&شاب يروي &مشاهداته من أرض "الخلافة"... مسلحات وسبايا ووصايا زواج

&&
محمد نمر محمد نمر
&

توتر، حذر، خوف، مشاعر لا تفارق "أبو شام". هو اسم حركي لشاب سوري أخذ على عاتقه مهمة نقل تفاصيل الحياة اليومية للناس داخل أراضي #الدولة_الاسلامية. التواصل معه ليس سهلاً. دخل أحد المقاهي في #الرقة، وبدأ بالتواصل مع "النهار"، وغالبية من حوله هم عناصر التنظيم.

"أتحدث معكم بسرية، يمكن أن تصفوني بالمجنون لأن بجانبي عناصر من التنظيم"، وهكذا بدأت رحلة الحديث عن الحياة في الرقة، حيث يسكن "أبو شام". هذا الشاب (23 سنة) هو أول من كتب على جدران المدينة "إرحل" أيام وجود النظام السوري، وشهد مرحلة تحرير المدينة وسيطرة المعارضة العسكرية عليها إلى أن تحوّل ناشطاً يعرّض حياته إلى الخطر من أجل ايصال المعلومة.

&
بعد أشهر من تحرير الرقة من النظام، خرج "أبو شام" إلى منطقة أخرى، وبعد شهرين من سيطرة "الدولة الاسلامية" عاد إليها كمدني لا ينتمي إلى أي جهة مسلحة أو سياسية أو خارجية. أراد أن يعرف ماذا حدث هناك. راقب حال المدينة عن قرب، ودفعته حشريته إلى التواصل مع عناصر التنظيم لمعرفة رأيهم بالمجتمع السوري والثورة و"الجيش الحر". لم يكن يملك المال في بداية دخوله، فعمل بقالاً واشترى هاتفاً نقالاً.

"أبو شام" حاول أن يجيب عن كامل أسئلتنا من دون أن يعرّض نفسه للخطر في المقهى أو يكشف عن هويته، فهو سبق وذاق لوعة الاعتقال: "اعتقلني التنظيم لمدة 40 يوماً، ذقت الذل في السجن، قابلت عدداً كبيراً من المعتقلين. سمعت مآسيهم، وحينها بدأت التفكير بالعمل على نقل الواقع الأسود الذي يعصف بنا، وبعد خروجي من السجن عدت إلى "فايسبوك" بعد انقطاع لفترة طويلة عنه، وبدأت بنقل ما اسمعه من الناس".


‏"... قُتلت رجولتي"‏

عينا "أبو شام" شاهدتا فظائع "الدولة الاسلامية" وتصرفات عناصر هذا التنظيم، ويقول: "في إحدى المرات وخلال تواجدي في أحد أسواق المدينة، أقدم أحد عناصر التنظيم على الصراخ بوجه امرأة وتوبيخها لأنها ترتدي عباءة غير فضفاضة، وضربها على ظهرها بعصاة من الخيزران. كنت واقفاً أمامه ولا أستطيع البوح بحرف واحد، لأني سأُضرب وأُعتقل وأُهان بحجة اني أرفض شريعة الاسلام واني لست مسلماً. المرأة نظرت إليّ بعينيها ولم استطع النطق بكلمة، ومن كثرة الذل لم أعرف ماذا أفعل، فنظرتها كانت كافية لتقتل رجولتي".

&

&

في المقهى.. عرض من التحالف

لا يزور "أبو شام" المقهى عينه مرتين، ويعمد لتغيير مكانه حتى لا يلفت الانتباه، وفي بدايات عمله تراكمت عليه الديون للمقهى بسبب كثرة زياراته وعدم توفر المال: "لم أكن أملك من الديون شيئاً، فتحدث معي أحد الأصدقاء على "فايسبوك" وسألني: ما حالك؟ فأخبرته عن الديون... وأرسل لي 200 دولار أميركي على الفور، علماً أن معرفتي به مقتصرة على "فايسبوك" ولم يطلب مني أي شيء مقابل ما ارسله".
في مقاهي الرقة، الانترنت يحسب على "الميغا" ونظام البطاقات، ومقابل كل 150 ميغا 250 ليرة سورية (1.13 دولار)، والـ 300 ميغا بـ 450 ليرة سورية. ‏

