&فيصل جلول
مصادفة غريبة فرضت نفسها أواخر الأسبوع الماضي على التطورات الليبية. فقد أكدت الولايات المتحدة ووافقها كبار القادة الغربيين، على أن الأوضاع الأمنية في ليبيا، و«داعش» باتا خطرين داهمين يستدعيان تدخلاً عاجلاً، ذلك أن هذا البلد يبعد 400 كلم عن الشواطئ الأوروبية، وبالتالي يمكن للإرهابيين أن ينتقلوا منه بسهولة من، وإلى مختلف المناطق الأوروبية.
لم يتأخر رد «داعش» على التحذير الأمريكي والغربي، فقد اعتبر أحد قادة التنظيم أن هدفه الأكبر هو احتلال روما، وأن هذه مهمة إلهية موعودة ومكرسة في حديث نبوي.! الصدفة تكمن إذاً، في مبادرة «داعش» إلى صب المياه في طاحونة الحلف الأطلسي، الذي أطاح حكومة الرئيس القذافي، ويزعم اليوم سعيه لإطاحة ولاية طرابلس «الداعشية».
وتفسير هذه المصادفة ليس صعباً، فإما أن يكون التنظيم محبذاً لاستراتيجية الهروب إلى الأمام، وبالتالي المزايدة على الغربيين وتحديهم على الأرض، وإما أن يكون خاضعاً لتحكم قادة فيه يخضعون بدورهم لتحكم غير مباشر، أو مباشر من طرف أجهزة غربية، بحيث تأتي تصريحاته مناسبة تماماً لما يريده الغربيون، الذين هم في أمس الحاجة لمثل هذه التصريحات عشية حملتهم العسكرية المرتقبة على معاقل «داعش» في ليبيا.
الجدير بالإشارة أن حديثاً منسوباً للرسول لا نعرف مدى صحته، يقول إن الدين الإسلامي لا يكتمل إلا بفتح روما الكاثوليكية، بعد أن فتحت القسطنطينية الأرثوذكسية. وقد سبق لجماعات مسلحة جزائرية في عقد التسعينات من القرن الماضي أن رفعت مثل هذا الشعار الذي لم يعبأ أحد به في حينه.
والواضح أن الخطر الذي يتحدث عنه الغربيون، ليس خوفاً من فتح روما، فهذه «مزحة» لا تؤخذ على محمل الجد في مراكز القرار الغربية التي ترى أن المخاطر المنطوية في هذا البلد، تتركز على الأمن الداخلي الليبي أساساً، وعلى تحول البلد إلى قاعدة عبور للهجرة العشوائية، الوافدة عبر الشواطئ الليبية المفتوحة إلى أوروبا، وعبر تحول البلاد إلى قاعدة للإرهاب الذي يتسرب إلى محيطه ويؤثر في الأمن الإفريقي والمتوسطي والأوروبي والدولي.
وما تخشى منه العواصم الغربية أيضاً هو انعقاد الغضب والضرر، الناجم عن سقوط القذافي، على أنشطة «داعش» الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تكوين جيش من عشرات الآلاف من المقاتلين فيما عددهم اليوم لا يتعدى ال 6 آلاف. معلوم هنا أن «داعش» تمكن من احتلال سرت معقل القذافي العام الفائت وصار يحتفظ بمنفذ بحري آمن، وبمطار هو من اكبر واهم مطارات ليبيا، وهو وإن كان لا يملك بعد نفطاً للتصدير فإنه قادر على تعطيل تصدير معظم الإنتاج الليبي الذي هبط إلى 320 ألف برميل يومياً من أصل مليون و600 ألف برميل.
الحملة الغربية على ليبيا قيد الإعداد منذ أكثر من شهرين، ولكنها لن تكون مباشرة. فالراجح أنها ستتمحور حول دعم القوات الخاصة التي يقودها العقيد ونيس بوخمادة الخاضع بدوره للجنرال خليفة حفتر قائد القوات النظامية الليبية. ومن المتوقع أن يشن الغربيون غارات جوية، دعماً للقوات الخاصة، وربما بعض القوات المحدودة الفرنسية التي تتدخل من جهة الشرق على مقربة من الحدود المصرية. في حين بدأت الجزائر وبالتنسيق مع الغربيين، حملة تمشيط واسعة على حدودها مع ليبيا، وفعلت تونس ما يشبه ذلك، خشية أن يؤدي الضغط على «داعش»، إلى تسلل عناصر منها إلى البلدين، وبخاصة تونس التي تعتبر أقل قدرة على التصدي للمتسللين.
والمستجد في هذه الحملة أنها تتم بتنسيق مع الأمم المتحدة التي رعت مؤخراً حواراً طويل المدى في الصخيرات المغربية بين الأطراف الليبية المختلفة تمخض عن تشكيل مجلس رئاسي، وحكومة وحدة وطنية تمثل مختلف الأطراف، وتريد واشنطن التي باتت تحتفظ مع فرنسا وبريطانيا بمستشارين عسكريين في طبرق، فرض هذه الحكومة على الجميع حتى تكون الطرف الشرعي الوحيد في ليبيا التي تضم حكومتين وبرلمانين في طرابلس وطبرق، لذا لم يعبأ الأوروبيون بالزعم القائل إن حكومة التحالف الغربي لم يمنحها برلمان الشرق الثقة، وهددوا رئيسه بنزع الشرعية عنه وتعريضه للعقوبات الأوروبية. تماماً كما فعلوا مع رئيس البرلمان السابق المستقر في طرابلس. وسواء صدرت هذه العقوبات أم لم تصدر، فقد صارت واضحة الجهات التي تمنع حكومة الصخيرات من الاستقرار داخل ليبيا وقد باتت في مرمى الغربيين. وحتى يتم تحييد برلمان طبرق اكثر، فقد جمع أنصار حكومة الصخيرات تواقيع أكثر من مئة نائب موافقين على إعطاء الشرعية للحكومة الجديدة وبالتالي تفادي عقبة قانونية.
يبقى احتمال فرض الحكومة، ضعيفاً حتى الآن، خصوصاً أن الهدف هو استقرارها في طرابلس فمن سينقلها إلى العاصمة؟ ومن سيفرضها على رأس مؤسسات الدولة؟ لا جواب بعد عن هذا السؤال، لكن الراجح أن تتزامن الحملة العسكرية على «داعش»، مع عزل المعترضين على الحكومة ونزع الشرعية الدولية عنهم فتكون الحكومة قد وفرت التغطية الشرعية للحملة الدولية، وتكون هذه الأخيرة قد حررت البلاد، أو اقله ساهمت في تحريرها من «داعش» وسائر الإرهابيين، وتكون قد ساعدت على ضبط الهجرة غير الشرعية من هذا البلد نحو القارة الأوروبية.
كائناً ما كانت نتائج هذه الحملة فهي تبين أن «داعش» كان سبباً في تركيز نفوذ غربي عسكري وسياسي في ليبيا ما كان الليبيون يحبذونه، وقد عبروا عن ذلك مراراً، وساهم أيضاً في بعث المخاوف في المنطقة وبخاصة في الجزائر، التي ما كانت يوماً راضية بوجود قوات أجنبية في دول الجوار.
بعبارة أخرى، يمكن القول إن «داعش» صارت سبباً للمزيد من التدخلات العسكرية الغربية ولفرض الحكومات المحلية الهزيلة.. فهل هذه صدفة؟ أم ميعاد ضرب في مكان ما، ولأغراض ما، قد لا يطول الوقت حتى تنكشف؟
التعليقات