أمام مدخل القاعة الفاخرة في «مركز التجارة العالمي» وسط موسكو، حيث كان الرئيس فلاديمير بوتين يتحدث إلى الصحافيين في مؤتمره السنوي الـ12، وقفت غيانا أمراخوفا تحمل لافتة كتبت عليها شكوى، على أمل أن يلتفت إليها الرئيس أو ضيوفه من ممثلي وسائل الإعلام. لكن عناصر الشرطة أسرعوا إليها واحتجزوها مع مصور صحافي لفتت السيدة أنظاره. سيق المحتجزان إلى مركز قريب للشرطة وتم تحرير مخالفة ضدهما بتهمة تنظيم اعتصام من دون ترخيص.

لم يكن بمقدور الرئيس أن ينتبه إلى تلك «التظاهرة الصغيرة» على بعد خطوات، وهو يقلب نظراته بين مئات اللافتات التي حملها الصحافيون أنفسهم في القاعة، ما بدا بالنسبة لمن لم يعتد على المشهد الغريب أشبه بتظاهرة كبرى مليئة باللافتات.

لا يمكن أحداً أن يتذكر على وجه التحديد متى بدأ هذا التقليد، لكن الأكيد أن تزايد «الإقبال» خلال السنوات الأخيرة على المؤتمر السنوي جعل ممثلي وسائل الإعلام يلجأون إلى هذه الطريقة للفت أنظار الرئيس أو مساعده ديمتري بيسكوف الذي يدير الجلسة عادة. ومن بين 1437 صحافياً حضروا اللقاء، حظي 62 منهم فقط بفرصة إلقاء سؤال، غالبيتهم تمكنت من ذلك بفضل اللافتة المرفوعة.

وتنوعت اللافتات في «التظاهرة الصحافية» بين من كتب عليها اسم المؤسسة الإعلامية التي يمثلها، مثل الفتاة التي حملت لافتة «القوقاز» وطلبت من بوتين فرض قيود على استخدام عبارة «الدولة الإسلامية» عند الإشارة إلى «داعش» فردّ عليها بسؤال: «هل تريدين أن أضع قيوداً على الصحافة؟» قبل أن يستدرك أنه «يوافقها الرأي». أو لافتات تشير إلى موضوع ملح، بعضها نال اهتمام بوتين وحرص على منح أسئلة لأصحابها، بينها واحدة تحدثت عن «تردي أحوال المتقاعدين». وثمة آخرون رفعوا أسماء المناطق التي جاؤوا منها. وبعضهم تدخل الرئيس لمنحه السؤال معلقاً: لنسمع ماذا يقولون في منطقتكم. وبدت غريبة لافتة استهدفت «استفزازاً إيجابياً» للرئيس ليمنح السؤال لصاحبها، عليها رسم بوتين بملابس «سوبرمان»، في حين حملت لافتات منحى «سلبياً» في الاستفزاز، كلافتة كتبت عليها عبارة «مراسيم الرئيس التي تُهمل ولا تُنفذ».

في الحالين، بدا بوتين مرحاً وهو يأخذ دور التنظيم من مساعده ويختار «لافتة» أعجبته ليستمع إلى سؤال صاحبها. وإن كان أحياناً يفاجأ بـ «فخ» نصبه صاحب اللافتة، مثل الفتاة التي كتبت «من دون تتارستان» في عبارة توحي بمزاج «انفصالي» أثار فضول بوتين، لكن السؤال كان عن دعم قطاع الأعمال المتوسط، وعندما دهش بوتين وسأل: ما علاقة تتارستان؟ قالت الفتاة: أنا من هناك!

وكان مرحاً أيضاً، عندما شاهد لافتة كتبت عليها كلمة «كفاس» وهو مشروب شعبي روسي يشبه السوس في بلادنا، وبادر بالتعليق: «لا للفودكا... نعم للكفاس»!

لكن لافتة حملت اسم الجارة «أوكرانيا» لم تثر مرحه، إذ سأله صاحبها: ألا تخشى أنك بعد أن ترحل عن السلطة سيظل الأوكرانيون يطلقون صفة «المحتلين» على الروس؟ وردّ بوتين بغضب ظاهر، لكن بلهجة هادئة: «أخشى أن يطلق سكان شرق أوكرانيا هذه الصفة على الجيش الأوكراني داخل بلده».