حسام عبد البصير

&بالأمس قدم النظام شهادة دامغة على أنه يشيد بنيانه على رمال متحركة، وأنه يسير للمستقبل بخطى مرتجفة وشك مطلق.. بلغ به الذعر حد الخوف من ريشة رسام كاريكاتير، فألقي القبض عليه بتهمة «الشخبطه ع الورق بما يهدد بزوال الدولة»، فضلاً عن امتلاك قلم و»لابتوب».

إسلام جاويش أحدث الوجوه المنضمة لصفوف الملاحقين، ما أثار جدلاً واسعاً حتى بين عدد من أنصار معسكر 30 يونيو/حزيران. الناشطون يخشون هاجس الاعتقال والقذف بهم في غياهب الزنازين المعتمة، والنظام بدوره يخشى أيضا نوبة صحوة تهب على بر مصر في واقعها المحفوف بالمخاطر، ورحمها الذي ينجب في كل عهد ما شاءت الأقدار من مفاجآت. الشواهد على انزواء مصر وتراجعها عن العودة لسالف مجدها في محيطها العربي والإقليمي أكثر من أن تحصى.. دعك من سد النهضة والمخاوف المترتبة عليه، التي باتت تعرف طريقها للعامة أكثر من النخبة المشغولة بالجدل المتصاعد عن الواقي الذكري، المهدى لجنود الأمن المركزي، والبكاء على أطلال إسلام البحيري وفاطمة ناعوت. لكن معيار السخط الشعبي له ظواهر أخرى، أبرزها حالة الاستنفار الأمني المشدودة على مدار الساعة ما يزيد الأمر تعقيداً ويصب ضد النظام وليس معه.

بالأمس كانت القاهرة مع مزيد من المعارك الصحافية، صحف تبحث بأي وسيلة عن اختراع أعداء جدد للنظام وللبلد الذي يعيش على مخزون متناقص من الأوكسجين، فيما النخبة تعيش معاركها الوهمية مع الواقي الذكري، الذي تحول مع تواصل المعارك لعدو يهدد مصر بناسها وأشجارها أكثر من تهديد سد النهضة، الذي تواصل بشأنه صراخ المخلصين من الخبراء بأنه يهدد بكارثة وجودية للوطن والنظام، وإلى التفاصيل:

حلف الشيطان

ثمة لغط يبعث على الحيرة والقلق في شأن العلاقات المصرية الإسرائيلية، التي تشير قرائن عدة إلى أنها باتت تحتاج إلى تحرير.. ويكشف فهمي هويدي في «الشروق» أسباب تلك الحيرة التي انتابته حين صوتت مصر لأول مرة في تاريخها لصالح ضم إسرائيل لعضوية إحدى لجان الأمم المتحدة في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي: «لم اقتنع بالتبريرات التي ذكرت آنذاك. التي كان منها أن ما حدث كان نتيجة التباس وخطأ في تلقي التعليمات. وكنت قد سمعت ذلك من أحد المراجع ذات الصلة بدوائر القرار في مصر. تجددت عندي تلك الحيرة المشوبة بالقلق، بعدها وقعت على مقال افتتاحي نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» يوم الخميس الماضي (28/1)، كتبه صحافي إسرائيلي مهم هو أليكس فيشمان، إذ ذكر الرجل في مقاله أن هناك تحالفا أمنيا اقتصاديا نسج في الخفاء على أساس «استراتيجي صلب» يضم كلا من اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر، وبشكل غير مباشر الأردن. وهو ما أطلق عليه وصف «حلف دول الحوض الشرقي للبحر المتوسط»، (تركيا مستبعدة منه لأسباب مفهومة)، أشار الكاتب إلى أن رئيس وزراء اليونان إليكس سفراس وبعض وزرائه وصلوا إلى إسرائيل يوم الأربعاء (السابق على نشر المقالة) للمرة الثانية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، للتباحث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي حول التعاون الأمني بين البلدين في مكافحة الإرهاب، إضافة إلى التعاون في مجال الطاقة الاقتصادية ــ ذكر فيشمان أيضا أن الأتراك «قلقون» من محور البحر المتوسط الجديد، بسبب إمكانية عزلهم، «ليس فقط عسكريا بل واقتصاديا أيضا»، مشيرا إلى أن إسرائيل متمسكة بعلاقتها مع اليونان على حساب الأتراك، ومشددا على أن مصر تنظر «بعين الاشتباه» إلى كل تقارب إسرائيلي مع تركيا، التي وصفها بأنها «منبوذة». وأكد في هذا الصدد على أن مصر من وجهة النظر الإسرائيلية تعد «مرسى إستراتيجيا ثانيا في الأهمية بعد الولايات المتحدة». هذا الحلف لم نسمع به من قبل وصدم هويدي لأن الموضوع على أهميته قوبل بصمت من جانب القاهرة».

