&جاسر عبدالعزيز الجاسر

من بين أكثر الأساليب استعمالاً من قِبل الأنظمة التي تواجه نفورًا من الشعوب التي تحكمها هو إثارة القلاقل والحروب مع الدول المجاورة؛ لتوجيه اهتمامات الداخل للخارج؛ حتى لا تتفاقم المواجهة مع الناقمين من الشعب في الداخل. ذلك نهج يصطلح على تسميته بـ»الهروب للأمام». وهذا الأسلوب نراه بوضوح فيما يجري الآن في إيران؛ إذ يعمل ملالي إيران الذين يحكمون كيانًا جغرافيًّا، يضم شعوبًا عدة مختلفة عرقيًّا، وحتى مذهبيًّا، على فرض حكم عنصري وطائفي على تلك الشعوب، لا يماثله إلا حكم الصهاينة في فلسطين المحتلة. فالملالي وعبر من اختارهم (كبيرهم الهالك خميني) وضعوا (دستورًا)، فرضوا عبره نصًّا غير واقعي ولا إنساني ولا شرعي، يحصر رئاسة البلاد وقيادتها بالفارسي الذي يعتنق المذهب الاثني عشري، وفق النهج الصفوي، أي الذي يلتزم بولاية الفقيه. ومعنى هذا أنه لا يحق للآخرين من غير الفارسيين وغير الصفويين أن يرأس البلاد. وطبعًا لن يتاح له أن يكون وليًّا للفقيه الذي يجب وجوبًا أن يكون من الصفويين مبتدعي هذا النهج التسلطي المسمى بولاية الفقيه. وبهذا يُحرم أكثر من ثمانين في المئة من الشعوب الإيرانية من أبسط حقوقها الشرعية بأن يكون الحاكم منهم ومن بينهم؛ وذلك بحصره ضمن الأقلية؛ إذ يشكل الفرس عشرين في المئة من الذين يشكّلون مكونات الشعوب الإيرانية، الذين يوجد بينهم - إضافة إلى الفرس الذين يوجدون في الهضبة الفارسية - العرب الأحوازيون في غرب البلاد على ساحل الخليج العربي، التي تكتنز إقليم الأحواز العربي ذا الثروات النفطية والمياه التي حُرموا من خيراتها، واستنزفها ملالي إيران، ووظفوها للتنكيل بهم.

وإلى جانب عرب الأحواز هناك أكراد كردستان الإيرانية المتداخلة مع إقليم كردستان العراق، وجميعهم يعتنقون المذهب السني، وهم مثل العرب محرومون من الحديث بلغتهم الأم، ولا توجد محطات إذاعية وتلفازية ولا جامعات لهم، ولا يدرس أبناؤهم باللغة الكردية مثلما هو مطبق في مدارس كردستان العراق باللغة التي وُلدوا عليها. وإلى جانبهم يعاني البلوش في إقليم بلوشستان المصائب والمشاكل نفسها، وهم أيضًا من أبناء السُّنة؛ فلا حديث باللغة البلوشية، ولا مساجد يُهتم بها لأهل السنة، ويُحاسَب كل من يلتزم بثقافته البلوش، سواء باللغة أو بالتراث من عادات وسلوك، حتى وصل الأمر إلى منع تداول الأغاني البلوشية، فضلاً عن المراقبة والتضييق على مرتادي مساجد أهل السنة.

هذه المحاصرة وهذا التضييق أيضًا يُنفَّذان بصراحة في مناطق الآذريين الذين يُحرَّم عليهم الحديث باللغة الآذرية القريبة للغة التركية، ويعاملَون بدونية فاضحة، وصلت إلى برامج التلفاز الرسمي؛ إذ تُبث برامج تسخر من الآذريين وأصولهم الريفية.

عنجهية الفرس وفرض التسلط الطائفي والقمع الثقافي والسياسي الذي يمارسه ملالي إيران عبر أذرعتهم القمعية والبوليسية من خلال الحرس الثوري والباسيج في هذه الأقاليم غير الفارسية أشعلت الغضب في صدر أبناء الشعوب الإيرانية الأخرى من عرب وأكراد وبلوش وآذريين؛ ما فجّر العديد من المواجهات بين شباب هذه الشعوب وسلطات الملالي؛ وهو ما ينذر بتفجر ثورة عارمة، تمهد لها انتفاضات ستشهدها أقاليم هذه الشعوب، رغم أن نظام ملالي إيران الذي بدأ يستشعر الخطر كثف من حملات المحاكمات الصورية، ونفّذ العديد من عمليات الإعدام، التي وصلت في عام المنصرم - وحسب إحصائيات هيئة حقوق الإنسان الدولية - إلى قرابة ألف حالة، والرقم بالتحديد 998 حالة إعدام موثقة من قِبل الهيئات الدولية الرسمية.

تزايد حملات الإعدام، وتورُّط نظام الملالي في زيادة معسكر الأعداء الخارجيين له، وافتعال الأزمات مع الجيران.. أساليب يسعى النظام الإيراني من ورائها إلى إشغال الشعوب الإيرانية عما يعانيه من قهر وظلم واضطهاد عنصري وطائفي مركَّب.