&كشف عن أبرز محطات حياته من صحراء عرعر حتى تكريمه في النمسا

&

في النمسا لتسلم جائزة أفضل تحقيق صحفي في النمسا لتسلم جائزة أفضل تحقيق صحفي

&

&&محمد الغنيم

&من خيمة بدو في قلب صحراء عرعر بالشمال بدأ حياته راعياً للغنم، في بيئة بسيطه تحفها ظروف بالغة الصعوبة، ونشأ مع والديه اللذين لا يعرفان القراءة والكتابة، لتكون تلك الظروف الوقود لذلك الشاب ابن الشمال، ليكسب التحدي مع نفسه أولاً، ومع ظروف الحياة الصعبة، ووحدهما العزيمة والإصرار حولا الخيمة التي كانت تحميه من أشعة الشمس اللاهبة إلى فيلا فاخرة بالرياض، ومن رعيه قطيع غنم والده إلى رعايته العقار، ومن تنقله ب "حمار" في صحراء الشمال إلى سيارة فاخرة تجاوز قيمتها 330 ألف ريال..

كما أنها وحدها عزيمة الشباب وإصراره، والطموح المنقطع النظير حولت حارس الأمن "السكرتي" في بوابة مؤسسة اليمامة الصحفية إلى صحفي متفرغ ونشيط، يسعى الآن إلى إكمال دراساته العليا بعد مشوار حافل بالصعوبات والعقبات، مر خلالها بمحطات مفصلية في حياته التي بدأها بتحمل المسئولية براتب مقطوع لا يجاوز 1500 ريال حتى وصل إلى ما وصل إليه الآن.

"الرياض" تستعرض نموذج للشباب الطموح والناجح.. كيف كان، ثم كيف أصبح، وكيف استطاع التغلب على ظروفه الصعبة، وتجاوز التحديات، ليصل إلى مبتغاه؟ في قصة دراماتيكية غريبة، نفخر جميعاً بوجود نماذج مثلها لشباب سعودي بهذا الطموح.

ابن "الرياض" الشاب علي الرويلي المحرر بالقسم الاقتصادي بالجريدة تحدث لنا عن محطات حياته المتسارعة، وتحولاتها المثيرة منذ أن قدم إلى العاصمة الرياض قبل نحو 15 عاماً مثقلاً بالهموم والظروف ومتاعب الحياة المختلفة، ليشق طريق النجاح، واضعاً همه الأول آنذاك في إكمال دراسته الجامعية ولا شيء غير ذلك، بعدها يبدأ يخطط ويفكر في ما قدّر له حتى وإن كانت الظروف المحيطة به في تلك الفترة لا توحي بأي فرج ولا تدعو إلى التفاؤل، ولكن هذا قدره الذي رضي به وسار عليه ليرسم خريطة الطريق لمستقبله الجديد.

البداية من صحراء عرعر

بدايةً يقول الزميل علي الرويلي: كانت حياتي شديدة البساطة، نشأت وترعرعت في خيمة شعر مع والدي، الذي كان راعياً الغنم شمال المملكة، وكنت أساعده على ذلك مع بقية إخوتي، حيث كنت أركب "الحمار" لأقطع صحاري الشمال الواسعة، ومن هناك درست الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وبعد تلك المحطة وما فيها من صعوبات قدمت إلى الرياض العاصمة لإكمال دراستي الجامعية، ودخلت الجامعة وكنت أنشد بأمل تحولاً ما في حياتي، سيغير ما أنا فيه، ولم أستسلم لكل الصعوبات التي وقفت في طريقي، وبعد التحاقي بالجامعة لم تكن ظروفي المالية بأحسن حال من السابق، وكنت أعتمد على مكافأة الجامعة في شراء كتب الجامعة، وتغطية مصاريفي اليومية، ولكن توقف صرف المكافأة بين فترة وأخرى اضطرني للبحث عن عمل.. أي عمل أستطيع من خلاله تأمين مصروفي، فقررت العمل حارس أمن "سكرتي" في مؤسسة اليمامة الصحفية مع الدراسة، وكان همي الأول المرتب المتواضع الذي كنت أتقاضاه من هذا العمل وهو 1500 ريال، ولم أكن أفكر وقتها أنني سأكون يوماً ما صحفياً بالجريدة نفسها التي أحرسها.

