يوسف الديني

يفقد نظام طهران توازنه بعد رد الفعل الحازم سياسيا تجاه التلاعب بالأعراف الدبلوماسية، وسيادة الدول والتعبئة ضد نظام المملكة، بدعاوى طائفية ما عادت تنطلي على المجتمع الدولي، لا سيما أن التصعيد الطائفي من بوابة السياسة يشعل خزانات الطائفية من زاويا دينية وتاريخية واجتماعية، ومن يتابع محتوى الإعلام الرسمي والجديد وحتى أحاديث المجالس يدرك إلى أي مدى بلغ منسوب الطائفية الآن، مما ينذر بتحول المناورات الإيرانية لجر المنطقة لحرب طائفية إلى فخ طائفي لا يمكن أن تقبل به السعودية، وهي تحاول طرح سياسة احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الخاصة أو تثوير وضعها السياسي عبر أذرع إيران غير الشرعية من حزب الله إلى أنصار الله، إلى المجموعات السياسية المؤيدة لتوجه إيران، وهي مزيج غير متجانس من بقايا اليسار والقومية والغاضبين من فشل تجربة الربيع العربي وتداعياته، التي صعدت منطق دول الاعتدال العربي في مواجهة محور محتقن سياسيا بقيادة إيران المأزومة داخليًا، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والممانعة الشعبية وهو ما استدعى منها ترحيل أزماتها للخارج لتعبئة الداخل من جهة، ولمحاولة الضغط على المجتمع الدولي عقب الاتفاق النووي بأخذ دور جديد في المنطقة، بعد أن ساهم تعثر سياسة الولايات المتحدة في العراق إلى خلق مناطق توتر تداخل فيها الإرهاب مع مفهوم الدولة الفاشلة، مع صعود الميليشيات، ولنا أن نتخيل المنطقة بعد سنوات من هذه الفوضى غير الخلاقة.


اللاعبون على الساحة السياسية في مناطق التوتر من العراق إلى سوريا إلى اليمن إلى ليبيا، يهدفون إلى تعزيز السيطرة على الأرض وليس التحول إلى كتلة سياسية لها صوت بحاجة إلى تمثيل، والأكراد في سوريا والعراق والحدود التركية يهدفون إلى التحول إلى دولة، والميليشيات الشيعية العراقية المدعومة من إيران كمنظمة بدر تهدف إلى بسط نفوذها في مناطق واسعة على طريقة حزب الله اللبناني، وهو ما عرف بحالة «الدولة داخل الدولة»، الاستفادة من مؤسسات الدولة والحديث باسمها وممارسة سياسات الميليشيا من ترويع وخطف وقتل وتهديد وخطابات ثورية ذات مضامين وشعارات سياسية، لا تنتمي إلى الواقع بقدر أنها تمارس وصايتها لتمرير آيديولوجيتها الخاصة، كما هو الحال في العراق الأكثر تعقيدًا حيث يتداخل منطق الميليشيا مع الدولة بشكل معقد، إذ تعيش الميليشيا على مناخ الدولة وتستفيد الدولة المتعثرة من زخم وشعبية الميليشيا، كما تستفيد من تجاوزاتها التي عادة لا تتحمل مسؤوليتها، وهو ما يعجل الحصار لتنظيم داعش الذي لا يعيش في كنف دولة، وإنما يسعى لابتلاعها، ويترشح في حال عدم الوقوف ضد حالة التمدد للميليشيات الشيعية الصاعدة بعد إضعاف «داعش» أو القضاء عليه عسكريًا، إلى تحول تلك الميليشيات إلى شبح يهدد الدول التي ينتمي إليها في سبيل شعار القضاء على الإرهاب.


في ظل هذا الخراب السياسي الكبير الذي يدشنه «الملالي» في المنطقة، يقابله تيقظ سعودي لخطورة المرحلة والذي استدعى إعادة بناء التحالفات السياسية مع دول الجوار لحماية «فضيلة الاستقرار» الذي تشعر دول المنطقة بأهميته وقيمته وأولويته في المرحلة المقبلة، مما استدعى دخول تركيا على خط الفرز السياسي، بعد أن كانت تحاول الأداء كلاعب مستقل يحاول تسيير الأحداث وفق مصالح وتوجه النخبة الحاكمة أكثر من الثقل الجيوسياسي والإقليمي بسبب خصوصية الملف الكردي.
&

دخول روسيا على الخط في محاولة احتواء محور «الممانعة» الذي تتزعمه إيران يقابله ارتباك أميركي كبير ليس على مستوى التدخل في شؤون المنطقة، والذي تراجع منذ تسنم الرئيس أوباما للرئاسة وحتى رغبته الجامحة في إنهاء ولايته من دون تغييرات جذرية على مستوى السياسة الخارجية، في حين أن أزمات المنطقة انتقلت من مرحلة الملفات المتأزمة في مناطق متعددة من سوريا إلى اليمن إلى ليبيا، إلى انقسام ثنائي تريد إيران تكريسه وجرّه إلى منطقة ملتهبة هي «الطائفية»، وما يتبعها من مظلومية الأقليات.


والحال أنه لم يعد بكاف الآن الدخول في المنطقة عسكريًا أو سياسيا من بوابة الحرب على الإرهاب و«داعش» فحسب، فقد استنفد هذا الشعار مهمته بعد أن تداخل ملف الإرهاب بصعود الميليشيا بانهيار مفهوم الدولة ببقاء نظام البراميل المتفجرة تجاه الشعب الأعزل، كما هو حال نظام الأسد الذي يعد المستفيد الأول من حالة الفوضى التي تضمن له البقاء فترة أطول في ظل حالة اللاحسم السياسي الذي يبدو أنه سيد المشهد في 2015 المنصرم.


2016 هو عام صعود الدبلوماسية السعودية وأجندتها الواضحة والصريحة، الاستقرار والحرب على الإرهاب بكل أنواعه وإعادة مفهوم الدولة وحماية الحدود خطوط عريضة لا يمكن المساومة عليها، مع التأكيد على عدم الوقوع في مستنقع الطائفية رغم ارتفاع أصوات المتطرفين من كل جانب، فما يحدث على الأرض هو محاولة إيرانية لفرض هيمنتها الإقليمية من خلال اللعب على تناقضات الطائفية ومظلوميتها كما هو الحال مع استغلال حوادث وإجراءات ذات طابع سيادي يخص كل دولة، كما أن عودة إيران إلى المجتمع الدولي عبر الاتفاق النووي يجعلها أكثر جرأة في العودة كدولة متضخمة بأذرعها العسكرية والآيديولوجية في المنطقة، ولو بشكل مفتعل وطائفي على طريقة الحرب بالوكالة.


تمتين العلاقات بدول المنطقة المؤثرة في ظل هذا الارتباك الأميركي كانت الخطوة الأولى للدبلوماسية السعودية الصاعدة والتي يترشح أن تكون الصوت الأعلى في العام الجديد 2016. أدام الله لحمة الأوطان وأبعد عنها الفتن، ما ظهر منها وما بطن.

&

&