كفى كذباً

طالب الدكتور محمد حبيب، النائب السابق للمرشد العام لـ«الإخوان المسلمين»، الجماعة بالتخلي عن عودة الرئيس الأسبق الدكتور محمد مرسي لسدة الحكم. وقال حبيب وفقاً لـ«المصريون» تعليقًا على مطالبة عاصم عبدالماجد القيادي في «الجماعة الإسلامية»، بالتخلي عن عودة مرسي: «إن عبدالماجد يريد القفز بالجماعة الإسلامية من السفينة الغارقة، ويحاول أن يعظم من شأنها بعدما تفككت؛ لأنه أدرك أن التيار الإسلامي لم يستطع تحقيق أهدافه ولو بنسبة 1٪. وأضاف، مصطلح تحالف دعم الشرعية أو الوطني فهو نوع من الدجل والضحك على الذقون، وهو لم يكن تحالفًا وطنيًا من الأساس. وتابع: الفصائل السلفية أو الجماعة الإسلامية تمثلان جانبًا هامشيًا بالنسبة للإخوان، فالجماعة هم أصحاب القرار، ولهم الوزن الأثقل في ما يتعلق بقرارات الحشد أو التظاهر، وهم من جمعوا هذه الفصائل ذات الوزن الخفيف تحت مسمى «التحالف الوطني لدعم الشرعية»، مؤكدا أن التحالف وهمي وتشكل خارج الزمن. واعتبر أن شرعية مرسي انتهت بثورة 30 يونيو، حينما خرج الشعب وثار على الإخوان، مطالبًا «الجماعة الإسلامية» بالتخلي عن شعار عودة الرئيس المعزول محمد مرسي، وأن تنسلخ من التحالف الذي شكله الإخوان. ووجه رسالة شديدة اللهجة للإخوان قائلا: الانقلاب الذي يترنح كما تزعمون لم يعد يترنح، بل على العكس فهو يثبت أقدامه يومًا تلو الآخر، من خلال تواصله مع كافة الدول والمعسكرات في العالم، ويقدم مزيدا من المشروعات للشعب المصري، في الوقت الذي أصبح فيه الإخوان والجماعة الإسلامية خارج إطار الزمن».

هل يستقيل الزند؟

«أنا شخصيا لن تنطفئ النار التي في قلبي إلا إذا تم قتل مقابل كل شهيد من القوات المسلحة عشرة آلاف من الإخوان ومن يعاونهم ويحبهم». المتحدث هو القاضي السابق، وزير العدل الحالي السيد أحمد الزند؛ الحديث كان لأحد البرامج السياسية المهمة «على مسؤوليتى». ويؤكد الحقوقي نجاد البرعي في «الشروق» على أنه: «لا يمكن القول بأن الرجل لا يعرف المادة 95 من الدستور، التي تنص على أن العقوبة شخصية ولا توقع إلا بناء على قانون وبحكم قضائي. مبدأ شخصية العقوبة من المبادئ الأساسية في التشريع الجنائي الإسلامي؛ مبدأ أكدته آيات كثيرة منها «ألا تزر وازرة وزر أخرى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى، ثم يجزاه الجزاء الأوفى». يضيف نجاد: القاضي السابق يعرف أن قتلة شهداء الجيش والشرطة إرهابيون يتعين عقابهم وفقا لنصوص القانون، بعد محاكمة عادلة، وأن العقاب لا يوقع إلا على من ارتكب الجريمة أو ساهم فيها بالتحريض أو الاشتراك أو المساعدة، على النحو الوارد في قانون العقوبات. لا يمكن القول إن ما باح به الوزير هي «زلة لسان». للرجل تاريخ في التحريض على العنف. في عام 2012 قال القاضي وقتها أحمد الزند «من يتآمر على نظام الحكم أنا أعتبره بيتآمر على الشعب المصري!»، داعيا النظام الحاكم وقتها إلى «شنق» من أطلق عليهم قواد الثورة المضادة «علنا في الشوارع». ويتوقع البرعي أن يتقدم بعض أعضاء البرلمان باستجواب للوزير حول تصريحاته المخالفة للدستور، يتبعه سحب الثقة منه. يستطيع الوزير أن يتوقى ذلك بتقديم استقالته، كما يفعل كثير من السياسيين «المحترمين» الذين يتورطون في تصريحات تحرض على العنف وتؤدي بالقطع إلى تكدير السلم العام».

