وليد أبي مرشد

أيام معدودة تفصل بين دونالد ترامب «الرئيس المنتخب» ودونالد ترامب الرئيس الرسمي للولايات المتحدة... والنهج السياسي للرئيس «المنتخب» ما زال طاغيًا على نهج الرئيس المسؤول عن الدولة الأعظم في العالم.
بانتظار العشرين من يناير (كانون الثاني) 2017، ما زالت الصين أبرز هواجس الرئيس المنتخب: الغرب بأجمعه في «الإسلاموفوبيا»، وترامب وحده في «الصينوفوبيا»... فهل يعني ذلك أن ترامب، الذي لم يخفِ عداءه للمسلمين في خطبه الانتخابية، ترك للرئيس الروسي مهمة مواجهة الإسلام السياسي ليتفرغ هو لعملية احتواء الصين؟ واستطرادًا: هل يمكن لمزاج ترامب السياسي أن يطغى على ثوابت الدولة ومصالح الولايات المتحدة في العالم؟
امتحانان مقبلان قد يشكلان محكًا للعلاقة المتوقعة بين المزاج السياسي للرئيس دونالد ترامب المناهض لإيران والمحابي لإسرائيل، من جهة، والأولويات الدولية «للمؤسسة» الأميركية، من جهة ثانية.
على الصعيد الإيراني، وبعد التطورات الأخيرة على الساحة السورية، إلى أي مدى يستطيع الرئيس ترامب التغاضي عن تمدد النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط؟
المرشد الأعلى لإيران، علي خامنئي، كان واضحًا في توظيف النصر العسكري الروسي في حلب لمصلحة إيران، إلى اعتباره أن قتلى الحرس الثوري الإيراني في سوريا قضوا «فداء للثورة (الإسلامية) ودفاعًا عن إيران»، والتأكيد أن قتال الحرس الثوري في سوريا «أبعد الحرب عن الداخل الإيراني». وكان قائد الحرس الثوري الأسبق، محسن رضائي، قد كشف، بدوره، أن إيران «لن تتخلى عن سوريا والبحرين واليمن».
هل يصح توقع ما يشاع عن سعي ترامب للتوصل إلى شكل من أشكال المقايضة الدولية - الصعبة إن لم تكن المستحيلة - تشمل تخلي الولايات المتحدة لروسيا عن نفوذها في الشرق الأوسط مقابل «سكوت» روسيا عن تجذّر النفوذ الأميركي في الشرق الأقصى؟
أما على الصعيد الإسلامي، والفلسطيني تحديدًا، فسوف يختبر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وعود ترامب الانتخابية بمطالبته تحقيق أعز أمنياته الصهيونية: نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، مع ما يمثله هذا الإجراء من اعتراف أميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل.
نتنياهو لن يفوّت فرصة تبدو استثنائية لطرح مطلب إسرائيلي أحجم كل الرؤساء الأميركيين السابقين عن تحقيقه، فدونالد ترامب ليس أول مرشّح للرئاسة الأميركية يعد، في سياق حملته الانتخابية، بنقل سفارة بلاده إلى القدس تجاوبًا مع قانون أصدره الكونغرس الأميركي عام 1995.
ولكن، رغم الكونغرس ورغم الوعود الانتخابية، لا تزال قطعة الأرض التي ابتاعتها واشنطن (جنوب القدس) لتشييد مبنى السفارة فوقها، شاغرة حتى إشعار آخر... فهل يقدم ترامب على اتخاذ قرار فضّل كل الرؤساء الأميركيين السابقين تجاهله «لدواعٍ أمنية» مظهرًا احترامًا لقرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين (عام 1947) الذي أبقى مدينة القدس كيانًا منفصلاً عن الدولتين العربية واليهودية؟!
حكومة نتنياهو لا تعقد الآمال على صداقة ترامب فحسب، بل أيضًا على نزعته الظاهرة «لزعزعة» العديد من المسلّمات السياسية الأميركية. وفي منظورها لن يكون قرار نقل سفارتها إلى القدس أصعب، مثلاً، من قرار بناء جدار فاصل بين الولايات المتحدة والمكسيك، أو منع المسلمين من دخول الأراضي الأميركية.
من غير المستبعد، قبل دخول دونالد ترامب رسميًا البيت الأبيض، توقع اتخاذه لقرارات تطيح ببعض ثوابت الدبلوماسية الأميركية. ولكن يفترض بدونالد ترامب، رجل الأعمال الناجح قبل أن يصير رجل سياسة أيضًا، ألا يكون بعيدًا عن حسابات الربح والخسارة في عالم الدبلوماسية كما في عالم الأعمال، حتى وإن اضطر إلى التنكر لوعود كان قد توسل، إبان حملته الانتحابية، نظرية «المؤامرة» لترويجها واجتذاب مؤيدين لبرنامجه الانتخابي... وعود قد يعرف هو، في قرارة نفسه ومن موقع المسؤولية، أنه من الصعب تحقيقها.
امتحانان قريبان من شأنهما أن يحسما التساؤل عما إذا كان دونالد ترامب «ما بعد 20 يناير 2017» غير دونالد ترامب «ما قبل 20 يناير».