&عبد الله بن موسى الطاير

&إلى وقت كتابة هذه المقالة يواصل دونالد ترامب إشغال الرأي العام المحلي الأميركي والعالمي، ويتصدر مرشحي الحزب الجمهوري في الانتخابات الأولية ب 460 صوتا، يليه كروز ب 370 ثم روبيو ب 163 ويحل في المؤخرة كاسيتش ب 63 صوتا. ويحتاج أي منهم إلى 1237 صوتا ليفوز بترشيح الحزب له. وتصوت هذا اليوم الثلاثاء 15 مارس 2016م عدة ولايات هي فلوريدا ب 99 صوتا، والينوي ب 69 صوتا، وميزوري ب 52 صوتا، وكارولاينا الشمالية ب 72 صوتا، وأوهايو ب 66 صوتا. أي أن المرشحين سوف يحصدون حوالي 368 صوتا في يوم واحد. وهي جولة ستحدث فرقا كبيرا وستوضح ما إذا كان الجمهوريون قادرين على اقصاء ترامب لصالح كروز أو روبيو.

وضع ولاية فلوريدا يبدو مخيبا لآمال الجمهوريين حيث يتقدم الملياردير ترامب الاستطلاعات ب 44%، بينما لا يحظى ابن هذه الولاية السيناتور ماركو روبيو سوى ب 25% من الأصوات ويتراجع كروز في هذه الولاية كثيرا إلى أقل من 10%. ربما ما زال هناك فرصة للمعجزات في هذه الولاية لصالح روبيو الذي إذا ما فاز بها فإنه سيرتفع برصيده إلى 262 صوتا، وإن كان سيبقى ثالثا في التريتب. وإذا ما صدقت الاستطلاعات فسوف يرفع ترامب رصيده إلى 559 صوتا معمقا الفجوة بينه وبين كروز من 90 صوتا حاليا إلى 189 صوتا.

المعضلة الكبرى لدى السيناتور روبيو هي أنه إذا لم يستطع الفوز بولايته الأساسية فإنه لن يكون جديرا بالفوز بولايات أخرى بعدها حيث سيكون من العار عليه فقدان ولايته التي زفته إلى مجلس الشيوخ. وبنهاية هذا اليوم تتبقى حوالي عشرين ولاية أهمها كاليفورنيا ب 172 صوتا، ونيويورك ب 95 صوتا وبنسلفانيا ب 71 صوتا. روبيو يجادل بأن عدد الولايات التي يفوز بها المرشح ليست حاسمة في الترشيح النهائي في المؤتمر العام للحزب، إلا أن أحدا لايغفل أهمية عدد الأصوات التي يحرزها كل مرشح في الانتخابات الأولية.

وعلى الرغم من أن المنافسة مازالت تتسع على الأقل لاثنين من المرشحين الجمهوريين فإن الصخب الذي يحدثه دونالد ترامب لايمكن تجاهل تأثيراته على البنية الجماهيرية الأميركية، إذ لأول مرة حسب علمي يكون هناك تشابك بالأيدي بين مؤيدي ومعارضي مرشح رئاسي أميركي في الانتخابات الأولية، كما أنه لأول مرة ايضا تجلس الأسرة الأميركية أمام التلفزيون وهي تخشى على صغارها من مفردات خطاب مرشح رئاسي موغلة في الإسفاف ولا تذاع إلا بعد التاسعة ليلا، ناهيك عن تأسيس خطاب ترامب للعنف الذي سيبقى في الذاكرة الشعبية. ظاهرة ترامب هي رديفة للظاهرة الجماهيرية التي تقصي النخب وتفتح طريقا واسعة أمام ضجيجها لتدفع بمرشح يشعر العقلاء الأميركيون بالخجل منه. ويتحدث البعض وبخاصة في الشرق الأوسط والبلدان النامية إلى المؤامرة التي تقف خلف ترامب، إذ يعتقدون أن الترشح للرئاسة الأميركية لايمكن أن يكون بهذه البساطة وإنما هناك جهاز حكومي أو نخبوي خفي يخطط ويفرض المرشح وربما يحدد الفائز بالبيت الأبيض.