المصريون لا يهينون جيشهم

لا أدري لم في مصر وحدها من دون دول العالم، لا يجد البعض تكريمًا للجيش أو للشرطة، إلا بوضع البيادة فوق الرؤوس؟ السؤال لمحمود سلطان في «المصريون» مؤكداً: «أن هذا لم يحدث في أي دولة في العالم.. فهل يعني ذلك أنها دول لا تحترم ولا تقدر جيوشها وشرطتها؟ لا أحد يزايد على حب وتقدير المصريين لجيشهم، فهو المؤسسة الوحيدة التي تحظى بإجماع وطني، وهو في رمزيته ووحدته دلالة على وحدة الدولة.. هو جيش وطني حقيقي لا طبقي ولا طائفي ولا أيديولوجي. المصريون يتوارثون تقديره جيلاً عن جيل، غير أن ما نشاهده من رفع البيادات فوق الرؤوس، يسيء إلى الشعب المصري، وإلى جيشه أيضا وإلى نضال الجماعة الوطنية المصرية، التي ما انفكت تناضل وتقدم التضحيات لتأسيس دولة المؤسسات، التي تخضع للرقابة الشعبية والمساءلة داخل البرلمانات المنتخبة. حتى الداخلية.. يجري الشوشرة على أخطائها وانتهاكاتها برفع بيادات ضباطها فوق الرؤوس.. ولقد هالني مشهد الداعية خالد الجندي وهو يقول: بيادات الشرطة فوق رؤوسنا، ردًا على فيديو «الواقي الذكري».. وهي سقطة لداعية فسرت بأنها تزلف لصانع القرار الإعلامي داخل المؤسسة الأمنية.. وكأن تضحيات الشرطة التي يقدرها أيضا المصريون، تبرر الانتهاكات والتسامح معها. وإذا كان ثمة خلاف على حب الشعب أو ارتياحه للشرطة بسبب تصرفاتها.. فإنني على يقين، بأن بسطاء المصريين وعامتهم يقدرون جيشهم ويحبونه أكثر بكثير من هؤلاء المتزلفين: أصحاب المصالح والكروش الواسعة، من حاملي البيادات فوق رؤوسهم».

الازدواجية تفضح أصحابها

خلال أسبوع واحد تقريبا شاهدنا حدثين كليهما يتعلق بالشرطة وجهاز الأمن، يحدثنا عنهما أكرم القصاص في «اليوم السابع»: «الأول كان قضية «الكاندوم» أو «الواقي»، والثانى حادث أمين الشرطة وأطباء مستشفى المطرية، حادث الكاندوم وكل من أحمد مالك وشادي فاهيتا، رآه البعض نوعا من السخرية المسيئة والمهينة للشرطة والجنود. عندما قرر أحمد مالك وشادي فاهيتا، في احتفالات ثورة يناير/كانون الثاني وعيد الشرطة، نفخ عدد من «الواقيات» وتقديمها إلى جنود ورجال الشرطة، في ميدان التحرير. وتصوير هذا ونشره على شبكات التواصل، واجها هجوما وانتقادا، حيث رآى البعض تصرفهما نوعا من السخرية المسيئة والمهينة للشرطة والجنود. لكن بحسب الكاتب الموقف من موقعة «الكاندوم» كشفت عن الاستقطاب بين متطرفين في الجانبين. وكلاء الثورة الحصريون أيدوا الفعل ورأوا أن الأمر ليس فيه إهانة – واعتبروا «واقعة الكاندوم» فعلا ثوريا وإبداعيا. في المقابل تعامل فريق آخر بحدة وطالب بإنزال أشد العقاب، بل أن بعضهم اعتبر فعل الكاندوم غير أخلاقي، وتجاوز ووجه شتائم إلى الشابين أحمد وشادي، بالأب والأم، ورفضوا قبول اعتذارهما وطالبوا بحبسهما. الاستقطاب والازدواجية، لا يقوم فيها الرأي على منطق، وإنما على انحياز أقرب إلى التعامل مع مباراة كرة قدم، كل جمهور يشجع فريقه. لكن الاستقطاب والتعامل المزدوج يقع في فئة متعصبة في الفريقين. وفي الأسبوع نفسه تقريبا، وقعت حادثة مستشفى المطرية التعليمي، عندما تقدم أمين شرطة يطلب من الأطباء تقريرا طبيا يتجاوز حجم الإصابات وعندما رفض الأطباء، اعتدى أمين الشرطة على اثنين بالضرب والسحل بعد أن استدعى زميلا له. ثم فوجئ الضباط بأن الأمينين حررا محضرا يتهمان الأطباء بالاعتداء عليهما، وحصلا على تقرير طبي يدين الأطباء. والأطباء المعتدى عليهم تحولوا إلى جناة. وتنازلوا بالتصالح، تحت ضغط الأوراق «المتستفة».

