علي القاسمي

كشفت حادثة منى للسعوديين مزيداً من الأصوات الحاقدة والأقلام المأجورة المريضة، وللسعوديين أن يدققوا جلياً في أن حادثة واحدة تتوزع مسبباتها وتتداخل، كانت فرصة سانحة لتصفية الحسابات والتشفي وكيْل التهم والشتائم والتشكيك في الرصيد الضخم من الجهود والتفاعل الرفيع مع أرقام عائلة وجنسيات متنوعة تتجاوز 164 جنسية.

&

المزايدة على بلد يفعل المستحيل لخدمة الحرمين الشريفين- والقادمين إليهما من بقاع الأرض للحج أو للعمرة أو للزيارة - وراءها من النوايا المعتلة ما يكفي للتفريق جدياً بين صديق وعدو. صحيح أن السعودية لن تتمكن من إرضاء الكل وإقناعهم بأن جهوداً مضنية وصعاباً تذلل في الميادين المقدسة كافة طالما أن هناك من يأتي إلى أرض الحرمين وهو يفكر في الإساءة والأضرار والعبث واختبار قوة العضلات وأداء المناسك بما يخطط له المزاج، بعيداً من أي تنظيم على الأرض وبغض النظر عما تخلفه هذه السلوكيات الضاربة بكل شيء عرض الحائط، وكيف يوثق في الأساس برأي من يتحدث عن سلامة الحجاج وكفاءة السعودية في التعامل مع الحج وقد تجرأ على محاولة إدخال المتفجرات إلى الأمكنة ذاتها في موسم حج ماضٍ، ويأتي بكل وقاحة مطالباً بمعدل سلامة عالٍ ويعترض على الأداء السعودي في منى، فيما هو رائد الاتكاء على وسادة تصفية الحسابات السياسية من بوابة المناسبات الدينية.

&

كم من محتقن وكاره وذي نوايا سوداء استبق النتائج واتضاح الحقائق فبادر بهجوم ينفث من خلاله السموم ويتباهى فيه بقدرته على تحليل العَصِي من الأحداث وتفكيك اللحظات الطارئة المفاجئة وتقديمها في الوعاء الذي يتفق مع همجية الهجوم وسوء النوايا؟! من يرقص على الجراح ويفرح بالمصائب وحوادث الأيام لا يوثق فيه أبداً، وتُقرأ بسهولة نواياه وأفكاره وتهديداته، في ظل الإيمان التام بأن رغباته وأمنياته وأحلامه لن تخرج من إطارات تحقيق الفوضى والفتن، وقد تكون المهمة المقبلة لكل الأقطار المسلمة هي تغذية الوعي الديني والأخلاقي وتعرية المآرب السياسية والدينية تلك التي إن اجتمعت فهي قادرة على نسف النجاحات وتصيد العثرات وتأدية دور الذباب بالضبط.

&

لن تتوانى السعودية قطعاً في معالجة أسباب حادثة منى مهما كلفت، فهي لم تتوانَ في بذل الغالي والنفيس، لخدمة ضيوف الرحمن، وهذا يستنزف منها موازنات عالية وجهوداً أعلى، وهي مدركة تماماً حجم التحدي، وإلا ما كانت نسبة نجاح الحج تبلغ درجة الكمال طوال سنوات طويلة ماضية، وفي الوقت ذاته فهي معتادة على سماع الأصوات النشاز ومستغلي آلام المسلمين قبل آلامها وهواة اللعب على المشاعر ودفع أي موقف أو حدث من مساحات التقويم العقلاني إلى مساحات الإشاعات والتخاذل والتهاون والتقصير.

&

لن تقبل السعودية بالخطأ مطلقاً، ولكنها لا تستحق أن تقابل مجهوداتها بالنكران والتهميش، من أجل حادثة قد يعجز عن منعها مئات الأفراد والخطط. وما حدث في منى أمر يربك أي مشهد تنظيمي في العالم ويضع الجهود الميدانية في حال تحد كاملة، لكنه درس بالغ الأهمية على مختلف الأصعدة وحدث كافٍ لمعالجة أي خطأ، ولو كان يسيراً أو مهملاً لنسبة التوقع المقتربة من الصفر لمربع ما.

&

السعودية معتادة على الافتراءات والتجني وسيل الاتهامات، لكن ملفات تحقيقها في الحادثة لن تخرج عن الحياد والتجرد والاستفادة القصوى من كل حرف تنتهي منه وإليه هذه التحقيقات.
&