أحمد المرشد 

ليس صدفة أن تنعقد بمملكة البحرين قمة مجلس التعاون ويتلوها مباشرة «حوار المنامة» لتكون قرارات القمة أحد أهم مرتكزات هذا الحوار الذي يتدارس ويضع التصورات والتوصيات لأمن الخليج وكذلك الشراكة الإقليمية للتعاون الدولي.
فقد اكتسبت قمة الصخير في دورتها السابعة والثلاثين أهميتها هذا العام من خلال إصرار قادة الدول الخليجية على دفع مسيرة التعاون لإبراز وحدة الخليج واستقراره ونمائه وتقدمه.
بداية..
نهنئ نحن معشر الإعلاميين في مملكة البحرين حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه بنجاح المملكة في تنظيم هذه القمة التي خرجت ناجحة بكل المقاييس بما يحقق كافة الآمال التي انعقدت من أجلها.
فما أسفرت عنه القمة من نتائج طيبة نثق بأنها سوف تعود بالخير على مواطني دول المجلس تحقيقا لطموحاتهم الكبيرة في مزيد من التعاون والتكامل والأمن والاستقرار.
وقبل الحديث عن نتائج هذه القمة، نوجه بعض الأسئلة لأولئك الذين هاجموا «قمة الصخير» حتى قبل أن تبدأ، وقد بدت سوء النية متوفرة لديهم، ولم يهنأ لهؤلاء بال حتى تختتم القمة وتخرج بتوصياتها وإعلانها الختامي، وإنما استبقوا الأحداث وتوقعوا ألا يحسن القادة الخليجيون إدارة شؤون منطقتهم، وكان لهؤلاء قبل أن يبثوا سمومهم في وجوهنا ونفوسنا أن يسألوا أنفسهم أولاً: «ما أدراكم بشؤون الخليج؟» ونحن لم نركم تكتبون حرفا بروح إيجابية عن الخليج وقادته وشعوبه، بل توجهون سهام حقدكم الى قلوبنا كل يوم، وتحمل كل كلمة تكتبونها من البغض ما يكفي لإهلاك شعوب العالم وليس الخليج وحده!
ثم نراكم تشيدون ببعض الحكام الذين يدفعون لكم ويجزلون العطاء لجيوبكم التي امتلأت بالدنانير والدراهم من عطايا هؤلاء الحكام لكم وهم الذين يستقطعونها من شعوبهم ويعيشونهم في بؤس وعذاب وجوع وهلاك وحروب، ونراكم حتى الآن تدافعون عن هؤلاء الحكام الذين دمروا بلدانهم وباعوها قطعًا قطعًا وشردوا أهلها وأصبحوا لاجئين مشردين في دول العالم.
نراكم تستكثرون علينا نحن شعوب الخليج قمة سنوية يعقدها القادة وتستبقونها وتتوقعون لها الفشل عشية انعقادها كل عام، ثم تخرج القمة بنتائج ايجابية ومبهرة تصب في مصلحة ليس الخليج فقط ولكن في مصلحة كل العرب، فالقمة الخليجية لا تناقش أمور منطقتنا فقط وإنما تتناول كافة القضايا العربية وتناقشها بعمق، وتكون النتيجة مفيدة للجميع.
ثم لماذا نراكم تهاجمون القمة الخليجية فقط؟ ولم نقرأ لكم اي هجوم على قمة الاتحاد الأوروبي أو أمريكا اللاتينية أو مجموعة الآسيان أو الثماني الكبار؟ والسؤال: «لماذا تنصب أحقادكم علينا فقط؟..
أعلم أني لن أصل لأجوبة فالمعنى واضح.
والغريب أن هؤلاء يعلمون جيدا أن أي قمة خليجية تعمل في النهاية نحو المزيد من الترابط والتكامل بين شعوب المنطقة وتمثل لبنة جديدة تسهم في تعزيز مسيرة العمل الخليجي المشترك والحفاظ على مكتسباتها، ومضاعفة إنجازاتها.