فساد الداخلية

«قبل يومين نشرت كل الصحف والمواقع الإلكترونية تقريرا مطولا عن فساد قيادات سابقين في وزارة الداخلية تضمن تلقيهم لسنوات ملايين الجنيهات تحت اسم «حافز مواجهة المخاطر الأمنية»، وكان على رأسهم كما يشير محمود سعد الدين في «اليوم السابع» اللواء مصطفى الفحام، مدير مباحث أمن الدولة الأسبق، بواقع 37 مليونا، و10 ملايين أخرى لإسماعيل الشاعر، مدير أمن القاهرة الأسبق، و8 ملايين لمحمد درويش، مدير شرطة المجتمعات العمرانية الأسبق، وثلاثة من أمناء الشرطة هم: محمد عبدالسميع في الإدارة العامة لمباحث الأمن الوطني حصل على مليون ونصف المليون، وكرم أبوزهرة حصل على مليون و350 ألفا، وفرج حسن محمد، مندوب الإدارة العامة للإعلام والعلاقات في الوزارة حصل على واقع 4 ملايين. مع مشاعر الحزن والطاقة السلبية من واقع مفاجآت قضية فساد الداخلية، وكيف أن مديري أمن وقيادات، يضيف الكاتب كانوا يصدعوننا يوميا بأنهم حماة الوطن وحراسه، إلا أن الواقع كشف غير ذلك، ولكن بقي في النفس قليل من الأمر، خاصة أن تلك الأموال تم ردها إلى الدولة ودخلت الخزانة العامة، غير أن المفاجأة الكبرى التي صدمتني هي أن كل المعلومات المنتشرة بشأن رد قيادات الداخلية ملايين الجنيهات غير صحيحة، ولم ترد أي قيادة من القيادات الأمنية أي أموال، لأنهم كانوا حسني النية عن تلقيهم تلك الأموال، وحصلوا عليها بطريق مشروع من المدير المالي في وزارة الداخلية، ولا يوجد في القانون المصري ما يلزم قيادات الداخلية برد الأموال. نعم.. لا يوجد في القانون مادة تلزم حسني النية برد الأموال.. إذن قاعدة مهمة هنا أن مكافحة الفساد ليست فقط بإيمان القيادة السياسية ولا حتى بتحرك الأجهزة الرقابية، ولكن أيضا بالقانون».

