سركيس نعوم

في العراق، يقول الباحثون في واشنطن أنفسهم، أن الخطوات الواعدة بتوفير الاستقرار له رُميت بعيداً بعد عام 2010 بسبب تولّي حكومة عدوانية واستفزازية في مذهبيتها السلطة في بغداد، وكذلك بسبب مبالغة الأكراد في سياساتهم عام 2014 فخسروا معظم مدخولهم أو كلّه لأنهم تحرّكوا في سرعة كبيرة وعلى نحو آحادي في اتجاه استقلال اقتصادي مدعوم من تركيا. أما الآن فهناك زخم واعد بين بغداد والأكراد، يضيف هؤلاء، بسبب انطلاقهما في حوار حول نقل سلطات سيادية لكردستان. لكن السؤال الذي يطرحه المهتمون بالوضع الكردي بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً لأميركا هو: هل يحاول أكراد العراق تقصير طريقهم الى الاستقلال من خلال السعي الى الحصول على دعم إدارته لدولة لهم مستقلة من دون المرور بمفاوضات مع بغداد؟ علماً أن مناقشة الزعماء العراقيين الحكم الذاتي الكردي وحتى تشجيع الأكراد على إعلان دولتهم لم يكونا أمرين مستغربين حتى أيام الراحل صدام حسين. ففي السنوات الأخيرة شجع رئيس الحكومة نوري المالكي بطريقة هادئة ولامبالية في آن كردستان لتصبح مستقلة. ورئيس الحكومة الحالي حيدر العبادي أدلى بتعليقات مماثلة في أكثر من مناسبة.

لكن كان هناك دائماً عقدة ما أو نقطة تشير الى غياب تفاهم فعلي وفي العمق حول الموضوع الكردي في العراق. إذ عندما كان يتحدث أكراده عن إجراء استفتاء شعبي حول الاستقلال كانت بغداد تحتج متذرعة بأن الوقت غير مناسب. كما أن الزعماء العرب في بغداد كانوا يختبئون حول حجة أو بالأحرى ذريعة هي إيران بقولهم: "سنكون في حال جيدة مع استقلال كردي، لكن إخواننا في الشرق هم المشكلة وتالياً العقبة". هذا النمط من التفكير ربما بدأ يقترب من التغيّر. ذلك أن محادثات صريحة وصادقة تجري بين بغداد والأكراد حول فصل السلطات السيادية أو قسمتها بهدف إقامة وضعين متساويين كردي وعراقي. وقد يكون أحد أسباب هذا التحوّل، إذا استُكمل، صدمة الحرب ضد "داعش" والاستنزاف والتغير اللذين سبّبتهما. وهي حرب لا نظير لوحشيتها حتى بمقاييس التاريخ المظلم الأخير للعراق. فضلاً عن بدء تكون رغبة واعية وأخرى لا واعية في سلام بين الأطراف الذين يقاتلون "داعش". هل هناك من يريد أن يخوض حرباً أخرى الآن في العراق؟

ربما الميليشيات الشيعية وتركيا يريدون ذلك، يجيب الباحثون في واشنطن أنفسهم، لكن ليس الأكراد ولا الفئات السياسية الشيعية التي تعبر عن الاتجاه السائد عند غالبية الشيعة، ولا المؤسسة الدينية (المرجعية). فضلاً عن أن هناك أمراً مهماً آخر هو أن قيادة البرزاني ورئيس الحكومة العبادي يحتاجان الى بعضهما إذ لديهما عدو مشترك يحاول أن يقسّمهما. وهو التحالف "المرتد" سياسياً وليس دينياً الذي يقوده المالكي وتدعمه إيران. طبعاً يتوق اللاعبون الدوليون مثل أميركا والأوروبيون وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي الى رؤية بغداد وإربيل تتعاونان في الحملة ضد "داعش" وفي التوصل الى اصلاحات اقتصادية. وبغداد مستعدة للتغيير. وهي والأكراد توقفا عن الخوف من "الطلاق" ويريدون الآن حريتهم لبدء حياة جديدة.

وفي هذا المجال يقول الزعماء الشيعة في الاجتماعات المغلقة أن عراقاً من دون كردستان سيكون أفضل مالياً، ولن يعود في حاجة الى تشكيل أو إطار إقليمي. وهم يريدون عراقاً عربياً مركزياً وأكثر تقليدية وذا سيطرة شيعية متماسكة. هذه الاقتناعات دفعت رئيس وزراء كردستان العراق نشروان برزاني الى بدء مناقشة نزيهة غير مسبوقة الخريف الماضي مع العبادي وزعماء شيعة آخرين حول الحاجة الى تقسيم السلطات السيادية بين إدارتين متساويتين واحدة في بغداد وأخرى في إربيل.

ما هي فوائد التقسيم المتفاوض عليه المشار إليه أعلاه؟
يجيب الباحثون أنفسهم أن هناك أسباباً كثيرةً تثبت إنه سيكون أكثر فائدة لكردستان العراق من إعلان آحادي للاستقلال أو من "ممرات" أخرى للدولة الكردية. فهو يستطيع منع النزاعات العسكرية بين بغداد وكردستان. فضلاً عن أن التفاوض سينطوي في ذاته على اجراءات بناء الثقة والأمن. واذا كانت الاجتماعات متكررة وفي فترات متقاربة يصبح من السهل على الفريقين تلافي سوء الفهم والتفاهم على خطوط حمر. كما تقل فرص شيطنة كل منهما الآخر.

في اختصار السيادة المتساوية للإدارتين والاحترام المتبادل يمكن أن يمنعا بغداد وإربيل من التدخل في الشؤون الداخلية لبعضهما.
ما هي فوائد التقسيم نفسه لبغداد؟