&

جرأة "ابو شام" في نقل الأخبار وتصوير الأسواق وأعمال "الدولة الاسلامية" في ظل قلة عدد الناشطين في الرقة، جعلته من المميَّزين، ويقول: "عرض التحالف الدولي عليّ العمل معه مقابل آلاف الدولارات، لكني رفضت لأني لا أريد ان يُقتل أي طفل مدني أو مسنّ بسببي، خصوصاً أن طيران التحالف لا يميّز بين التنظيم والمدنيين". ويضيف: "شاهدتُ الكثير من المجازر بسبب قصف النظام والتحالف، ويومياً تصلني عروضُ العمل وأرفضها، علماً ان حالتي المادية سيئة، لكني أريد الحفاظ على حريتي وعدم التقيّد بوكالة أو منظمة".

&

&

قطع الرأس بضربتين

يخاف هذا الشاب العشريني أن تكون نهايته في أحد اصدارات "الدولة الاسلامية" المصورة، وتصوير عملية قطع رأسه، ويقول: "أدرك أن هذه هي نهايتي". فهو يشاهد يومياً عمليات قطع الرؤوس: "رعشة الخوف خلال رؤيتك عملية قطع الرأس كافية. الشعب لم يرَ سابقاً قطع رأس، ولا رأسًا مقطوعًا وموضوعًا على الرصيف، لكن بعد المرة الأولى تأقلمت الناس، ومنذ أكثر من سنة يسيطر التنظيم على الرقة ويقطع يومياً الرؤوس وأصبحت الأمور عادية وأنا اعتدت أيضاً". وشاهد أيضاً عملية رمي رجل من مكان عال بتهمة المثلية الجنسية.
سألنا "أبو شام" هل الناس هي من تندفع لرؤية عملية قطع الرأس في الشارع؟ يجيب: "التنظيم هو من ينادي للناس ويجمعهم، حتى يجعل الخوف والرعب حليفهم، فكلّ مرة أرى نفسي مكان الشخص الذي تمّ فصل رأسه عن جسده".
منذ 6 أشهر شاهد "أبو شام" أكثر عملية قطع الرأس قساوة لأنها كانت "بضربتين". في ريف الرقة الشرقي، وبعد صلاة الظهر جمع عناصر التنظيم الناس، يقول: "لن أنسى هذا المشهد. الضربة الأولى لم تقطع الرأس، فأتاه بالثانية، لكن شكل الرجل بعد الضربة الأولى كان مرعباً للغاية، ومن يقترب من المكان يذبح معه".

&

&

الحسبة النسائية

حاول "أبو شام" ان ينقل الواقع إلى الخارج، من دون أن يلتزم مع أي مؤسسة. صوّر الفيديوات والتقط الصور من دون أن يلاحظه أحد، لكن على مواقع التواصل الاجتماعي فإن حسابه يتعرض في شكل يومي للتبليغات من عناصر التنظيم، اضافة إلى الشتائم وأقلها تكفيره. تحدث عن المرأة الزوجة والمقاتلة، عن العمال والمهاجرين.
تنتشر في شوارع الرقة ظاهرة النساء المسلحات، أو ما يقال عنهن "نساء الحسبة النسائية"، ويقول "ابو شام": "مهمّة الحسبة النسائية ملاحقة المتبرجات أو اللواتي يُظهرن أكتافهن أو يلبسن عباءة مطرزة، ففي الدولة الاسلامية يجب أن ترتدي المرأة اللباس الشرعي، ومن قواعده ألا يرسم شكل الكتف ويغطي منطقة الرقبة وأعلى الظهر في شكل كامل، بالطبع اضافة إلى تغطية كامل الجسم، ويلاحقن أيضا اللواتي لا يلبسن الجوارب (التي يجب أن يكون لونها اسود) ويجب ألا يظهر أي جزء من الأقدام".
التقط "ابو شام" الصور لهن، حيث تظهر "أُم خنساء التونسية المسؤولة الأولى في الحسبة وتهتم بتدريب النساء اللواتي يلتحقن بالتنظيم من مهاجرات ومناصرات سوريات"، ويوضح أن "أُم خنساء التونسية متزوجة من مغربي بايع التنظيم منذ العام 2005، أيام (العراق - الفلوجة) وهي معروفة بين نساء الرقة".