فكل قمة تمثل في حد ذاتها«قمة النماء والارتقاء»، إلا أننا حقًا نعيش أزمات متتالية في المنطقة، من الحروب الأهلية الى التدخلات الإقليمية في شؤوننا، وهؤلاء الذين يهاجمون القمة الخليجية يعلمون جيدا حجم تلك التدخلات ولكنهم يتجاهلونها ولا يقتربون منها ولا أعلم لماذا؟
ولعلي اتساءل: «ألا يعلم هؤلاء حجم الأزمات التي تحيط بنا من كل جانب، اليمن وسوريا والعراق؟
فجيراننا ينهارون ويتعرضون للتقسيم، ألا يستحق هذا الوضع المأساوي أن ننطلق لمناقشة التوصل الى حلول سياسية لكل هذه الأزمات التي فشلت في حلها القوى الكبرى في العالم، ناهيك عن تدخلات القوى الإقليمية لحصد مكاسب من أزماتها، وبالتالي زادت وتفاقمت مشكلاتنا.. إلا تستحق منا هذه القضايا أن يلتئم قادتنا في قمة تجمعهم جميعًا لمناقشة الحلول اللازمة التي تجنّب وقوع شعوب المنطقة في المزيد من الأزمات والحروب بما يكفل لها في النهاية أن تعيش في أمن وأمان وعدم المساس بسيادة دول المنطقة واستقلالها ووحدة أراضيها.
وربما أختم تساؤلاتي لهؤلاء الرافضين لعقد القمم الخليجية عن ماذا فعلوا لمنع تعرض البحرين وغيرها من دول الخليج للأعمال الإرهابية والتفجيرات التي تنال من مكتسبات كل شعوب الخليج؟».. بالمناسبة لا انتظر أجوبة ويكفيهم أننا نعلم كم حقدهم علينا لما حققناه من ازدهار ونمو وبتنا كتلة تعمل حسابها كل القوى العالمية.
نعود لقمة الصخير التي نجحت بكل المقاييس وجاءت على مستوى توقعاتنا وتفاؤلاتنا، وأثبت قادة الخليج أنهم عند حسن ظن شعوبهم بهم لما يملكونه من خبرات متراكمة في مواجهة التحديات السياسية والأزمات الصعبة وكيفية تجاوزها والتغلب عليها رغم ما تعيشه المنطقة العربية عامة والمشرق العربي خاصة من تغيرات سياسية صعبة تستوجب تعاون الجميع للخروج بسلام من هذه الفترة والتي يواجهون فيها جارًا لا يفكر سوى في فرض هيمنته على دول المنطقة، بتصديره كافة أنواع الإرهاب الفكري والمذهبي والطائفي..
ناهيك عن الرئيس الأمريكي الجديد الذي صب جام غضبه على شعوب وقادة الخليج ولم يخفِ أطماعه بأن يجعلنا ندفع ما يدعيه «ثمن حماية أمريكا لنا» متناسيًا أن بلاده لا تفعل شيئًا بالمجان، وأن الأمريكيين يقبضون مقدمًا مقابل خدماتهم أيا كان نوعها، ويكفينا هنا ردود وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على دونالد ترامب، وهي ردود تنم عن رأي خليجي عام ضد كل من تسوّل له التفكير في الاقتراب من أمن الخليج.
وفي قراءة سريعة للبيان الختامي للقمة، كان من الطبيعي أن يبدأ بمطالبة إيران بتغيير سياستها في المنطقة، وهي المعروفة بتدخلاتها التي لا تنتهي في شؤون دولها، ويرتبط بهذا التأكيد على أن أمن الخليج كل لا يتجزأ وأنه يسهم في حفظ الأمن الإقليمي..
هذا مع التأكيد على عدم وجود أي نية من الخليج للإساءة الى إيران، ولكن المطلوب من طهران هو وقف الإساءات التي تأتي للخليج منها مع عدم التعدي على سيادة أي من دول مجلس التعاون ودول المنطقة، وكذلك عدم الإخلال بحسن الجوار.
ولهذا أوضح وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة أهمية أن تتخذ إيران خطوات مهمة جدًا في تبديل سياستها الخارجية، وعلى رأسها التوقف عن تصدير الثورة.