السيسي في مرمى ولد طايع

وإلى تصريحات اهتمت بها «الشعب» حيث قال مصدر حكومي موريتاني رفيع، إن الرئيس محمد ولد عبد العزيز، قرر بشكل رسمي تأجيل زيارة له إلى القاهرة، كانت مقررة يوم الأحد، وإن وزير الخارجية أبلغ السفير المصري في نواكشوط رسميا بقرار التأجيل، في ما تحدثت مصادر أخرى من خارج الحكومة عن أن الزيارة ألغيت بشكل كامل. ورفض المصدر الحكومي؛ الكشف عن دوافع تأجيل أو إلغاء الزيارة، غير أن محللين سياسيين تحدثوا عن جملة من العوائق أجبرت الرئيس الموريتاني على تأجيل زيارته لمصر. وبحسب «الشعب» يقول المحلل السياسي وخبير الشأن الأفريقي، سيدي ولد عبد المالك، إن الرئيس الموريتاني تلقى خلال الفترة الأخيرة العديد من الدعوات من عبد الفتاح السيسي لزيارة مصر، بعد الأدوار التي يقال إن ولد عبد العزيز لعبها أثناء رئاسته للاتحاد الأفريقي، لرفع حصار الأفارقة عن نظام الانقلاب المصري. وأضاف ولد عبد المالك، أنه «رغم الأدوار التي يلعبها النظام الموريتاني خارج موريتانيا للتماهي مع الموقف السعودي والمصري والإماراتي، فإن ولد عبد العزيز ظل مترددا في اتخاذ مواقف معلنة صريحة في دعم نظام السيسي، وذلك خوفا من ردة الفعل الشعبية والمعارضة التي ترى في السيسي انقلابيا دمويا»، بحسب تعبيره. وعبر ولد عبد المالك عن اعتقاده بأن «الزيارة لو حصلت فستكون مكلفة للرئيس ولد عبد العزيز الحالم بمأمورية (ولاية رئاسية) ثالثة، كما هو حال الزعماء الأفارقة، وأي تقارب مع قائد انقلاب ينظر إليه الموريتانيون على أنه ديكتاتور العصر، سيكون ضربة له ولشعبيته. أما المحلل السياسي، سيد أحمد ولد محمد باب، فقد اعتبر أن الزيارة التي كانت مقررة لولد عبد العزيز إلى القاهرة، غير «مغرية ومكلفة من الناحية الأخلاقية، في ظل وضع تتجه فيه البلاد للحوار، ويعمل الرئيس ولد عبد العزيز من أجل إنقاذ صورته التي تضررت كثيرا».

خانته زوجته بأوامر أمنية

العديد من الفنانين دفعوا ثمن انتقادهم للأنظمة، كما تشير صحيفة «التحرير»: انتقدت «كاريوكا»، الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عقب ثورة 23 يوليو/تموز، حيث وصفت أداءه بأنه لا يفرق شيئًا عن أداء الملك فاروق، وتعرّضت للاعتقال وتمردت على إداراة السجن أثناء فترة اعتقالها، وطالبت بوقف عمليات التعذيب ضد بعض السجينات. كما نرى الفنان الراحل سعيد صالح في «لعبة مسرحية اسمها الفلوس»، يقول جملته الشهيرة «أمي اتجوزت تلات مرات، الأول أكّلنا المشّ، والتاني علّمنا الغش، والتالت لا بيهش ولا بينش»، وكان يقصد رؤساء مصر بالتوالي «عبد الناصر، السادات، حسني مبارك» وتم القبض على صالح بعد ذلك في عام 1991، بتهمة تعاطي المخدرات، وهو ما نفاه بعد خروجه من السجن؛ ليؤكد أنه سجن بسبب مهاجمته لحسني مبارك. فيما تعرّض الفنان طلعت زكريا لحملة هجوم شرسة، بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني، الذي كان معارضًا لها، وفشل فيلمه «الفيل في المنديل»، الذي تم عرضه عقب ثورة 25 يناير مباشرة، بسبب هجومه على موقفه. أما عادل إمام فبعد عرضه لمسرحية «الزعيم» اعتقد الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، أنه المقصود من المسرحية، وأن الفنان عادل إمام كان يقصده بشكل شخصي، ما دفعه إلى محاولة اغتياله في ليبيا، لكن المحاولة فشلت. وبعدما أعلن خالد يوسف أنه سيكون صوت المعارضة، هاجمه الإعلاميون المؤيدون للنظام، وأبرزهم أحمد موسى، الذي عرض صورًا فاضحة ودافع خالد قائلاً إن ما يتعرض له مؤامرة. بينما تعرّض الفنان عبد العزيز مخيون لجريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد من قبل زوجته الدكتورة سحر أحمد محمود أبو القاسم، التي خانته مع شخص يدعى هيثم محمد منير وأكد مخيون أن الحادث تم تدبيره من قبل أمن الدولة، عقب نشاط حركة كفاية الذي انضم إليها.