لا أميل إلى هذا الرأي ومع ذلك أتفهم دوافع القائلين به ذلك أن سمعة أميركا ومكانتها كدولة عظمى، وصاحبة أكبر ديمقراطية في العصر الحديث، لا يمكن أن تسير أمورها بناء على رغبة الجماهير، وأن الشعب الأميركي لا يمكن أن ينتخب رئيسه بدون أن يكون هناك مساحة سوداء في العملية لايعرف الكثير عنها شيئا.

ومع أن الجمهور الأميركي يتصف بالوعي والحصافة في التعبير السلمي عن آرائه بسبب خبرته التراكمية إلا أن الوقائع تؤكد أنه ينقاد بسهولة للديماغوجيا ويتصرف وفقا لعقلية القطيع، وقد برهن الشعب الأميركي المتمرس في العملية الديمقراطية أنه ما زال يقع ضمن دائرة السمات الجماهيرية الغوغائية نفسها التي تجعله يفقد صوابه عند التجمهر ويمكن تضليله بسهولة من قبل مخادع كترامب.

مؤلف سيكولوجية الجماهير غوستاف لوبون يصف الجماهير بأنها تنصهر في "روح واحدة وعاطفة مشتركة تقضي على التمايزات الشخصية وتخفض من مستوى الملكات العقلية". وهذا لا يعني أن الحشد الجماهيري قد يخلو من نخب مهمة تشارك فيه ولكن تأثير الجمهور "يجرف الفرد معه مثلما يجرف السيل الحجارة المنفردة التي تعترض طريقه" بغض النظر عن "الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها عالية أم منخفضة، وأيا تكن ثقافته أمية أم عالمة جدا".

ولذلك فلا يستغرب أن يكون الغضب الجماهيري المتراكم وبخاصة لدى العنصر الأبيض سببا في دفع الجماهير للالتفاف حول صوت نشاز وجدت فيه ما يغذي حاجة في نفوسها ويستجيب للحنق الذي يسكنها. ولكن إلى أي مدى يمكن أن تصمد الجماهير في صناعة رئيس كل مؤهلاته أنه لايستحي من جهله، ولا يخجل من كذبه، ولا يتورع عن تهديد العالم بخطر الاشتباك المسلح، وفرض الأتاوات على دوله الغنية لصالح أميركا التي سوف تعيش داخل أسوار عالية ويحرم على المنتسبين لبعض الأديان دخولها. قد تتدحرج الظاهرة الجماهيرية وتجمع المزيد من الموتورين والحاقدين والخائفين حول السيد ترامب، وهناك في المقابل فرصة لأن تستيقظ في لحظة ما قبل المؤتمر الوطني العام للحزب الجمهوري في النصف الأخير من جولاي 2016م، وتحول أفكار الجماهير ليس مستغربا فهي "تغير أفكارها كما تغير قمصانها".

الجمهوريون المعادون لترامب والمذهولون من شعبيته يعولون اليوم على هزيمته في فلوريدا وفقدانه أصواتها، أو على أقل تقدير هزيمته في أوهايو، وذلك من أجل تجنيب الحزب كارثة حقيقية في الانتخابات العامة. الحزب الجمهوري كمؤسسة في موقف لايحسد عليه، فالأقرب إلى ترامب هو السيناتور كروز، ولكنه محسوب على الجناح اليميني المتطرف وهو ما قد يكون نقطة ضعف له أمام الفائز من الديمقراطيين، ولذلك فإن من السيناريوهات الحاضرة في الذهن في حالة وصول ترامب بأغلبية وليس بإجماع إلى المؤتمر الوطني العام للحزب أن يكون هناك أكثر من بديل أمام الجمهوريين وقد يلجأون إلى رئيس مجلس النواب بول راين لاعتراض ترامب وإن كان سيكون لذلك تأثيره الكبير على الحزب.