تركي التركي وأشواق بندر &
"كن المربع توه اليوم مشيود جدران طين طمام سقفه جرايد قصر بنى للعدل والطيب والجود سوره ذرى للناس وفرشه وسايد"&
بيتان من قصيدة للشاعر بدر بن عبد المحسن يزينان "منصة التوقيع" التي شيدت خصيصا في معرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام لتحاكي قصر المربع التاريخي. مفردات البيتين اختزلت بعمق الكثير ثقافيا واجتماعيا. لتعبر عن هوية الرياض التي يمثلها معرض الكتاب هذا العام. فالعلاقة بين الحاكم والمحكوم. كما يشير لها البيت الثاني بنيت على أساس من التشارك والعدل والتقدير المتبادل. في حين لم يغفل البيت الأول الإشارة لموارد الأرض وأدوات البناء في ذلك الوقت، التي أعاد لها تصميم المعرض وهجها عبر بواباته وممراته فضلا عن فعالياته التراثية والثقافية المصاحبة التي لا مست بدورها الجميع، صغارا وكبارا.
&ذاكرة الرياض
وفي ركن "قصر المربع" أو الصالة الخامسة من المعرض، تعود الذاكرة إلى الرياض قديما عبر معرض المواد المرئية (ذاكرة الرياض) الذي يتخذ حيزه في هذه الصالة كنموذج للبيوت التاريخية الممتدة في أحياء وشوارع الرياض آنذاك. وكما وثق الكاتب أحمد بن مساعد الوشمي في كتابه "الرياض.. مدينة وسكانا" بأن أساسات هذه البيوت كانت تبنى بعد الحفر بوضع لبنتين بجانب بعضهم بعضا حتى ترتفع من الأرض بمقدار ذراعين ثم يبدأ البناء برصة واحدة من اللبن، بعد ذلك تطور الأمر ليكون بناء الأساس من الحجر. ثم تطور البناء بأكمله إلى عملية تجصيص البيت كله من الداخل والخارج واستبدال أبواب الجدوع بأبواب من خشب مستورد.
&
&
بوابات الماضي تفضي إلى المستقبل.
&
وتتضح روعة الأبنية الطينية عبر الصور والمواد المرئية المعروضة، فيطلع الزائر على مواقع تطورت عبر الزمن كساحة الصفاة وشارع الثميري، وسوق الحراج والجامع الكبير بين الأعوام 1914 إلى 1956. وكان سعد المحارب مدير معرض الرياض للكتاب قد أشار سابقا إلى أن هوية المعرض ركزت على جماليات وسط الرياض التاريخي؛ حيث تبرز في بوابات المعرض وأسماء صالاته وممراته، ومنصات التوقيع سمة العراقة والأصالة.
&
«بطن الحوي»
فيما اتخذ معرض (ذاكرة الرياض) شكل ردهة لبيت قديم أو ما يطلق عليه مسمى "بطن الحوي" باللهجة النجدية حيث يصف الوشمي ردهة البيوت في كتابه: "مسقوفة جوانبها وتكون على جوانبها الحجرات والمنافع.. وتعتمد مصابيحها على أعمدة صخرية تتكون من الخرز على شكل مستدير "أسطواني" مبني من ارتفاع مناسب يصف فوقها خشب يسمى "سواكيف" عريضة وعددها ثلاث خشبات وتستر من الدور الأول". ويقول عن بنائها: "عندما يبدأ العمل يبدأ العمال بالهنمة "الغناء" وهو سجع مغنى دون ترتيب أو قافية لتشجيع العمال وحثهم على الاستمرار لقتل التعب والانسجام في العمل". هوية الرياض زراعية بالأساس ولكنها مع ذلك جمعت عديد من الأسواق وانفتحت عليها في تبادل تجاري ومعرفي أبرزته إحدى الصور التاريخية النادرة التي عرض لها "كتاب الرياض" بالتعاون مع هيئة تطوير العاصمة في معرض ذاكرة الرياض. ففي صورة يعود مكانها لما عرف بسوق الحراج يظهر رجل في وسط السوق منكبا على قراءة كتاب. بينما مجموعة كتب إلى جانبه معروضة للبيع في إشارة ملهمة لتاريخ العاصمة الطويل في القراءة والكتاب.
&قصر خريمس
ومن صالة قصر المربع إلى صالة قصر خريمس والدحو وغيرهما. يتجول الزائر في أرجاء المعرض بين مسميات لأحياء قديمة كانت بمنزلة مدن في الرياض التاريخية، ولأسواق وممرات ودروازات ربطت بين مسافات متباعدة بحساب ذلك الزمان. لكنها اليوم بالكاد تعبر عن منطقة محدودة وسط الرياض المترامية الأطراف.
&أسواق الرياض بأسمائها المستمدة من منتوجاتها كالهدم (الملابس) والزل (السجاد) وجدت لها مكانا بين سوق الكتاب ورواده لتعيد للذاكرة تجمعات تجارية اشتهرت بها الرياض قديما جنبا إلى جنب مع بساتين ومزارع نخيل عرفت بأسماء أصحابها، ومن مجموعها عرف عن الرياض اسمها. فيما نجد جناح الجمهورية اليونانية ضيف شرف المعرض ماثلا بين سوق الزل والرباط. في صورة رمزية تضيف الكثير لمشهد إنساني. هو في أمس الحاجة اليوم لتلاقي ثقافات الشعوب وتكاملها بعيدا عن العصبيات ومخرجاتها المتطرفة.
&هوية لا تشيخ
إلى ذلك تبقى أحياء الرياض القديمة متفاوتة في معانيها وقصصها الضاربة في عمق التاريخ وحضاراته بشكل يثري السؤال والحوار في مكانهما الأنسب، حيث معرض الكتاب "ذاكرة لا تشيخ". مثلما الرياض "هوية لا تشيخ" فلطالما ارتبطت مسميات أحياء الرياض وشوارعها بصفات جغرافية كالمصدة والصفاة القادمتين من الصلابة أو بحالات مناخية كالظهيرة، المرتبطة برياح شمالية حارة، أو منفوحة العائدة لنفح الهواء العليل، إضافة لأسماء عائلات وأشخاص كان لهم أثر وذكرى تحكى، كبوابة الثميري وشارع آل سويلم وغيرهما.
&«ريشة الحزم وعدستها» و«أرواحنا معكم» فعاليات رافقت المعرض تكريما لجنودنا البواسل.&
يلتقي غزارة السؤال وإغراء المعرفة عميقة الجذور، بكتب قديمة وحديثة، وبدور نشر قدمت من جميع أنحاء العالم في تظاهرة ثقافية تعتبر الأولى جماهيريا، ومن حيث القوة الشرائية على مستوى المنطقة. ليقدم المعرض فعلا ثقافيا ومخرجا وطنيا ازدان بأيد شباب سعودي من الجنسين، أمام الكواليس وخلفها، مستقبلين ضيوفهم منذ اللحظات الأولى لدخول المعرض وحتى المغادرة ببشاشة وترحيب واضحين يعبران عن كرم الضيافة وأصالة الرياض.
&في رسالة أراد لها المنظمون أن تعبر عن تاريخ الرياض وعن حاضرها. وصولا لمستقبلها المتمثل في أطفالها وشبابها المعنيون دائما ببرامج تثري معلوماتهم وذاكرتهم عن هذه الأرض وعن روادها المؤسسين. فقديما وحديثا قالوا "من لا ماضي له لا حاضر له ولا مستقبل".&
&
&
التعليقات