&محمد عارف

«شدّ أفكارك خارج متاعبك، سواء من آذانها، أو من كعوبها، أو أيّ طريقة أخرى تَتَدبّرها»، قال الكاتب الأميركي الهزلي «مارك توين»، وهذا ما يحاول فعله «أوباما» طوال الوقت، وحتى في تعامله مع «داعش». فالرئيس الأميركي يقارن التنظيم الإرهابي بشخصية «الجوكر» في فيلم «باتمان الفارس الأسود»، الذي يشعل حرائق تأتي على جميع رؤساء العصابات الذين يتقاسمون أحياء المدينة. ويرى «أوباما» نفسه في المنطقة مثل «مايكل كوروليوني» في فيلم «الزعيم الروحي» الذي «ما إن يتصور أنه تحرر من رؤساء المافيا حتى يشدوه إليهم من جديد». وآخر متاعب الرئيس الأميركي العثور على «بضعة حكام أوتوقراطيين، وتكنوقراط مضبوطين»، ويضيف: «لو كان كل شخص كالاسكندنافيين لسهل كل شيء».

وأكثر متاعب «أوباما» وأصعبها ليس في المنطقة العربية، بل في الولايات المتحدة نفسها، وأحاديثه عنها موضوع مقالة الكاتب الأميركي جفري غولدبرغ التي تقع في 20 ألف كلمة. عنوان المقالة المنشورة في مجلة «ذي أتلانتيك» الأسبوع الماضي «عقيدة أوباما» وتمثل بالأحرى دراما رئيس القوة العظمى التي أبدعت علوم وتكنولوجيات تغيّر العالم، لكنها عجزت عن تحرير نفسها من «الغواط القديم». تتردد هذه الشتيمة بتعابير مختلفة على لسان مسؤولي البيت الأبيض، ويستخدمها الرئيس الأميركي نفسه عندما يعلن التراجع عن قرارات صعبة، مثل «الخط الأحمر»، الذي وضعه لبشار الأسد في حال استخدام السلاح الكيماوي.

و«عقيدة أوباما» تختلف كليّة عن التصور العالمي، وحتى الأميركي لسياسة «البيت الأبيض» وآلية إدارتها، فهي تتضمن الخروج بمحور السياسة الخارجية من «مستنقع» الشرق الأوسط إلى رحاب آسيا، وأميركا اللاتينية الصاعدة، وتدعو إلى مشاركة السعودية إيران في المنطقة، وتعتبرُ مساهمة واشنطن في قصف ليبيا خطأ، وتُحمِّل بريطانيا وفرنسا مسؤولية تدمير ليبيا، وترى «تغير المناخ» وليس «داعش» هو الخطر الذي يهدد الوجود.

ودراما أوباما ازدراؤه لإدارة السياسة الخارجية الأميركية، التي تجعل «المصداقية معبوداً، خصوصاً المصداقية المشتراة بالقوة، وقاد الاعتصام بها إلى حرب فيتنام»، حسب أوباما، الذي يجهد في إقناع مساعديه بأن «إلقاء القنابل على أحدٍ ما للبرهنة على أنك ترغب في إلقاء قنابل على أحد ما أسوأ ذريعة لاستخدام القوة».

و«دراما أوباما» اختلاف تقييمه للرئيس الروسي عن الإعلام الأميركي، الذي يصوره كقطاع الطرق، فيما يقول «أوباما» عنه: «الحقيقة أن بوتين في الواقع دمث تماماً في جميع لقاءاتنا وبالغ الصراحة. واجتماعاتنا عملية جداً، ولا يتركني أبداً أنتظر ساعتين كما يفعل آخرون». ويضيف أن «بوتين» يعتقد أن علاقاته مع الولايات المتحدة أهم كثيراً مما يتصور الأميركيون. وفي حديث «أوباما» نكتشف أن ما يُسمى «المجتمع الدولي» ملعب كرة قدم لا يحق اللعب فيه إلاّ للاعبين يلعبون بمصائر الدول الأخرى. «وبوتين يهتم دائماً بأن يبدو نداً لنا، ويعمل معنا، لأنه ليس غبياً تماماً، فهو يدرك أن موقع روسيا عموماً في العالم تقلّصَ كثيراً. وغزو القَرَمَ، ودعم الأسد لا يعني أنه أصبح لاعباً فجأة».

وتبلغ «عقيدة أوباما» ذروة الدراما ساعة اتخاذه القرار النهائي بعدم ضرب سوريا. سأل «أوباما» رئيس موظفيه «ماكدناو» التمشي معه في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض. ولم يكن اختياره عبثاً، فرئيس موظفيه «يفكر بعقلية كمائنية، وهو من أشد المعارضين للتدخل العسكري للولايات المتحدة، ويشارك أوباما استياءه الثابت من رؤية واشنطن تنجرف في حروب في البلدان الإسلامية». و«استغرق تمشيهما ساعة، وعندما عادا أخبر أوباما مساعديه للأمن القومي أنه قرر التراجع عن قرار قصف سوريا». وزير الخارجية «كيري» الذي علم بالقرار بعد إلقائه خطاباً حماسياً عن القصف المنتظر لّخصّ ردّ فعله بكلمة «غواط»!