هاني رمزي زعم انه كان معارضًا للرئيس المعزول محمد مرسي، في عام حكم الإخوان المسلمين، وزعم انه تعرض للتهديد وتوقف برنامجه «الليلة مع هاني»على خلفية إهانته للجماعة.

مساحة حرية التعبير اختزلت!

«النظام خاف من ورقة فقطعها»، عبارة اتفق عليها عدد من رسامي الكاريكاتير، تضامنًا مع زميلهم إسلام جاويش، الذي ألقت الأجهزة الأمنية القبض عليه بتهمة الإساءة للنظام.. «التحرير» سألت عددًا من رسامي الكاريكاتير لمعرفة موقفهم، إسلام أحمد، رسام كاريكاتير قال، إن مساحة التعبير في عهد مبارك أكبر من هذه الفترة، وكنا نعبر من خلال رسوماتنا مع كتل الفساد بشكل مباشر وواضح، ولم تتعرض لنا الأجهزة الأمنية،

وأوضح، أن إسلام جاويش تناول قضايا بصورة غير مباشرة، ولم يوجه إساءات لأي مسؤول، متابعا «اللي حصل لعنة عليهم ومن بكرة هاشتغل على قضية إسلام جاويش». وذكر، أن التعامل مع جاويش بهذه الطريقة يمثل نوعًا من الغباء. وقال رسام الكاريكاتير عمرو الصاوي، إن القبض على جاويش مبالغة من الدولة وتضييق على الحريات بصورة غير متوقعة، وهو مؤشر غير جيد لتراجع مستوى الحريات. وأوضح الصاوي، أن هامش الحرية كان كبيرا في فترات سابقة عكس ما يحدث الآن. وقال أحمد مخلوف، إن إسلام جاويش يعتمد على الكاريكاتير الاجتماعي في معظم أعماله متابعا «مافيش حاجة هتوقفني عن التعبير عن رأيى حتى لو كلفني ذلك حياتي». وقال الرسام أحمد عكاشة، شعرت باستغراب شديد عندما وصل خبر إلقاء القبض على زميلي إسلام جاويش، وأيقنت أننا نعيش في دولة صاحبة يد مرتعشة، فلم تحدث هذه الانتهاكات في عهد مبارك، أو مرسي، أو المجلس العسكري. وأضاف عكاشة، نحن نعيش في بلد تعمل جاهدة على تقييد الحريات، والأجهزة الأمنية مرعوبة من ورقة، فكيف لها أن تواجه الإرهاب؟ وتابع النظام مش عايز الناس تعبر عن رأيها، وألقت القبض على واحد بيهزر من خلال أعمال اجتماعية متميزة، وهو ما يؤكد أن هناك شيئا غير مفهوم.

أنتم اللاحقون

أيام وتشرف في الزنزانة فاطمه ناعوت المحكوم عليها بالسجن بتهمة ازدراء الإسلام، خرجت عن صمتها وقالت في «المصري اليوم»: «مقاضاةُ إنسان لرأي هو أفلسُ ألوان الفقر الفكري وقمة الضعف وأتعس التهافت. لأن القوي فكرًا يحاججُ الرأي بالرأي، ويقارع الفكرة بفكرة مقابلة. إنما الفارغ المفلس يقابل رأيك برصاصة أو بدعوى قضائية أو بخنجر. وإذن علامَ يستند أولئك المتهافتون وبم يستقوون علينا ولماذا ينجحون في طعننا بخنجر (نجيب محفوظ) أو قتلنا برصاصة (فرج فودة) أو حرق كتبنا (ابن رشد) أو ضربنا على رؤوسنا بكتبنا (ابن المقفع) أو تقطيع أيادينا وأرجلنا (السهروردي) أو صلبنا (الحلاج) أو سجننا (إسلام بحيري وكاتبة السطور)؟ الشاهدُ أنهم في كل عصر يستندون دائمًا إلى ضعف الدولة التي لا تُكرّم مفكريها ولا تُحجّم متطرفيها، الذين يستمدون قوّتهم، هم الضعافُ أصلاً، من شتاتنا وتمزق جبهتنا نحن الجماعة الثقافية وزمرة المبدعين والكتّاب. وبمَ يستقوون علينا؟ بسوء استخدام حقّ التقاضي وبمادة تعيسة غير دستورية في قانون العقوبات، هي المادة 98 (و)، المعروفة بقانون ازدراء الأديان. الطريف في الأمر أن هذا القانون صُكَّ مع بداية الثمانينيات الماضية لحماية أقباط مصر المسيحيين من تغوّل غُلاة التكفيريين الذين كانوا يرسمون على أبواب دور أشقائنا المسيحيين في صعيد مصر علامات مهينة وكلمات بذيئة تزدرى عقيدتهم المسيحية. نشأ القانون إذن حماية لمواطن مسيحى من تكفيرى إسلامى يزدرى المسيحية. فهل نضحك أم نبكى حين تأتى لحظة يُتهم فيه مسلمٌ بازدراء دينه هو: الإسلام؟! هل يزدري إنسانٌ نفسَه؟! كيف بحق السماء؟! الأملُ اليوم معقودٌ على البرلمان المصري لإلغاء هذا القانون الذي لم يعد له محلّ من الإعراب، وإلا: أنتم اللاحقون».

