&&عبدالله بن بجاد العتيبي &&
الدول المؤثرة في العالم هي دولٌ قائدةٌ ورائدةٌ في مجموع مجالات أو في بعضها على الأقل، والدولة حين تعي نفسها وقدْرها وقدَرها، أي مكانتها ومستقبلها، تقمش الرجال وتختار القادة، ثم تتجه لصناعة المستقبل كاملاً برؤيةٍ ورويةٍ؛ رؤيةٍ يقودها الإنجاز والنجاح، ورويةٍ يتقدمها تثبيت المنجز والبناء عليه.
معارك الدبلوماسية والإعلام والمعارك العسكرية والاقتصادية تابعةٌ لمعارك السياسة، وهي انعكاس مباشر لصراعات القوى السياسية بين الدول أو في المجتمعات، يجري هذا في العالم أجمع، وهو في منطقة الشرق الأوسط أكثر وضوحًا وجلاءً، والمملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز قامت بانتهاج سياسةٍ قيادية تبني على السابق وتؤثر في الحاضر وتحلق نحو المستقبل.
والسعودية اليوم تقدم نفسها قائدةً في المنطقة والعالم، على جميع المستويات، داخليًا وإقليميًا وخارجيًا؛ فداخليًا، ولست أرصد هنا إنجازات الدولة قديمًا وحديثًا، ولكنني بصدد رصد التجلي الإعلامي لهذه القوة والقيادة، لقد أصبح رئيس جهاز المباحث العامة في السعودية الفريق أول عبد العزيز الهويريني يتحدث للإعلام في مؤتمرٍ عامٍ وعلني، لا عن إنجازات الدولة في مواجهة الإرهاب، ولا تحويل جهازه السجون السعودية لما يشبه المزار السياحي لكل حقوقيي العالم وإعلامييه، ولا النجاح في مواجهة الأعداء فحسب، بل عن رصد الموجة العدائية للسعودية في بعض البلدان المجاورة، كما كان حديثًا صريحًا عن مركز أبحاث في النجف يكيد للسعودية ويهاجم سياساتها.
هذا في المجال الأمني، حيث أصبحت كل فروع وزارة الداخلية تقدم متحدثًا رسميًا باسمها مهمته التعامل مع الإعلام الداخلي والخارجي. وفي المجال العسكري، قدمت السعودية العميد أحمد عسيري الناطق الرسمي باسم «التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن»، يتحدث بأكثر من لغةٍ، ويواجه الصحافيين في مؤتمراتٍ صحافيةٍ متتابعةٍ ومتعددةٍ حول العالم، ويوضح رؤية السعودية ويشرح تحالفاتها العسكرية القديمة والجديدة، ويضع النقاط على الحروف لكل التفاصيل التي يثيرها الإعلام في أي مكانٍ، ويجيب المحب والكاشح على السواء، وهو المستشار العسكري في مكتب وزير الدفاع السعودي.
وفي التعبير عن السياسة الخارجية السعودية، يكاد وزير الخارجية النشط عادل الجبير يعقد مؤتمرًا كل يومين تقريبًا، معبرًا عن السياسة المستقرة والعادلة لبلاده، ومدافعًا شرسًا عن مواقفها وقراراتها وتوجهاتها، ويتحدث عن أهدافها وغايتها، ويقارع الخصوم بلغةٍ بارعةٍ وثقافةٍ حاضرةٍ، وبديهةٍ سريعةٍ.
وفي التعبير عن سياسات الثقافة والإعلام، دخل على المشهد وزيرها السعودي عادل الطريفي، ورأس الأسبوع الماضي جلسةً استثنائية لوزراء الإعلام الخليجيين، نتج عنها توقيع سلطنة عمان على إدانة جرائم ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح، وهو موقف محمود للسلطنة دون شكٍ، وحديث عن إيران ورعايتها للإرهاب وموقف السعودية الصارم ضد أي تدخلات إيرانية في شؤون الدول العربية.
الدول المستقرة تختار رجالاتها الذين يمثلونها، ويتنافسون في مواجهة التحديات وبناء الرؤى وصناعة الغد، من خامة الرجال الذين إذا أنجزوا فرحوا بالمنجز واتجهوا بكليتهم لمواجهة التحديات. إنهم لا يمتلكون أوقاتًا للفرح، لأن مواجهة التحديات وشغف البناء هو الذي يحدو عملهم ويلهم رؤاهم.
