&من فلسطين لسوريا.. أين الحكومات والشعوب العربية؟!

هدى جمال عبدالناصر


&&هل يعقل ما نعيشه الآن وفى القرن الحادى والعشرين من اعتداء على الشرف والكرامة العربية؟! إننى أقصد هنا ما يواجهه إخواننا السوريون الهاربون من جحيم الحرب الأهلية فى بلدهم.
هل رخص الإنسان العربى الى هذه الدرجة؟! مواطنونا العرب من السوريين يُحجزون خلف أسوار الحدود الأوروبية، ويقضون وأطفالهم الليالى فى العراء، ويقذف لهم الطعام بطريقة غير إنسانية! لقد كبر جيلى على قضية مأساة لاجئى فلسطين الذين طردوا من ديارهم على يد الصهاينة فى 1948 وما بعدها، ولكن فى ذلك الوقت كانت قضية فلسطين حية فى ضمير كل عربى، واستوعبت البلاد العربية وكان معظمها محتلا هؤلاء الأشقاء، وإن احتفظوا بصفة اللاجئين؛ حتى لا يفقدوا حقهم فى العودة الى بلادهم التى سلبها الصهاينة بمساعدة الغرب، خاصة وقد صدر قرار بذلك من جانب الأمم المتحدة فى عام 1947. والعجيب أن اليوم الفاجعة من صنع العرب أنفسهم! حتى وإن انتهى الأمر بتدخل الغرب والشرق فيها، كما يحدث بالنسبة لأى أزمة عالمية. فالبداية هى قطرات الدم الذكى التى أراقها النظام البعثى السورى من أبنائه من المعارضة.

لقد كان عبد الناصر دائما يقول: «الدم يجيب دم»! وفى الواقع العملى، ترفع عن ذلك عند حدوث الانفصال فى 1961 برغم أنه كان هزيمة شخصية له. فبعد أن قرر مساندة الوحدة، أصدر الأوامر بنقل لواءى مظلات الى اللاذقية، كما أصدر الأوامر الى القوات البحرية كلها بأن تتحرك، وأن يتم مصادرة كل السفن المصرية لاستخدامها فى نقل القوات، عرف بانضمام الوحدات العسكرية فى حلب واللاذقية الى الانقلاب، فقال فى خطاب له فى ميدان الجمهورية بالقاهرة فى 29 سبتمبر 1961: «كان الموقف يستدعى التفكير.. هل يسفك دم العربى بيد العربى؟! هل يتقاتل العربى مع العربى؟! ولمصلحة من تسفك هذه الدماء؟! ولمصلحة من نحارب بعضنا بعضا وهناك الأعداء يتربصون بنا؟! فأصدرت الأوامر قبل منتصف الليل بقليل بالأمس؛ بأن تعود جميع الطائرات التى كانت متجهة إلى اللاذقية، ولكن صدر الأمر بعد أن أُسقط 120 فردا بالباراشوت... وقد أصدرت الأوامر للقوات التى نزلت قبل منتصف ليل أمس فى اللاذقية بألا تطلق طلقة واحدة، وبأن تقدم نفسها وتسلم نفسها إلى قائد المنطقة البحرية هناك؛ حتى لا يسفك دم العربى بيد العربى، بعد أن سحبنا باقى القوات... وكانت القوات البحرية قد وصلت إلى مشارف اللاذقية، فماذا حدث؟ أصدرت لها الأوامر بأن تعود». ثم قال جمال عبدالناصر فى بيانه الذى ألقاه من الإذاعة المصرية مخاطبا الشعب العربى كله لأول مرة، فى 5 أكتوبر 1961: «إننى اليوم لا أرضى بأن تبقى وحدات من الجيش السورى متربصة بالشعب، ولا أن تبقى جموع من الشعب متربصة بعناصر من الجيش السورى.إن الجيش السورى يتحمل مسئوليات كبرى تجاه العدو المشترك للأمة العربية، ولن أقبل - مهما كان من تصرفات الآخرين ومن أخطائهم بل خياناتهم - أن تتحول مهمة الجيش السورى إلى عمل بوليسى... إننى أشعر فى هذه اللحظات بأنه ليس من المحتم أن تبقى سوريا قطعة من الجمهورية العربية المتحدة، ولكن من المحتم أن تبقى سوريا». إن القاعدة المعروفة فى العالم كله أن المعارضة فى أى بلد ينبغى التعامل معها سلميا من خلال القنوات الشرعية السياسية وليس عن طريق حكم الإعدام الجماعى وتدمير البلد! والدستور هنا يضع الحدود والضوابط. أما فى حالة لجوء المعارضة الى الإرهاب لفرض معتقداتها، فالقانون وحده هو الحكم، ويطبق فقط على المعتدى وليس على الأبرياء!