أزمة ثقة

ونبقى مع القضية نفسها، إذ يوجه مكرم محمد أحمد في «الأهرام» تحية خاصة إلى د. آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة في جامعة الأزهر، التي ملكت شجاعة إعلان ضرورة تعديل قانون إزدراء الأديان، لأن القانون ينطوى على قدر كبير من المغالاة يهدد حرية الرأي ويتوسع كثيرا، وعلى نحو فضفاض، في توصيف تهمة الازدراء وتطبيقها على حالات لا تخرج عن حدود النقد المباح. ولهذا السبب قدمت الاستاذة الفاضلة اعتذارها إلى فاطمة ناعوت رغم أن فاطمة تكاد تكون في سن حفيدتها.

والحق أن فاطمة ناعوت كاتبة مصرية حتى النخاع، أخص ما يميزها أنها تنتج أدبا أنثويا يتميز بالجرأة والصراحة، يعبر عن مشاعر المرأة المصرية وإصرارها على التحرر من القيود التي تكبل حريتها، وأظن أن صوت فاطمة ناعوت الزاعق في بعض الأحيان هو تعبير واضح عن رفضها إصرار المجتمع على أن يكون صوت المرأة خافتا، تستأذن قبل أن تطلب وتطلب السماح بدلا من أن تطالب بالحقوق، ولأن فاطمة ناعوت لا تستأذن أحدا قبل أن تبوح بمكنون أفكارها، فهى تشكل دائما عنصر شغب فكرى يختلف حول آرائها الكثيرون، وربما لم تنجح فاطمة ناعوت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة عن دائرة مصر الجديدة، لأنها كانت أكثر وضوحا وصراحة في التعبير عن آرائها، ومع ذلك فإن فاطمة ناعوت صوت صحيح ينبغي أن يكون موجودا وعاليا، لا يتعرض للقهر أو المنع لأنه صوت المرأة المصرية العصرية في الزمن المقبل. لكن قضية فاطمة ناعوت لا يمكن التعامل معها بمعزل عن أزمة الثقة بين مؤسسة الازهر والمثقفين المصريين، التي تزداد اتساعا، بسبب غياب حوار صحيح ينجز توافقا بين كل الأطراف على مبادئ عامة تحفظ للدين قدسيته وللازهر كرامته وتحافظ على حرية الرأي والابداع، وحق المثقفين في استخدام عقولهم في تفسير النص الديني في إطار يحفظ مصالح العباد وينقي الفكر الإسلامي من شوائب التطرف والعنف».

للإلحاد دولة

ثمّة قيادات طاغوتية تكرّس الإلحاد وتعتقد أن هذا رسالتها التي لا بديل عنها لتأبيد وجودها في السلطة، وتروج لهذه الرسالة في الداخل والخارج؛ لاجتلاب الدعم الجوانيّ والبرانيّ ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا.. زاعمة وفق ما يشير محمد يوسف عدس في «إخوان أون لاين» إلى أنها «تعمل لخير مصر وخير البشرية جمعاء؛ إذ تخلّصهم من الإرهاب الإسلامي البغيض الذي «يريـــد أن يقتل 6 مليــــارات من البشــــر لينعم وحده بالحـــياة».. وتحـــذر العالم من عقيـــدة المسلمين الإرهابية المسْتَمَدَة من نصوص مقدسة ترجع إلى ألف سنة من الزمن.. القضية أكبر مما نظن، والخطة أعمق مما نتصور؛ نعم هناك خطة حرب على الإسلام والمسلمين بذريعة القضاء على الإرهاب: مشتملة على أهداف وبرنامج عمل مفصلة للتنفيذ.. وهناك أشخاص مدربون وجهات أنيطت بها مهمات محددة: في الأمن والإعلام والقضاء والثقافة والتعليم والإدارة، هناك استراتيجية مرسومة. من أبرز أهداف هذه الحرب الإلحادية، وفقاً للكاتب، انتزاع القداسة عن كل ما يتصل بعقائد المسلمين ومبادئ دينهم، وممارساتهم التعبدية؛ بالتشكيك فيها وتزييف الحقائق التاريخية الراسخة في الأذهان عنها.