هذا حديث الفخار بالأوطان، وتغذية المجتمعات بالمنجزات، ولكن هل يعني أن الدولة بلا أخطاء أو الحكومة أو المسؤولين؟ بالتأكيد لا، وستبقى الأخطاء قرينة أي جهدٍ بشري، والذين لا يخطئون هم الذين لا يعملون شيئًا، وهو الخطأ الأكبر، ومن طبيعة المجتمعات الحية أن يدور الجدل فيها ويعلو صوت النقاشات وأن تتصارع الرؤى على ما هو الأفضل وما هو الأنفع، فبذلك تستمر الدول وتعلو وترتقي في سلم الحضارة ودرج التأثير وقمم القيادة.
من رأس الهرم في القيادة السعودية إلى أصغر مسؤول، نجد التصريحات واضحةً والتوجهات بينة، فالسعودية لن تسمح لأي دولةٍ إقليمية بأن تعيث فسادًا في الدول العربية، وستقف مع الدول العربية والشعوب العربية ضد أي تدخلاتٍ للإفساد سواء من إيران أم من أذيال إيران من الطابور الخامس داخل الدول العربية.
على سبيل المثال لا الحصر، أعلنت السعودية عن تعيين سفيرٍ لها لدى العراق قبل فترةٍ وجيزةٍ، وكان الاختيار للسفير ثامر السبهان، وقد تتبعت كغيري أداء السفير عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي؛ نشاطات متعددة شملت التيارات والأحزاب وجميع مكونات الشعب العراقي، وكان من المثير رصد تعطشٍ عراقي على المستوى الشعبي يبحث عن دورٍ للسعودية والدول العربية في دعمه لتثبيت سيادته ودعم استقراره كبلدٍ عربي مستقلٍ.
هذا الصوت الوطني العراقي كان ضعيفًا وخاضعًا للعديد من الضغوط والظروف التي وُضع فيها، جعلته بين فكّي كماشة المتطرفين من شتى المذاهب، فـ«داعش» ينحره باسم الإسلام والسنّة، والحشد الشعبي يقتله باسم الإسلام والشيعة، وكتائب الموت والقتل تمرّ بمدنه وقراه وتنتهك كل حقوقه كمواطنٍ وكإنسان في غاراتها على بعضها وغزوات بعضها ضد بعض.
لقد خرج هذا الصوت عاليًا في سوريا حين عبر الشعب برمته عن رفضه لنظام بشار الأسد، هذا النظام المجرم الذي يقتل شعبه ويفتك بمواطنيه بأعتى أنواع الأسلحة، ويستقدم كل الميليشيات ليقمعه، ولكنه أصر حتى آخر رمقٍ على رفض استمرار النظام، وهو مستمرٌ في حربه ضده، ومن هنا كان الدعم السعودي واضحًا من أول يومٍ، وهو اليوم في مرحلةٍ متقدمةٍ من القوة في المواقف والسياسات التي تصر على دعم حقه الطبيعي في طرد كل الدخلاء والمحتلين من كل صنفٍ ولونٍ.
وقد خرج هذا الصوت عاليًا في اليمن، حيث عبر الشعب هناك بوضوحٍ عن رفضه لميليشيات الحوثي وتدخلات إيران وأتباع المخلوع صالح، فكانت «عاصفة الحزم» وإعادة الأمل، وقد أصبح صالح والحوثي يخسرون كل يومٍ ويضعفون ويتخالفون ويتشاجرون، وقوات الشرعية تتقدم، والتسريبات تتحدث عن رغبة في التسليم، ولكن الغاية باتت قريبة المنال، وصنعاء على بعد بضعة كيلومترات.
ولكن، ما الذي يجري في لبنان؟ لبنان دولةٌ مختطفةٌ من قبل حزب الله التابع لإيران، الذي يشارك بكل قوته في قتل الشعب السوري من منطلقٍ طائفي مقيتٍ، والقوى اللبنانية منقسمةٌ تجاه السعودية، والدولة عاجزةٌ عن الاعتراف بمواقف السعودية معها ودعمها الطويل للشعب اللبناني والدولة اللبنانية، فهي تمتنع عن دعم مواقف السعودية في كل المحافل التي تحضرها، فهل تلام السعودية على إعادة النظر في طبيعة العلاقة بينها وبين هذا البلد العربي المختطف! وربما كان على القوى اللبنانية أن تحسب حسابات المصالح التي تخدم شعبها.
&
&
التعليقات