محمد خروب


غداً، يحتفل لبنان بيوم استقلاله ، وهو احتفال سيكون مُختلِفاً عما كانت الحال عليه قبل عامين ونصف, عندما غادر رئيس «الصدفة».. ميشال سليمان قصر بعبدا، بعد انقضاء ست سنوات ، ثم ملأه الفراغ لمدة عامين ونصف, الى ان حصلت «صفقة» ما تزال معظم تفاصيلها مسربلة بالغموض، اوصلت العماد ميشال عون (الماروني) الى القصر الجمهوري إثر استدارة غير متوقعة قام بها رئيس تيار المستقبل (السُّني كما يجب التذكير) سعدالدين الحريري، لم يكن للجنرال الثمانيني ان يحلم بها، ما اثار إفراطا في التفاؤل، بأن عجلات مؤسسة الدولة اللبنانية, المشلولة والمعطلة وذات الكفاءة المتدنية, ستبدأ بالدوران وبخاصة ان الاستشارات الإلزامية التي قام بها رئيس الجمهورية ، افضت الى تكليف الحريري, تشكيل 

حكومة جديدة، اجمع الساسة وامراء الحرب والمحاور وزعماء الطوائف والمحاصصة الطائفية والمذهبية، على انها ستكون حكومة «وحدة وطنية» جامعة, لا إقصاء فيها ولا استبعاد لأحد وخصوصا بعد طيّ صفحة الفراغ الرئاسي وتداعياته, وإحداث انطلاقة جديدة يرعاها «العهد الجديد» الذي تجلى مضمون توجهاته في خطاب «الانتصار» الذي القاه عون بعد انتخابه في الحادي والثلاثين من تشرين الأول الماضي.

احتفال الاستقلال غداً، سيرعاه رئيس الجمهورية وحضور رئيس مجلس النواب, ولكن ليس بوجود رئيس حكومة, بل بـِ»اثنين» احدهما يحمل صفة رئيس حكومة تصريف اعمال وهو تمام سلام, والآخر مُكلّف (الحريري), لم تُكلّل مساعيه بالنجاح, للإعلان عن حكومته العتيدة قبل عيد الاستقلال ، بعد ان عاد «رموز» المحاصصة الطائفية والمذهبية, الى «عاداتهم» المُفضّلة واشهروا كل ما حملته التجربة اللبنانية «الفريدة», من تربُّص وغدر وثأر ونكاية ومناكفات, محمولة على حقد طائفي ومذهبي, وتغرف من معين تاريخ مليء بالدموية والاستتباع والاستماع الى «نصائح» الحلفاء الخارجين، اقليميين ودوليين، على حد سواء، وكلٌ يتمترس خلف «قناعاته» التي هي مصالح زعماء المحاصصة والتحالفات المشبوهة, وفي المحافظة على الامتيازات التي باتت حِكرا على طبقة من الفاسدين في ميادين السياسة والتجارة والقطاع المصرفي والخدماتي, ودائما الاستناد الى دعم طائفي ومذهبي يُحصّن «الزعماء» ويمنحهم «الجرأة» كي ينطقوا باسم طوائفهم ومذاهبهم, وهم ابعد ما يكونوا في سلوكهم وفي مقارباتهم, عن اي مفهوم ديني حقيقي ينهض على تحريم الفساد والسرقة والاستغلال والاتجار بالبشر (سياسياً) واستخدام لغة التحريض وشحن غرائز البسطاء واستغلال تدينهم الطبيعي.

ما علينا..

فَشَلُ الحريري في اشهار حكومته , لا يتحمله رئيس تيار المستقبل وحده، بل ثمة «ذيول» ما دار من جدل وسجالات خلال العمل على توزيع الحقائب، ما اثار الريبة والشكوك بان التحالف الذي نسجه الجنرال عون مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، يسعى الى تكريس «ثنائية مسيحية» تُلغي الآخرين في الساحة المسيحية وبالاخص تيار المردة وزعيمه سليمان فرنجية الذي حال دون فوز عون بالتزكية. ما يعني انهما (عون وجعجع) يريدان الثأر منه و»تجفيفه» سياسياً، ناهيك عن حزب الكتائب الذي يشكل هاجساً (رغم ضعف تأثيره الحزبي والشعبي وبخاصة بعد «وراثة» سامي الجميل... رئاسته) فضلا عن الفعاليات والشخصيات المسيحية المُستقِلة التي يبدو ان عون وجعجع لا يعترفان بها او هما لا يريانها اصلا.

واذا ما اخذنا في الاعتبار تماسك الثنائية «الشيعية» المُمثّْلة في حركة امل وحزب الله, واعلان الاخير انه يفوض رئيس امل/رئيس مجلس النواب نبيه بري التفاوض حول الحقائب التي يستحقانها (26 نائباً في البرلمان), اضافة الى ان بري يفاوض ايضا باسم فرنجية, فاننا نكون امام عقدة شبه مستعصية, في ظل اصرار جعجع (مؤيداً من عون) الحصول على اربع حقائب وزارية «اساسية» بالاضافة الى نائب رئيس الوزراء, علما ان كتلته البرلمانية، لا تزيد عن ثمانية نواب. واذ للمسيحيين بمختلف طوائفهم ومذاهبهم حقائب عددها 12 في حكومة من 24 وزيراً، فان التيار الوطني الحر (عون) سيحصل على خمس حقائب, ما لا يُبقي للمسيحييين الآخرين.. اي حقيبة, وهو امر مرفوض من قبل بري والحريري, دون اهمال ان عون يشترط ان تكون له حصة «مستقلة» عن حصة تياره كونه رئيسا «للجميع» كما كانت «ذريعة» سَلَفِه ميشال سليمان.

خروج لبنان من ازمة التشكيل الراهنة, قد لا تتم بالسرعة المطلوبة بعد ان اندلع «سجال» بل تراشق «قاسٍ»يستبطن تلويحاً بالتعطيل, بين عون وبري, اعاد الامور الى المربع الاول واحيا المخاوف بحدوث تغييرات دراماتيكية في التحالفات والاصطفافات, تتجاوز بالتأكيد ما كان يُعرف بفريقي 8 و14 آذار. دون اهمال التداعيات الاقليمية والدولية المتلاحقة, سواء في ما يحدث الان في سوريا ام في الترقب والقلق الذي اثاره فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، ودائما في ان لبنان يتجه الى إجراء انتخابات برلمانية في شهر ايار القريب, دون ان يكون هناك اي اتفاق بين الافرقاء على قانون انتخاب «جديد» يُطالب به الجميع, لكنهم يخشون الإفصاح عن ذلك لاسباب معروفة.

ليس ما يعيشه لبنان من ازمات «مُتوالدة» سوى انه نتاج ازمة نظامه السياسي الذي فرضه المستعمِرون الفرنسيون, أزمة حكم لا أحد يريد حلّها او تحمل مسؤولية البدء بحلّها, لأن هناك ثمة من هو رابح, وكثير من الخاسرين.