لا يظن الكاتب أن هناك اختلافا على حقيقة أن أعظم مبدأ في الإسلام وأخطره هو عبادة الله الواحد الأحد تحت راية «لا إلَهَ إلا الله».. فلا إله إلا الله هي كلمة التوحيد المصفّى، وهي أعظم عقيدة إيمانية منحها الله لعباده، ليحرّرهم من عبادة الإنسان للإنسان.. ولقد كان أول ما فعله الطاغوت محاولة هدم هذا المبدأ، فأوحى إلى فريق من شعبه تم غسل عقولهم إعلاميًّا؛ حتى توهّموا أنهم شعب آخر وأن لهم دينا آخر.. وأن طاعته حتمية للخلاص والنجاة. صوّر لهم الوهم الإعلامي أنهم مع الطاغوت في جنة آمنة ومع هذه الموجة الإلحادية اخترع بعض صعاليك الإلحاد سورة باسم السيسى.. وقال له أحدهم : ما شئت إلا ما شاءت الأقدارُ ٭٭ فاحكم فأنت الواحد القهَّارُ».

«برافو» حمدين

ونتحول نحو الثناء على أحد رموز ثورة يناير/كانون الثاني، ويشيد به محمود خليل في «الوطن»: «أجدها خطوة جيدة تلك التي اتخذها الأستاذ حمدين صباحي، المرشح الرئاسي السابق، بالسعى إلى تشكيل كيان سياسي يضم المؤمنين بثورة يناير. المشهد السياسي بالفعل في حاجة إلى كيان كهذا، كما أن أنصار الثورة المجيدة بحاجة هم الآخرون إلى الالتئام في كيان سياسي يسعى إلى تفعيل قيمها وأهدافها في واقعنا. المشهد السياسي في مصر تراوح منذ الثورة ما بين طرفين، أولهما الإخوان وثانيهما المؤسسة العسكرية، ورث هذان الطرفان حكم حسني مبارك، فأما الإخوان فقدموا أنفسهم كحكام جدد بعد الثورة، انطلاقاً من أمرين: أولهما أن الجماعة كانت -على الأقل في الظاهر- الخصم الأبرز المعارض لنظام حكم «مبارك»، وثانيهما ذلك «النفخ» الذي مارسه البعض في الإخوان، حين أفرطوا في الحديث عن أنها الجهة الأكثر تنظيماً، والأقدر على السيطرة على الشارع، وبالتبعية السيطرة على الحكم، وقد انتهى المشهد الإخواني النهاية التي نعلمها في 30 يونيو/حزيران 2013. يضيف خليل: تعالَ بعد ذلك إلى المؤسسة العسكرية، وقد ظلت لستين عاماً متتالية مؤسسة الحكم في مصر – عقب قيام ثورة يوليو/تموز 1952- وكان الانتماء إليها هو مسوّغ الشرعية لمن يحكم، بغضّ النظر عن استفتاء الشعب على شخصه، أو انتخابه (بعد عام 2005). كان من الطبيعي، بعد ثورة الشعب على الإخوان أن تعود المؤسسة إلى موقع الحكم مرة ثانية، بحكم أنها البديل الوطني الوحيد المتاح، بعد عجز أنصار يناير عن الالتئام في كيان سياسي مؤثر. خطوة «حمدين» جيدة، لكن يرجو الكاتب ألا تتوقف عند مجرد «لمّ الشمل الينايري». الكيان السياسي المقترح لا بد أن يضع لنفسه ترجمة قيم وأهداف يناير في رؤية وبرنامج واضح المعالم والإجراءات».

&