&أحمد يوسف أحمد

تسببت قضية الصحراء الغربية مؤخراً في أزمة بين الأمين العام للأمم المتحدة والمغرب، ففي سياق زيارته الأخيرة للمنطقة في إطار الاستعداد لتقديم تقريره السنوي عن القضية إلى مجلس الأمن الشهر القادم استخدم وصف «الاحتلال» في تكييفه لوضع أراضي الصحراء، وهو الأمر الذي يتصادم تماماً مع التكييف المغربي لهذا الوضع، ففي خطاب لملك المغرب بتاريخ 2015/11/6 قال ما نصه: «نقول لا لمحاولة تغيير طبيعة النزاع الإقليمي وتقديمه على أنه قضية تصفية استعمار. إن المغرب في صحرائه لم يكن قط قوة احتلال أو قوة مديرة للإقليم، بل إنه يمارس سيادته على تلك الأراضي»، وأدى هذا التصادم إلى أزمة دبلوماسية حادة بين المغرب والأمين العام، وفي سياق هذه الأزمة خرجت مظاهرات شعبية تدين موقفه بشدة وذهب وزير الخارجية المغربي إلى نيويورك حاملاً رسالة احتجاج إليه، ويبدو أن لقاءهما لم يفلح في تجاوز الأزمة، فمضى المغرب في تنفيذ تهديداته بمراجعة علاقته ببعثة مراقبة وقف إطلاق النار في الصحراء «مينورسو» الموجودة فيها منذ تم التوصل إلى وقف إطلاق النار في النزاع المسلح الذي نشب بين المغرب وجبهة البوليساريو بعد أن استرجع المغرب أراضي الصحراء عقب انتهاء الاستعمار الإسباني لها في 1975. وتضمنت التهديدات المغربية تقليص عدد الموظفين المدنيين في البعثة وسحب المساهمة المالية الطوعية للمغرب في ميزانيتها، بل والتلويح باحتمال مراجعة مشاركاته في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وفي هذا الإطار طلب المغرب تقليص عدد موظفي البعثة بواقع 84 موظفاً بدأ بعضهم على الأقل المغادرة، وقد علق المتحدث الرسمي باسم الأمين العام على هذا القرار بأنه يجعل مهمة البعثة شبه مستحيلة، وعندما سئل عن خطط الأمانة العامة لسحب البعثة نهائياً ذكر أن هذا متروك لمجلس الأمن.

ومن المؤكد أن التوفيق قد جانب الأمين العام في استخدامه ذلك الوصف الذي أثار حفيظة المغرب، فالوصف الصحيح للصحراء في كل وثائق الأمم المتحدة أنه إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي. صحيح أن الوثائق ذاتها تنص بخصوص حل مشكلة الصحراء على إجراء مفاوضات تهدف إلى التوصل لحل سياسي مقبول من الطرفين وصحيح أيضاً أنه لم يسبق للأمم المتحدة أن استخدمت كلمة الاحتلال في وصف علاقة المغرب بالصحراء، فلماذا يبادر الأمين العام إلى استخدام هذا الوصف الذي فجر الأزمة وهو يحتل أرفع المناصب الدبلوماسية عالمياً ما يفترض الكياسة في التعبير بداهة؟ والواقع أن مشكلة الصحراء باتت من أعقد المشكلات الدولية عامة، والعربية خاصة، بمعنى استعصائها على التسوية السلمية وإن كان استقرار وقف إطلاق النار يصرف النظر عنها لوجود العديد من المشاكل الدامية في الآونة الراهنة، فأطراف المشكلة لا تبدي استعداداً يذكر للتخلي عن مواقفها، وإجراء الاستفتاء تعوقه صعوبات فنية وسياسية جسيمة، وقد اقترح بعض الخبراء حلولاً، من المؤكد أنها سترفض من هذا الطرف أو ذاك من أطراف الصراع، ريثما يتم التوصل إلى حل، ولا يخفى أن بعضها ليس حلولاً وإنما صور مختلفة لأوضاع انتقالية صعبة التنفيذ أو مرفوضة.

وقد قدم المغرب حلاً يقوم على حكم ذاتي بصلاحيات واسعة ذات طبيعة فيدرالية وهو مشروع مدروس يمكن أن يكون بحد ذاته موضوعاً لمفاوضات جادة بين أطراف النزاع لتطويره، وأخشى ما يخشاه المرء أن يستمر الجمود في محاولات حل النزاع إلى أن نفاجأ بعودة العنف واستفحاله، لا قدر الله، ولو بفعل عوامل خارجية وبالذات في إطار تمدد الإرهاب في المنطقة في الوقت الراهن.