ويمضي الزميل الرويلي في حديثه قائلاً: واجهت حياة صعبة آنذاك، كنت أخرج من الجامعة إلى عملي مباشرة، من دون راحة، وكنت في بعض الأيام لا أنام إلا ساعتين ومعي فراش النوم في السيارة، وكان لزاماً علي التوفيق بين دراستي وعملي حتى أعيش.

نقطة التحول في حياتي

وهنا يذكر الرويلي الموقف الذي حدث له مع الزميل رئيس التحرير الاستاذ تركي السديري في ساعة متأخرة من الليل عند بوابة الجريدة، وأثرها في تغيير حياته وانتقاله بعدها إلى محطة جديدة، فيقول: في أحد الأيام، وبينما كنت أقوم بعملي في الأمن ببوابة الجريدة، كنت ممسكاً بكتاب لأذاكر امتحان إحدى المواد في اليوم التالي بالجامعة، وأذكر أن الوقت حينها الثانية عشرة ليلاً، جاء رئيس التحرير لمقر الجريدة، قادماً للتو من خارج المملكة، وبينما أنا أهم بفتح البوابة لسيارته فتح نافذة سيارته وقال لي ما هذا الكتاب الذي تقرأه، فقلت له هذا كتاب إحدى المواد التي أدرسها، حيث لدي امتحان غداً، فلاحظت عليه علامات التعجب، فبادرني بسؤاله أين تدرس فقلت له بالجامعة، وقد تعبت من عملي هذا وأتمنى أن تجد لي أي عمل غيره بالجريدة، فقال لي زرني في مكتبي غداً، وبالفعل عندما قابلته نقل عملي من البوابة إلى السنترال بضعف مرتبي الأول، وكانت هذه محطة جديدة في حياتي، حيث بدأ يتحسن وضعي تدريجياً، بفضل الله، ثم بوقفة رئيس التحرير الأولى معي، وكنت فرحاً بعملي الجديد بالثوب، لأنني كنت أجد حرجاً في تغيير ملابسي يوميا خلال تنقلي من الجامعة إلى عملي في الأمن.

&التحولات السريعة

وعن محطته الثانية يوضح الرويلي أنه طوال فترة عمله بالسنترال كان يقرأ الصحف يومياً، ولديه هواية التصوير حيث اشترى فيما بعد كاميرا خاصة لتطوير هوايته، وهنا يقول: طلبت من رئيس التحرير إتاحة الفرصة لي للعمل في قسم التصوير بالجريدة، مصوراً متعاوناً فوافق على طلبي، وبدأت العمل هناك، وكنت أطور مهاراتي في التصوير باستمرار، وفي إحدى المواقف، وأذكر كانت هنالك عملية إرهابية (تفجير) أحد المواقع بالعليا، فأخذت كاميرتي ورافقت زملائي المحررين إلى الموقع، ورغم التشديد الأمني في الموقع في ذلك الوقت استطعت التقاط صورة خاصة لموقع الانفجار من فوق سطح أحد المنازل القريبة من الحدث، ونشرت هذه الصورة بالصفحة الأولى، ونقلتها وكالة رويتر وعدد من المواقع عن "الرياض"، وكان ذلك دافعاً لي لتطوير قدراتي في هذا المجال، إلا أنني قررت أن أكون محرراً صحفياً، وليس مصوراً، إذ كنت أتابع ما يفعله زملائي المحررون عندما أرافقهم لتغطية المناسبات الميدانية، واستهوتني الفكرة، فطلبت أن أعمل محرراً متعاوناً، وبالفعل فتحت الجريدة لي المجال لتحقيق طموحي، فعملت محرراً متعاوناً في القسم الاقتصادي، وكنت وقتها أدرس بالجامعة، ولتخصصي في علوم الأغذية أشرفت على صفحة حماية المستهلك، وبعد تخرجي في الجامعة عملت على وظيفة رسمية، وبقيت متعاوناً مع الجريدة حتى العام 1429ه حيث قررت ترك وظيفتي الحكومية والتفرغ بالجريدة بمزايا مالية أفضل، بعد أن عرفت المهنة، وطورت قدراتي طوال تلك الفترة، وحالياً، ولله الحمد، تحسنت أحوالي المالية والعملية والمهنية بشكل جيد، وأصبحت أعدل وأجيز مواد زملائي الذين كنت قبل سنوات أفتح لهم البوابة، وحصلت العام الماضي على جائزة أفضل تحقيق صحفي على مستوى الصحف السعودية، من المركز الوطني للسكر في المملكة عن داء السكري، وتسلمت الجائزة في النمسا، كما أنني بدأت دراسة الماجستير، وعازم على إكمالها؛ لأن طموحي لن يتوقف عند هذا الحد، كما أنني أعكف على تأليف كتاب عن أخطاء الصحفيين والصحفيات.

