طلعت رميح&

تتحشد المواقف بطريقه مختلفة بعد أن اتضحت الرؤى والاستراتيجيات وصارت يقينا على الأرض ولم تعد مجرد احتمالات. دخل الصراع في سوريا وحولها إلى مرحلة جديدة من إدارة الصراعات، تختلف عن مرحلة المواجهه السابقه، وقريبا قد نرى التغييرات مجسدة على نحو قد يدهش المتابعين. وإذا كانت زيارة رئيس وزراء تركيا لإيران -في هذا التوقيت- أحد العناوين المؤشرة على تحولات في المواقف الإقليمية، فقد كانت فكرة وقرار التدخل البري من جهة والتظاهرات التي خرجت في سوريا عناوين أخرى أشد تعبيرا في إظهار طبيعة التحولات الجارية. وفي كل ذلك يمكن القول بان التدخل والعدوان الروسي كان عامل كشف المواقف الدولية التي باتت تثير أشد حالات القلق للقوى الإقليمية فضلا عن ما أظهرته من حقائق للثوار السوريين. لقد فتح التدخل الروسي مساحة الصراع وكشف المواقف والاستراتيجيات وأسهم في ولوج مرحلة تغيير توجهات القوى الإقليمية، لتصبح في وضع المقدر لاعتبارات واقع باتت فيه سوريا إلى نقطة تغيير لأوضاع الإقليم. باتت القوى الإقليمية أشد إدراكا للخطة الأمريكية الروسية لاستبعاد -أو بالدقة أضعاف دورها- في سوريا، وبأن الدول الكبرى صارت تتحرك متوافقة على تحويل أوضاع سوريا إلى نقطة انطلاق ضد دول الإقليم، بدون اسثناء.

يمكن القول مؤكداً، أن الثوار السوريين باتوا أكثر يقينا بالخداع الأمريكي وبأن الولايات المتحدة أدخلت الثورة السورية في نفق مزادات المصالح والخلافات والتوافقات، مع روسيا واوروبا، وبأنها هي من يحاول تطويع إرادة الثورة وإفشال أهدافها الاستراتيجية استثمارا للعدوان والقتل الروسي، وبأن أوروبا ظهرت للجميع، كم هي محجمة عن التدخل أو المساندة الفعلية، وأن ما يهمها الآن يتراوح بين تنغيص الاحتلال الروسي -دون صدام معه- واتقاء شرور تدفق اللاجئين، فضلا عن اهتمامها مع الولايات المتحدة وروسيا بحماية إسرائيل اولا. وبذلك صار تعاطي ثوار سوريا مع المواقف الأمريكية والأوروبية من باب التعامل الحذر والقلق والمتضاغط معها، خاصة بعد أن جرى إدراك حقيقة السعي الأمريكي الروسي المشترك لتقسيم سوريا، الذي يضرب مشروع الثورة والوطنية في الصميم. كما يمكن القول بأن تركيا لم تعد وحدها ما بات يدرك التحالف الأمريكي الروسي في سوريا، بل إيران باتت تدرك هي الأخرى أن الروس والأمريكان صاروا في خندق التعاون على حساب كل القوى الإقليمية. إيران تدرك الآن أنها ستكون الخاسر جنبا إلى جنب مع تركيا. ويمكن القول بأن إيران باتت تدرك أنها تورطت في الصراعات الإقليمية إلى حد يفوق قدرتها وأنها إن واصلت السير كما هي الآن، ستكون مضطرة للقيام بتراجعات غير منظمة، قد تفضي لاضطرابات داخل إيران.

كانت نقطة الالتقاء الأمريكية الروسية حول دعم الأكراد في شمال سوريا، عنوانا مقلقا لأبعد الحدود لتركيا وإيران أيضا، وجاء إعلان حزب العمال الكردستاني التركي المصنف إرهابيا، عن استعداده للمشاركة في معارك استعادة الموصل بمثابة ضربة الإفاقة، إذ دلالاته الأخطر تتمثل في تحول الأكراد نحو بناء قوة مشتركة من جميع دول الإقليم للعمل ضدها جميعا. وفي ذلك لم يعد خافيا على الجميع أن تسلم أمريكا وروسيا لملف الصراع صار على حساب الجميع، وأن أمريكا وروسيا ترتبان الأوضاع لجعل سوريا المقبلة نقطة تقسيم دول الإقليم. وأن سوريا المفيدة لن تكون تحت سيطرة أيران بقدر ما ستكون تحت سيطرة روسيا.

الأوضاع تتغير، ولذا كانت مظاهرات السوريين عنوانا كبيرا، إذ هي إعلان بإدراك حجم التغييرات، وهي جرت بناء على تقدير موقف تطلب إظهار صوت الشعب السوري لا قوات وفصائل الثورة فقط، وضرورة فتح مساحات للحركة في مواجهة الضغوط والاتفاقات الأمريكية والروسية والأمريكية والأوروبية، وليصبح هؤلاء في مواجهة مع الشعب السوري لا القوى الثورية فقط.