&

رشاشات وقنابل نسائية

في أراضي "الدولة الاسلامية" النساء يحملن الرشاشات والقنابل اليدوية، واستطاع "ابو شام" أن يلتقط صورة لأم "هاجر" الأنصارية، ويوضح: "هي سورية منحدرة من الساحل السوري، منطقة الحفة في مدينة اللاذقية. انسحبت مع زوجها وابنها الصغير أيام معارك كسب منذ سنة ونصف إلى تركيا ثم دخلت إلى مناطق التنظيم وصولاً إلى الرقة"، ويضيف: "أم هاجر هي المرأة الوحيدة التي يثق بها أمراء التنظيم، فهي تتغلغل بين النساء اللواتي لم يلحقن التنظيم وتخبر عنهن وتقوم بتفتيش النساء وتسأل كثيراً عن المطلقات والأرامل".
وعندما تتجول أم هاجر في أسواق المدينة تحمل أطفالها إمرأة يزيذية عراقية من السبايا التي جاء بهنّ زوجها، ويشير "ابو شام" إلى أن "أبو هاجر يقاتل في العراق وتحديداً في المناطق الواقعة على الحدود السورية - العراقية، وهو أيضاً من الشخصيات المهمة وله كلمته في التنظيم وكان المسؤول الأمني على عناصر التنظيم الأنصار (السوريين)، ومعروف بطريقته القاسية مع الناس وكأنه رئيس فرع، على حد قول شخص يعرفه جيداً، ومن شيمه أيضاً انه عندما يجلس يرفع قدميه على كرسي آخر، وهو أول شخص أتى بالنساء الأيزيديات ولقّبهنّ "سبايا الحرب " إلى مدينة الرقة ومعه ‏أبو عائشة العراقي".

&

&

&

يجول "أبو شام" في الشارع. مظاهر "الدولة الاسلامية" في كل مكان، ومنها القفص الحديدي للذين يخالفون القوانين ويقول: "في تموز وضع التنظيم القفص الحديدي في وسط المدينة عند دوار تل أبيض ليضع فيه المخالفين لقوانينه وهي: ارتداء السروال الضيّق (الجينز)، حلق اللحى بالشفرة، التدخين، المتخلّف عن صلاة الجماعة، عدم إغلاق المحال التجارية أثناء الصلاة، قزع الرأس (أي حلاقة جزء من الشعر فقط)، المشاجرات بين الرجال ...".

&

منذ أشهر أقام تنظيم الدولة مراكز ومقرات خاصّة بنسائه المهاجرات والأنصاريات (السوريات)، ووصلت كاميرا "أبو شام" إلى مدينة الطبقة - غرب الرقة "أنشأ التنظيم هناك نقاطًا تابعة لجهاز الحسبة النسائية بعنوان ملتقى فتاة الاسلام، ويشرف عليه طاقم كامل من النساء أصلُهنّ من المغرب العربي (ليبيا - الجزائر - تونس - المغرب)". ويلفت إلى أن "أم فاروق المصرية هي المسؤولة الأولى عن هذا الكيان أو المنظمة وأم رقية الجزائرية تعاونها".

وبحسب ما جمع "أبو شام" من معلومات فإن "هذه المراكز والتجمعات هدفها تقوية صلة الرحم والتعارف بينهنّ وإقامة دورات شرعية ومطابخ تقليدية على حد قول إحدى النساء اللواتي يترددن إلى المركز". ويقول: "تقوم أم لقمان التونسية بتعليمهنّ وتدريبهنّ على حمل السلاح والتصرف به أثناء الحاجة، ويستقبل المركز النساء المهاجرات اللواتي يلتحقن بالتنظيم، ويؤمّن لهنّ السكن والمعيشة والمال السوري في حال تجوّلن داخل أسواق المدينة، ويعلمهنّ ارتداء النقاب الشرعي والنصائح، كما يهتم المركز بتزويج النساء الأرامل والمطلقات والآتيات من الخارج للمهاجرين فقط وليس للسوريين". ‏

