فـــؤاد مطـــر
دائمًا تكون هنالك إضاءة عندما تشتد العتمة، وتبدو هذه الإضاءة كما لو أنها شمعة. هكذا حال الأمة مع أكثر من حقبة في تاريخها.
في الثمانينات، أزاح الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز بانطلاقه كأول رائد عربي للفضاء، كثيرًا من وطأة حالة الضيق المتراكم في النفس، نتيجة الخلافات السياسية العربية والصراعات بين أشقاء حول قضايا عالقة تمكن تسويتها بالحسنى وبتواضع المطالب. ولقد أحدث الأمير الرائد بالخطوة الشجاعة التي أقدم عليها، نقلة نوعية في نفوس الشباب، ذلك أن الخشية من الإقدام على الصعاب انحسرت بنسبة ملحوظة، فضلاً عن أن المعنويات حلت محل الإحباط لدى الشباب العرب، وبحيث بات كل شاب عربي ومسلم واثقًا من نفسه، هذا إذا كان سويًا ومستقيم الرأي يؤدي الواجب نحو وطنه وأمته على نحو تأدية سلطان بن سلمان الذي تؤكد الأربعون من ميداليات وأوسمة وأنواط ذهبية دولية وعربية وإسلامية أهمية أن يأخذ المرء بالقول الرسولي: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه».
وإلى جانب الأخذ بهذا القول عدم النوم على حرير الإنجاز الفضائي المبهر الذي تحقَّق، وإنما توظيف الحضور الناشئ في المجتمع الدولي في تحقيق ما يفيد الوطن، ومن هنا جاء الإنجاز الأرضي المتمثل بإضفاء إمكانية أن تكون المملكة العربية السعودية بلدًا سياحيًا، أو فلنقل هنالك إمكانات للسياحة فيه. وعند رصْد التحرك الداخلي والخارجي للأمير سلطان بن سلمان (رئيس هيئة السياحة)، واتفاقيات التعاون السياحي والثقافي التي يوقِّعها، وأحدثها مع جمهورية بلغاريا، فإننا نرى في الزمن الآتي غير البعيد أن الريادة الأرضية سياحة وتراثًا ومتاحف التي تحققت في المملكة، ستصبح توأم الريادة الفضائية، وكلتاهما مِن مبادر واحد، هو سلطان بن سلمان، الذي استوقفتني رؤيته (عبْر مقابلة أجرتها معه في فيينا زميلتنا بثينة عبد الرحمن حيث يشارك في الدورة 29 لجمعية مكتشفي الفضاء كواحد من الرواد المؤسسين ونشرتْها «الشرق الأوسط» يوم الأربعاء 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2016). وتتمثل هذه الرؤية بملمحيْن أساسييْن؛ الأول لخصه بعبارة: «نحن لا نعيش على بارجة نفط وإنما بأرض الإسلام والحضارات. إن النفط لا يمكن أن يكون المرتكَز الوحيد للاقتصاد الوطني». والملمَح الثاني لخصه بعبارة: «نحن بلد له قيمة روحية وحضارية واقتصادية، ولدينا برنامج متكامل لتغيير اعتماد المواطن على الوظيفة الحكومية أو على الضمان الاجتماعي...».
هل تحدث الطفرة السياحية في السعودية وتستقطب المملكة سُياحًا من معظم دول العالم؟ إنما الأعمال بالنيات وبالتصميم وبهمة المسؤول الذي تقع مهمة الإنجاز على عاتقه. وفي ضوء ذلك، فإن الريادة الأرضية سياحة وتراثًا للأمير سلطان بن سلمان على موعد مع الريادة الفضائية.
وثمة في ظل العتمة العربية - الإسلامية الأشد قتامة منذ خمس سنوات إضاءة جاءت من رئيس مجلس الوزراء في دولة الإمارات حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وتمثلت في مبادرة «تحدي القراءة العربي»، وخلاصتها أنها سباق يشارك فيه طلاب متراوحو الأعمار، والهدف من ذلك تحفيز الجيل العربي على القراءة بعدما انتزعته الابتكارات الحديثة على أنواعها، وبحيث بات هنالك هجران للكتاب واستبداله بأجهزة تتجدد سنة بعد سنة وتجعل الأبناء والبنات أسرى هذه الابتكارات. وتشجيعًا من صاحب المبادرة لتثبيت هذه الفكرة الريادية خصص لها جوائز يتفاوت مقدارها، بحيث تراوح للفائز أو الفائزة بين 150 ألف دولار ومليون دولار للمدرسة المتفوقة.
ثمة أهمية مضافة عدا تشجيع النشء العربي على القراءة، وهي أن الكتاب العربي يعيش حالة كساد لجهة الانتشار، وبالذات في لبنان الذي كانت صفته ماضيًا «لبنان يطبع والعرب يقرأون»، وبحيث إنه شيئًا فشيئًا باتت أحوال الكتب والتأليف عمومًا توأم أحوال بعض الصحف، التي بعضها على شفير الإقفال.
وإلى ذلك، فإن المبادرة التي توجت الطفل الجزائري محمد جلود بطل الدورة الأولى، تعكس انطباعًا بأن أزمة التعريب التي طالما عانت منها الجزائر ستشهد مزيدًا من الانحسار، كلما لقي الكتاب العربي مَن يسعفه ولقي القارئ العربي مَن يكرمه بجوائز ضمن سباق.
وثمة نقطة جوهرية، هي أن مبادرة الشيخ محمد بن راشد جاءت في وقت طغت فيه المسابقات الاجتماعية على واقع الحال، وبحيث إن الاهتمامات انحصرت في مسابقات ملكات الجمال وخلاف ذلك من مسابقات فنية وغنائية. ومثل هذه المسابقات ليست موضع اعتراض، إلا أن مردود هذا الفيض منها هو التسلية من دون أي استفادة معرفية. ومن هنا أهمية مبادرة «تحدي القراءة العربي»، التي تستقطب طلاب وطالبات المدارس العربية المنتشرة في دول الأمة من المحيط إلى الخليج.
وكما التوقع من باب التمني أن تكون هنالك طفرة سياحية في السعودية بفعل رؤية يترجم مراحلها بتأنٍ وثقة بالنفس رائد الفضاء الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، فإنه من باب التمني أيضًا أن تصبح مبادرة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم طفرة هي الأخرى في مجال القراءة، تليها وقفة أمام واقع صادم ويتصل في جانب منه بموضوع القراءة، ونعني بذلك أن نسبة الأمية في العالم العربي مرشحة إلى ازدياد في ضوء الذي جرى في سوريا والعراق واليمن وليبيا، وكيف أن الاحترابات على أنواعها تسببت في أن مئات الألوف من الطلاب والطالبات باتوا دون مدارس. وعندما تكون نسبة الأمية عام 2005 على سبيل المثال تتجاوز 35 في المائة من إجمالي عدد السكان وتصل إلى مائة مليون، فهذا مؤشر إلى أننا في ربع القرن المقبل سنكون أمام واقع صادم يتمثل بالفرد الأُمي، مما يؤشر إلى اتساع رقعة البطالة.
أن «تحدي القراءة العربي» يستوجب من باب التوقع والتمني مبادرة لاحقة هي «تحدي الأمية العربية»، وهذا أمل متوقع من «مركز الملك سلمان للشباب» ودينامية رئيس مجلس إدارة هذا المركز، ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وعلى الله الاتكال.
التعليقات