حسين شبكشي

 هل دخلت منظمة الدول المنتجة للبترول «أوبك» مرحلة الغيبوبة والموت السريري؟ السؤال الصادم يبدو مشروعًا في ظل التجاذبات الحاصلة بين أعضاء المنظمة وغياب قرار المنظمة المؤثر على سعر السلعة في الأسواق العالمية، كما كان في السابق.
من الواضح أن «السياسة» تفوقت في تأثيرها على «الاقتصاد» داخل المنظمة؛ فالصراع المناطقي بين السعودية وإيران أدى إلى غياب كامل التنسيق بين الدول الأعضاء، وأصبح الوضع الغالب بلا اتفاق يسيطر على السعر، ويتحكم في الكمية المنتجة، وبالتالي المطروحة في الأسواق، مما أدى إلى غش وتجاوزات بين الدول الأعضاء مما أدى إلى استمرارية انخفاض السعر بهذا الشكل الذي عليه.
وطبعًا لا يمكن إغفال «التوحش» الروسي؛ روسيا دولة لديها احتياطي هائل من النفط، وهي تقوم بقدر استطاعتها بتصدير ما تقدر عليه للحصول على عملات صعبة لدعم اقتصادها السلبي والمتأثر جراء العقوبات التي وقعت عليه بعد احتلالها لشبه جزيرة القرم بأوكرانيا.
وهي بالتالي عنصر مؤثر جدا على قدرة «أوبك» في التأثير على السوق العالمية، والموضوع لا يتوقف عند طموحات الدب الروسي، ولكن كما أصبح واضحا دخلت الولايات المتحدة الأميركية على خط السوق البترولية بقوة شديدة جدا، فاليوم أميركا تحولت من دور المستهلك إلى دور المنتج الذي يكفي ويغطي احتياجاته، وصولا إلى دور المنتج المصدر والمؤثر.
التقنية الأميركية التي توصلت إليها اليوم كل الشركات العاملة في إنتاج النفط الصخري والغاز الصخري، أصبحت أقل تكلفة وأكثر فعالية وصديقة للبيئة بأقل الأضرار الممكنة على المياه الجوفية الموجودة في باطن الأرض، والتي كانت الشكوك مستمرة دوما بأنها تسبب التلوث والخراب، وليس بخاف ولا هو بالسر حجم الاكتشافات للنفط الصخري، التي أعلن عنها مؤخرا في ولايات الوسط الأميركي والتي ربما سيجعل من سيناريو مضاعفة الكميات الممكن تصديرها من أميركا مسألة أساسية في حساب السوق البترولية، وبالتالي سيكون البقاء للمنتج الأقوى بعيدا عن ارتباطه بمنظمة أو غيرها، والكل يرغب في «الإغراق» بالكرم النفطي على الكعكة الكبرى وهي الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند، فهذه هي الدول الأكثر استهلاكا لسلعة النفط اليوم، والكل يتصارع لأجل إرضائها وإشباع رغباتها من هذه السلعة.
لم تعد تجدي المقابلات ولا التصريحات ولا المؤتمرات لتأخير مصير المنظمة الحتمي، وبات من الممكن مراقبة «تأثير» اللقاءات والاجتماعات الأخيرة بين الدول الأعضاء على نتائج السوق ومردود أفعالها.
المشهد «الحقيقي» يتواصل؛ وهو إحلال واقع جديد تكون فيه الكلمة «لبعض» الدول الكبرى والقادرة على التأثير في السلعة سياسيا واقتصاديا، وهذه المعادلة لا تتوفر في الكثير من الدول الأعضاء. «أوبك» لسنوات كثيرة كانت لها اليد العليا في التحكم في أهم سلعة اقتصادية، ولكن عندما اختلفت المصالح الخاصة بالدول الأعضاء، كان من السهل أن يحصل اختراق من أطراف غير أعضاء ويبدأوا بالتدريج في إضعاف المنظمة، مع عدم إغفال واقع اقتصادي عالمي جديد حصل فيه تباين واضح للعرض والطلب وأزمات مالية وكساد لا يمكن إنكاره ولا إغفاله أبدا.
إنها حقيقة تتشكل وهي أننا دخلنا مرحلة ما بعد «أوبك» وهي شبيهة بمرحلة «عصبة الأمم» تلك المنظمة التي كانت على قيد الحياة قبل إنشاء «الأمم المتحدة». لكل كيان عمر افتراضي متى ما انتهت الحاجة إليه تنتهي بالتالي صلاحيته، وهذا ربما ما يحصل مع «أوبك».