كلمة الاقتصادية السعودية

&

أيا كانت الخطوات التي تقدم بها منتدى دافوس على مر السنوات الماضية، فإنه يبقى دائما تجمعا نظريا أكثر منه عمليا. وهذا لا يعني تقليل أهميته، ولكن المقصود إبراز وضعيته. وعلينا أن نفرق بين تجمع يستهدف صنع القرارات، وآخر يقدم الأفكار والابتكارات والدوافع اللازمة لصنع القرارات. ومما لا شك فيه أن منتدى دافوس يحتل المكانة الثانية وليس الأولى، رغم مشاركة أعداد كبيرة من كبار المسؤولين حول العالم فيه. في بعض الدورات سيطرت الاختلافات بين المشاركين، حتى على التوصيات والنتائج التي توصلت إليها. إن هذا المنتدى يبقى مناسبة دولية مهمة، بصرف النظر عن أي اعتبارات. البعض يرى أن مجرد التقاء أطراف أعداء تحت سقف واحد، هو نجاح للمنتدى، لكن البعض الآخر، يرى عكس ذلك، على أساس أنك لا تحتاج إلى منتدى لمعرفة الحقائق ومعالم الطريق، بل أنت بحاجة إلى تعاون دولي صادق على مختلف الأصعدة، ولا سيما التنموية.&

كان العنوان العريض لمنتدى دافوس الاقتصادي الأخير مهما للغاية، لكنه بقي دون مستوى ما يمكن تسميته بـ "استحقاقات المتغيرات"، ولا سيما في ظل تدهور الأوضاع المعيشية والأمنية في غير بلد في أكثر من منطقة حول العالم.. ما بين الشرق الأوسط والأقصى وإفريقيا. العنوان "تحديات الثورة الصناعية الرابعة"، لا شك يحمل الكثير من الإشارات والمعاني، والأهم يحمل مخاوف كبيرة مما سيأتي، خصوصا عندما تكون النتائج شبه معروفة وواضحة لهذه الثورة الصناعية الكبرى. وتكفي الإشارة هنا، إلى أن هذه الثورة ستسهم في رفع أعداد العاطلين عن العمل بالملايين وليس بالآلاف حول العالم، وأن هناك مصيبة قادمة منها، إلى جانب القيم الإيجابية الهائلة الناتجة منها. صحيح أن لكل خطة ثمنها، ولكن هذا الثمن على وجه الخصوص، لا يمكن أن يدخل ضمن نطاق المسلمات.&

هذه القضية كبيرة، وتتطلب مزيدا من المنتديات على مستوى «دافوس» وغيره، وتم بالفعل طرح أفكار في هذا المجال تسرع من وتيرة التعاطي مع الثورة الصناعية الرابعة. ورغم محورية هذه القضية، فإن المتلاحقات على الساحة طغت عليها، ولا سيما تلك الناجمة عن موجات اللاجئين التي ملأت أوروبا وعددا كبيرا من البلاد خارج هذه القارة. وهذه الأزمة بحد ذاتها لها توابعها المستقبلية، إلى جانب روابطها الأمنية والمعيشية والتنموية والتعليمية وغيرها. لم يصدر شيء لافت عن منتدى دافوس الأخير حول هذه المسألة، دون أن ننسى أن خلافات عدد من المسؤولين الذين شاركوا في جلسات خلال أيام المنتدى، ظهرت بوضوح حول الأسباب التي أدت إلى أزمة اللاجئين. وفي كل الأحوال، لم يجد المشاركون المحترفون (وليس السياسيين) إلا التركيز على الجانب الإنساني لهذه الأزمة، وقاموا بمحاكاة أوروبا وغيرها من هذه الزاوية.&

لا شك أن منتدى دافوس يبقى مهما في كل شيء. هناك من يعتبر أن جمع الأعداء في مناسبة واحدة يمثل انتصارا للمنتدى. لكن الأمر ليس كذلك، فجمع الأعداء دون إمكانية الوصول إلى قواسم مشتركة بينهم لا معنى له، إلا إذا كان الهدف الرئيس للمنتدى دعائيا. ولا يبدو الأمر كذلك بالنسبة للقائمين عليه. إنهم يسعون من تأسيسه لأن يكون مصدرا مهما للمعلومات والتحليلات والتقييمات والأفكار لكل صانعي القرار حول العالم. من هذه الناحية، قام منتدى دافوس على مر السنوات بدوره على أكمل وجه، لكن العبرة تبقى بمدى قبول الحكومات المستهدفة بما يطرحه المشاركون في منتدى دافوس. والأهم، مدى قدرة هذه الحكومات (ولا سيما الصادقة منها) على تنفيذ التوصيات التي يخرج بها المنتدى. في كثير من الأحيان تصطدم النظرية بالتطبيق، ليس لخطأ في النظرية، بل لعدم توافر تكاليف التطبيق.