&


أطفال الكلاشنكوف

الأطفال أيضاً يتسلحون في "الدولة الاسلامية" ويحملون مسدسًا أو كلاشنكوفًا أو أحزمة ناسفة، وبحسب "أبو شام": "يقيم التنظيم الخيم الدّعــوية ويوزع الهدايا والألعاب والحلوى ويحثّ الأطفال (10 أعوام وما فوق) على الجهاد والنفير ويلقّبهم بـ "أشبال الخلافة" المزعومة هنا".
استطاع "أبو شام" أن يدخل إحدى الخيم، ويقول: "المسؤولون كانوا من تونس والجزائر حصراً، ولمست نوعاً من التجييش وغرس الأفكار بعقول الأطفال بأنّ مولاهم أبو بكر البغدادي، وأنّهم من دونه لكانوا كفّارًا ومرتدّين. وبعد المرور بهذه الخيم، ينقل الطفل إلى المكتب الدعوي لتقديم طلب إنتساب إلى الدولة الاسلامية ومبايعة البغدادي، ويتوجب على الطفل أن يقدم صورة عن دفتر العائلة (اخراج قيد عائلي)، عمل الوالد خلال سيطرة كل من النظام والجيش الحر، ولا يشترط التنظيم موافقة الأهالي أو رفضهم"، كاشفاً عن أن "المسؤول الأول عنهم هو أبو الحوراء العراقي وأبو ذرّ التونسي، وبعد تقديم طلب الإنتساب بثلاثة أيام تأتي الموافقة أو الرفض عن طريق ما يسمى "بريد الدعوة " الذي يوضع في شكل يومي أمام المكتب وفيه أسماء الأشخاص الموافق عليهم".
ويوضح "أبو شام" أن "معسكرات الأطفال تنقسم إلى اثنين، الأول: المعسكر الشرعي ومدته الزمنية 15 يوماً يتعلم فيه الطفل كيفية الوضوء والصلاة والمحرّمات والمنكرات، ويحفظ بعض أجزاء القرآن، أما الأطفال الذين لا يعرفون القراءة أو الكتابة يخضعون لدورات مضاعفة لمحو الأُمية داخل المعسكر عند أحد سدود المناطق المسيطر عليها من قبلهم "سد الفرات - سد البعث - سد تشرين"، أما الثاني فهو المعسكر العسكري ومدّته الزمنية شهر، علماً أن عشرة أيام كفيلة بتعليم الأطفال فنون القتال والتعامل مع السلاح وقيادة المركبات وتجهيز العدة والعتاد للمقاتلين. وبعيد الإنتهاء من المعسكرين يفرز الطفل حسب محافظته وغالباً يتم نقله إلى جبهات القتال حسب الوضع الميداني على حد قول عناصر التنظييم لأبو شام".

&

&

الزوج يحدد هوية من بعده

أما في شأن الزوج في الدولة الاسلامية، فلفت "أبو شام" إلى أن "مكتب ديوان شؤون المجاهدين يقدّم منحة زواج لكل عنصر من الأنصار (السوريين) يتقدم لفتاة وتقدر بــ 40 ألف ليرة سوري (181 دولار) وبعد الزواج مبلغ 500 دولار لمصاريف الزواج، أما المهاجرون الذين يتزوجون عن طريق مكتب "ملتقى فتاة الإسلام"، فيقدم الشخص طلباً لأميره الخاص وورقة مصدّقة من مركز "فتاة الإسلام" تشرح حالته بأنه يريد أن يتزوج ويحدد هوية الفتاة ويصرف له على الفور 1000 دولار، وبعد الزواج يذهب إلى مكتب شؤون المجاهدين المهاجرين ويقدم ورقة تثبت زواجه فيصرف لزوجته كل شهر 100 دولار ويحصل على قارورة غاز مجانا و20 ليتراً من المازوت، واذا أنجب طفلاً يصرف له 100 دولار أيضاً".
والملفت بما كشفه "أبو شام" أن الزوج يكتب وصية في حال ذهابه إلى معركة يوكل فيها شخصاً آخر للزواج بزوجته في حال قتل في المعركة، ويؤكد أنه "لا يمكن أن تتزوج سوى الشخص الذي حدده زوجها وتكون الفتاة على علم بذلك قبل الزواج".

&

ربما تمر الأيام ويخرج التنظيم من الرقة ويكشف "ابوشام" عن هويته الحقيقية. والأكيد انه كان شجاعاً في زمن "الداعشية"، فهل يكون شاهداً أيضاً على زمن الاستقرار في الرقة قريباً؟