يسمى الربيع العربي!

&

يتساءل أولئك المتشككون: هل يمكن للعالم العربي المأزوم الآن أن يستجيب عند الأزمات لنداءات مدير عام يونسكو عربي وهو الذي لم يستجب لنداءات المدير العام «الأجنبي»؟!

&

هل سيستطيع المدير العام المقبل من عالم لم يوفر بسبب حروبه الداخلية التعليم الأساسي لأطفاله المهجّرين، ولا الحماية من تدمير آثاره التاريخية المسجلة على لائحة التراث العالمي، ولا القدرة على الحوار بين فصائله المتنازعة، هل سيستطيع هذا المدير العام إدارة هذه المنظمة الدولية بكفاءة وارتياح؟

&

أسئلةٌ تجاوزت التنبيش في سجلات المرشحين إلى التنبيش في سجلات المنطقة المرشِّحة. لكن برغم هذه الشكوك التي لا تخلو من وجاهة فإننا سنظل خلف المرشح العربي دعماً وتفاؤلاً بأن الحال العربي في العام ٢٠١٧ سيكون قد استرد عافيته ... وبالتالي جدارته برئاسة اليونسكو بإذن الله.
&