ولم يكن الاقتصاد بعيدًا عن اهتمامات القادة الخليجيين الذين أكدوا أهمية تعزيز العمل الخليجي المشترك، حيث حاجة دول المجلس إلى تكتل اقتصادي يضعها ضمن أكبر اقتصاديات العالم ويعزز من فاعلية الاقتصاد الخليجي وقدرته التنافسية والتفاوضية، ويؤكد مكانة ودور دول المجلس في الاقتصاد العالمي.
وبنفس أهمية الاقتصاد كان الاهتمام بالعمل العسكري المشترك، وتقدير القادة للإنجازات التي تمت في نطاق تحقيق التكامل الدفاعي بين دول المجلس بهدف بناء شراكة استراتيجية قوية، وإقامة منظومة دفاعية فاعلة لمواجهة مختلف التحديات والتهديدات، والخطوات التي تحققت لإنشاء القيادة العسكرية الموحدة.
ويدخل في هذا الإطار الاتفاق على التنسيق والتعاون الأمني من أجل ترسيخ دعائم الأمن وردع لكل من يحاول المساس بأمن واستقرار المنطقة.
وهذا يقودنا بالطبع الى مكافحة الإرهاب الذي يزعزع أركان المنطقة في الواقع، فما كان من قادة المنطقة سوى التأكيد على مكافحة الإرهاب ونبذ القمة لكافة أشكاله وصوره، ورفضها دوافعه ومبرراته، وأيًّا كان مصدره، والعمل على تجفيف مصادر تمويله، والتزام القادة المطلق بمحاربة الفكر المتطرف الذي تقوم عليه الجماعات الإرهابية وتتغذى منه، بهدف تشويه الدين الإسلامي الحنيف.
ولهذا، أكدوا أن التسامح والتعايش بين الأمم والشعوب يُعد من أهم المبادئ والقيم التي تقوم عليها مجتمعات دول المجلس، وهذا أمر واقعي لو نظرنا إليه بعمق حيث يبنى عليه تعامل الشعوب مع بعضها البضع..
ويدخل في هذا ضرورة التكاتف من أجل محاربة تنظيم داعش الإرهابي والتصدي له ولمنع انتشاره.
وارتباطًا بقضايا المنطقة، جاء تشديد بيان القمة الخليجية على أهمية حل الأزمات السياسية في الدول العربية وضرورة الحفاظ على حدودها، ليؤكد القادة ضرورة أن تعيش شعوب المنطقة في سلام واستقرار وعدم التمادي في الحروب الأهلية التي تضيع بسببها الأوطان والحدود.
تحدثت في مقدمة مقالي عن انعقاد القمة الخليجية وحوار المنامة، وهو ما يؤكد أهمية دور المملكة التي باتت عنوانا كبيرا في كافة المحافل الخليجية والإقليمية والدولية.. فهذا الحوار الذي يختتم أعماله غدًا وتستضيفه البحرين سنويا، سيخرج بنتائج تبحث في جوهرها كيفية وضع الحلول الناجعة لإنهاء الصراعات وتهديد التطرف بما يعيد تشكيل الأمن الإقليمي..
لقد أصبح حوارالمنامة ضمن اللقاءات الدولية المهمة التي تعقد سنويًا، ويمثل عنصرًا مركزيًا في هيكل الأمن الإقليمي الخليجي.
ولم لا؟..
فالحوار يجمع قادة الدول والوزراء وكبار المسؤولين من الخليج وعموم منطقة الشرق الأوسط، وأمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا لعقد المشاورات الثنائية ومتعددة الأطراف حول أهم التحديات الراهنة في مجالي الأمن والسياسة الخارجية.
وتمثل الصراعات في سوريا والعراق، وعدم الاستقرار في ليبيا واليمن، والتهديد المتمثل في التطرف العنيف، وهيكل الأمن الإقليمي، لب مناقشاته العام الحالي..
