سمير عطا الله
كان ونستون تشرشل يقول إن الهند بما فيها من لغات ومعتقدات وإثنيّات وديانات وحضارات، ليست في الحقيقة أمة واحدة إلا بقدر ما هو خط الاستواء أمة كذلك. ويقول المفكر الهندي أمريتا سينغ إن الصينيين ظلوا طوال الألفية الأولى يُطلقون على الهند اسم «المملكة البوذية». وفي القرن الماضي عُرفت هذه البلاد الهائلة باسم غاندي وفلسفة اللاعنف، أو بعناوين روحانية أخرى.
عرضت القناة الفرنسية - الألمانية أخيرًا سلسلة برامج وثائقية عن الهند، كان عنوان أحدها لا يُصدّق: «الضحك من غاندي». وداعًا لتلك الصورة التاريخية الراسخة في ذاكرة العالم للفيلسوف الفقير، وهو جالس شبه عارٍ على جانب نَوْل صغير. وفي الحلقة نفسها صور التماثيل النصفية التي تمثل المهاتما وقد وضعت في كاراجات البيوت بعيدًا عن الأنظار والتابعين. أي أن ما حدث للزعيم الاستقلالي بمثل هذا الهدوء، شبيه بما حدث لتماثيل لينين وستالين بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في تظاهرات صاخبة.
ربما كان الأكثر دقة هو المقارنة مع ما حدث لماو تسي تونغ في الصين. فلم يتعرض الورثة للإرث بشكل منظّم، ولكن من الواضح أن روح الزعيم التي كانت ترفرف فوق الجميع، قد أحيلت على نوع من التقاعد. إن صورة الهند الحديثة هي صورة الصناعي الهندي الذي يشتري كبرى الرموز الصناعية الغربية في أوروبا. وأما نَوْل غاندي فلا يكفي، بالتأكيد، لصناعة الألبسة لمليار بشري للأسف. ترافق صورة الهند الحديثة سمعة الفساد الهائل في الطبقة السياسية. والبعض يقول إنها الأكثر فسادًا في العالم. ورغم المساحات الهائلة التي قطعتها البلاد على طريق التقدم والكفاية، فلا يزال 10 في المائة من سكانها يعانون من الفقر المطلق، أو المطبق، بعد ما كانت النسبة نحو 30 في المائة قبل ثلاثة عقود.
ربما كانت الحداثة المذهلة التي تحققت في السنوات الماضية، قد خففت الكثير من أسوأ نظام طبقي في العالم، لكن في الوقت نفسه، ارتفعت الفروقات الفادحة بين الفقر والغنى. كذلك ارتفعت حدّة الفروقات في السياسة والدين. غير أن ما يسمى أكبر ديمقراطية في العالم، لا يزال النظام الوحيد القادر على استيعاب واحتضان بحر التناقضات. ومثلما تستفيد الصين في بسط حضارتها وتأثيرها حول العالم من خلال الشتات الصيني الهائل، أصبح الشتات الهندي ظاهرًا الآن في جميع الأنحاء، ليس كقوة عاملة مسحوقة، كما في العقود الماضية، وإنما كطبقة علمية تجارية وصناعية أيضًا. وهناك فئة الجيل الثالث من المهاجرين، التي أصبح أبناؤها شخصيات بارزة في المجتمعات الغربية، خصوصًا في الولايات المتحدة، حيث يصل المتحدرون إلى مناصب ومواقع في الولايات، أو في المؤسسات الاتحادية، كمثل مجالس النواب، أو منصب الحاكم، أو سواه.
التعليقات