من مكافأة الجامعة إلى أرباح العقار

* خلال حديثك قد لا يعرف بعضهم أن كل هذه التغيرات السريعة في حياتك حدثت فقط من 10 إلى 12 سنة فقط.. حدثنا أكثر كيف استطعت تحقيق قفزة في وضعك المادي بعد سنوات عصيبة كنت كما تقول تعتمد فيها على مكافأة الجامعة؟.

- كما ذكرت لك أنا بدأت حياتي العملية براتب لا يجاوز 1500 ريال، والآن، الحمد لله، وضعي المادي أكثر من جيد، مع أنني في بدايات حياتي، حيث لا يجاوز عمري 32 سنة، واستطعت في سنوات قليلة سداد كل ديوني، بل إنني فوق هذا أخذت قرضاً من أحد البنوك ودخلت مجال العقار، وبدأت أشتري أراضي، وأبني فللاً وأبيعها بمكسب جيد يصل إلى 30%، وأدخلت إخوتي معي في هذا المجال، وأصبحت أدير استثماراتهم في العقار، ولله الحمد، على الرغم من أنني دخلت هذا المجال من دون خبرة، كما أنني درست أحد إخوتي في كلية الصيدلة على حسابي الخاص، وهو الآن على وشك بدء مرحلة الماجستير ولله الحمد.

وعن صاحب الفضل في التحول الجذري في حياته، بعد الله، يقول الزميل الرويلي: بالتأكيد كان لرئيس التحرير الزميل تركي السديري فضل كبير علي، وعلى كثير من زملائي بالجريدة.. كان يمنحني إجازة براتب وقت امتحاناتي بالجامعة، وله الفضل في نقلي من عملي في البوابة إلى السنترال بضعف الراتب، ومنه إلى التصوير، ثم فتح المجال لي للعمل محرراً حتى وصلت إلى ما أنا عليه الآن، إضافة إلى ذلك كان لدي طموح وهدف، وضحيت بكثير في سبيل تحقيقه فحققته.. فعند قدومي من عرعر إلى الرياض للدراسة لم يكن أي من أفراد أسرتي يراقبني، ويتابع تحصيلي العلمي، وكان بإمكاني أن أترك الدراسة، بل وأنحرف لا قدر الله، ووالداي أمّيا،ن وظروفي آنذاك كما ذكرتها لك صعبة جداً، لكنني تحديتها ووصلت إلى مبتغاي في سنوات قصيرة، إذا قورنت بما حدث فيها من تحولات.

ويضيف: لا أنسى كذلك دعم زملائي بالجريدة، الذين استفدت منهم كثيراً في تطوير أدائي المهني، حتى إنهم علموني كيف أبدأ الخبر.

الحياة خطوة خطوة.. وهذه نصيحتي للشباب

أما عن نصيحته لجيله من الشباب فيقول الرويلي: إنه دائماً ما كان ينصح زملاءه السابقين "السكرتيه" بضرورة إكمال دراستهم، وباقي الشباب كذلك بالصبر والجد والعمل، حتى لو كان المرتب قليلاً، فالحياة خطوة خطوة، وتجربته خير دليل على ذلك بما فيها من تحولات وصعوبات، فقد قبلت أن أعمل حارس أمن، وقبلها عملت في مجال بيع الخضار مع الدراسة، حتى تجاوزت تلك المرحلة وكونت نفسي.