إن ألمانيا الغربية منعت إعادة تشكيل الحزب النازى بعد الحرب العالمية الثانية وضمنت ذلك فى الدستور، ولم تقم الحكومة الألمانية بإبادة النازيين بضربهم بالمدافع والطائرات والصواريخ والبراميل المتفجرة، كما فعل النظام البعثى السورى! والمؤسف أنه قد مضى على الحرب الأهلية السورية أكثر من 4 سنوات، وأصبحنا ببساطة نتكلم فى أجهزة الإعلام عن اللاجئين السوريين، وكنا قديما نذكر كلمة اللاجئين فقط بقصد الفلسطينيين! ومن يعرف من أى بلد عربى سيكون لاجئو المستقبل؟! والآن وقد بلغ السيل الزبى، فإنى أدعو كل الحكومات العربية أن تسرع فى إيواء إخواننا السوريين الهاربين من جحيم الحرب، وتبدأ بتكليف سفاراتها فى كل الدول الأوروبية التى وصلوا اليها؛ بأن تساعدهم فى المغادرة الى الأرض العربية الكريمة، وإن وصل الأمر الى إرسال طائرات لنقلهم بكرامة. ولدى ثقة لا شك فيها أن الشعوب العربية سترحب بهم كأشقاء أعزاء يمرون بمحنة مأساوية مؤقتة. ويكفى أن الأطفال السوريين لم يدخلوا المدارس لأكثر من أربعة أعوام! وبالمناسبة أتساءل.. أين الجامعة العربية؟! ولماذا لم تتحرك لتستوعب هذه المصيبة؟! لقد فشلت فى كل القضايا السياسية، والآن غياب ممجوج مستنكر حتى فى مواجهة أزمات المواطنين العرب الإنسانية! كيف سمحت هذه المنظمة، التى تسهم فيها كل الدول العربية منذ 1945، أن تحدث فضيحة اللاجئين السوريين فى أوروبا بهذا الشكل؛ كما لو كانوا عبيدا أو مواطنين من الدرجة الثالثة، دون أن تأخذ موقفا رسميا ينجد هؤلاء الأشقاء؟! وذلك بغير أن يلقى بعبئهم على دول غريبة عنهم. عموما إننى أفضل أن تبادر الحكومات العربية فرادى، تحت ضغط من شعوبها، باحتضان هؤلاء التعساء؛ فقد تعودنا على تسويف الجامعة العربية لكل القضايا المحورية والهامشية بلا نتيجة!

وفى الواقع إن المسألة ليست الامكانات، فقد قامت مصر بتهجير مئات الآلاف من شعب السويس والاسماعيلية وبورسعيد، الذين كانوا على خط النار فى أثناء حرب الاستنزاف 1967 ــ 1970، وكانوا رهينة على مرمى نيران العدو الصهيونى الذى احتل سيناء، تم تهجيرهم الى الدلتا والفيوم وبنى سويف فى ظل ظروف صعبة، وذلك تحت إشراف وزارة الداخلية ووزارة الشئون الاجتماعية. ولكن العامل الحاسم هنا كان شعور المواطنين المصريين الذين تقبلوا أشقاءهم برحابة صدر؛ فكانت عملية منظمة وناجحة.

إننا لا نريد أموالا، وإنما ننشد النخوة والأصالة العربية التى تنقذنا من هذا الهوان!

لقد تحرك بعض المواطنين الأوروبيين، وقاموا بمظاهرات تندد بمعاملة حكوماتهم لأشقائنا السوريين، وبعضهم قدم لهم المساعدة أى «الشحاتة»! ونحن صامتون! الى متى؟! ويحضرنى هنا هذا السؤال.. أين الجمعيات الأهلية الانسانية فى كل البلاد العربية؟! إننى أعلم أن لبنان قد استضافت عددا كبيرا من النازحين السوريين عند الحدود الجنوبية وكذلك مصر، ولكننا هنا قادرون على استضافة المزيد، بل كل اللاجئين الى أوروبا بطريقة منظمة وبمشاعر أخوية تصون الكرامة العربية. وهذا ليس جديدا على مصر؛ فقد تعودنا فى الخمسينيات والستينيات أن نحمى فى بلدنا كل من تلفظهم نظمهم من الدول العربية، بل ونسجلهم فى جامعاتنا بالمجان كالمصريين. وقد قابلت كثيرين منهم فى البلاد العربية المختلفة وفى أوروبا وأمريكا، بعد أن وصلوا الى مناصب مرموقة فى الطب والهندسة والعلوم المختلفة، ولم ينسوا أبدا فضل مصر عليهم. أين هذه الروح؟! لقد كنا مع سوريا بلدا واحدا لأكثر من ثلاث سنوات ونصف.. ومن هنا فإننى أدعو الرئيس السيسى أن يضع حدا لهذه المأساة العربية المروعة؛ بإنقاذ مواطنينا العرب السوريين واستقدامهم بطائرات مصر للطيران الى شقيقتهم الكبرى مصر، حتى تنتهى هذه الحرب الأهلية المدمرة؛ فبلدنا يستطيع أن يحتضن كل هذا العدد وأكثر، ولا شك أن أفراد الشعب المصرى سيرحبون بهم ويحتضنونهم وفاء لقيمنا وعاداتنا الموروثة.