وتأسيسًا على هذا، نتوقع أن يصدر الحوار تصورات قوية بشأن حل النزاعات والأزمات في سوريا واليمن والعراق، لما للمشاركين من حيثيات علمية وخبرات سياسية وأمنية واستراتيجية متراكمة تؤهلهم لتناول كل هذه القضايا ووضع نهايات لها.. خاصة وأن التطرف الناجم عن مثل هذه النزاعات بات يستوجب ضرورة البحث في آليات القضاء عليه بصورة كلية، ليس التطرف والإرهاب في منطقتنا فقط وإنما في كافة أنحاء العالم.
ولهذا خصص حوار المنامة جلسات عديدة لمناقشة عدد من العناوين مثل «إدارة المتغيرات الإقليمية المتحولة» و«القوى الإقليمية واستقرار الشرق الأوسط» و«مكافحة التطرف في الشرق الأوسط وما وراءه» و«جيوسياسية العلاقات الخليجية - الآسيوية».. ناهيك عن بحث إعادة إعمار اليمن، التعاون الدفاعي في الخليج، والصراع والدبلوماسية في سوريا، والتعاون الدولي ضد الإرهاب.. ثم الهيكل الجديد للأمن الإقليمي.


قبل الأخير


البحرين والسعودية... علاقات وجود لا علاقات حدود
تكرس علاقات مملكة البحرين بشقيقتها المملكة العربية السعودية علامة مضيئة في تاريخ العلاقات العربية، وهي علاقات أخوية ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، مرتكزة على الإخوة والمصير المشترك، علاقات وجود لا علاقة حدود، وما الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للبحرين سوى تأكيدًا على تعزيز هذه العلاقات بين الأشقاء، فعندما هبطت قدمًا الملك سلمان أرض المنامة، فهو يأتي لوطنه ليزور أخيه جلالة الملك حمد بن عيسي آل خليفة.
ولعلي وأنا اتابع نتائج هذه الزيارة الميمونة، اتذكر العام الذي تم فيه افتتاح «جسر المحبة» وهذا كان الاسم المقترح إلا أن المغفور له بإذن الله تعالى سمو الشيخ عيسي بن سلمان آل خليفة أمير البحرين آنذاك تغمده الله بواسع رحمته، أصر على أن يطلق اسم الملك فهد رحمة الله عليه، على هذا الجسر ليجسدا رحمهما الله معنى الوجود والمصير.
عندما وطأت قدما الملك سلمان أرض البحرين، نتذكر على الفور مواقفه الشجاعة للدفاع عن كل الخليج، دوله وشعوبه، وفكره المستنير الذي يسعى بقوة الى توطيد دعائم البيت الخليجي والدفع نحو تحقيق الاتحاد بين دوله.
ومن هنا، أبدع الشاعر الكبير المرحوم الدكتور غازي القصيبي رائعته بل السيمفونية الجميلة «درب من العشق» في واحدة من أروع القصائد التي كتبها عام 1986 بمناسبة افتتاح جسر الملك فهد، ويجسد فيها معاني العلاقة الوطيدة بين السعودية والبحرين:
درب من العشق لا درب من الحجر هذا الذي طار بالواحات للجزر ساق الخيام الى الشطآن فانزلقت عبر المياه شراع أبيض الخفر ماذا أرى؟ زورق في الماء مندفع أم أنه جمل ما مل من سفر؟ وهذه أغنيات الغوص في أذني أم الحداة شدوا بالشعر في السحر واستيقظت نخلة وسنى توشوشني من طوق النخل بالأصداف والدرر؟ نسيت أين أنا إن الرياض هنا مع المنامة مشغولان بالسمر أم هذه جدة جاءت بأنجمها أم المحرق زارتنا مع القمر وهذه ضحكات الفجر في الخبر أم الرفاع رنت في موسم المطر أم أنها مسقط السمراء زائرتي أم أنها الدوحة الخضراء في قطر أم الكويت التي حيت فهمت بها؟ أم أنها العين كم في العين من حور؟ بدو وبحارة ما الفرق بينهما والبر والبحر ينسابان من مضر خليج إن حبال الله تربطنا فهل يقربنا خيط من البشر؟