غسان الإمام&&

على مدى خمسين سنة، لم يسمح معمر القذافي. وحافظ وبشار الأسد، بنشوء زعامات شعبية في ليبيا وسوريا. وعندما قرأ «الأب» عن صلاح الدين الأيوبي الذي وحد المصريين والسوريين ليحرر القدس من الصليبيين، أمر بنقل ضريح الزعيم الشهيد الدكتور عبد الرحمن الشهبندر الذي دفنه السوريون، تكريمًا له، بجوار ضريح الأيوبي (1940). فقد كان حافظ الأسد يخشى على نظامه، حتى من ذكرى الزعامات السياسية الشهيدة.

هل الزعماء ضرورة محتمة للحياة السياسية؟ جان جاك روسو أحد فلاسفة عصر التنوير الأوروبي قال: «لا» للأحزاب. وبالتالي لزعمائها. كارل ماركس أصغى لوقع أقدام الشعوب على الأرض. فقد اعتبرها صانعة التاريخ وليس زعماءها. لكن الواقع يقول إن ستالين. وهتلر. وموسوليني. وتشرشل... كانوا هم الذين رسموا تاريخ ما بعد الحرب العالمية الثانية، بما فعلوه فيها. فقد استهلكوا عشرات ملايين الضحايا. وبالتالي، فرضوا الحاجة إلى ميثاق لحقوق الإنسان. وتحرير الشعوب من الاستعمار.

في سلبياتهم وإيجابياتهم، الزعماء الشعبيون هم ملح الحياة السياسية وبهارها اللاذع الحار. وكم هي قاتمة وكئيبة من دون هؤلاء المشاغبين! فقد نبهوا الحاكمين إلى تجنب أخطائهم مع المحكومين. حل فرانكلن روزفلت الرئيس الأميركي المشلول أزمة الاقتصاد الرأسمالي، بسوق ملايين العمال المتعطلين من الشوارع إلى خنادق الحرب. ثم ترك مهمة قصف اليابان بالقنبلة النووية إلى نائبه هاري ترومان الذي خلفه بعد وفاته (1945).

وهكذا، فقادة من أمثال بشار. وهولاكو. وتيمورلنك... كتبوا التاريخ بدماء العرب. وفي دمشق، مفرق طرق اسمه «برج الروس»، حيث ارتد تيمورلنك إلى المدينة، لإقامة برج من رؤوس الشبيحة الذين تسللوا خاصة لسرقة مؤونة جيشه. أما بشار فقد «خلَّد» رئاسته بأظافر عشرات ألوف المعتقلين الشهداء الذين حفروا أسماءهم على جدران سجونه.

ولو سمح الأسد لشعبه بصنع زعامات من أمثال الشهبندر. وجميل مردم. وشكري القوتلي. وفارس الخوري. وسعد الله الجابري الذين قادوا النضال الوطني ضد الاستعمار، لما خلفهم اليوم ساسة. ودبلوماسيون. ومسؤولون هواة، من أمثال هيثم منَّاع. وحسين العودات. ووليد المعلم. وبشار الجعفري. وقدري جميل. وحسن عبد العظيم الذين تجاهلوا عروبة سوريا. فسمحوا للدبلوماسيات الأوروبية. والأميركية. والروسية بالضحك عليهم. وانتهز الأكراد الفرصة. فرسموا خريطة التقسيم.

العنف الديني (داعش. القاعدة. النصرة) حجب زعامات الأنظمة العربية والغربية. باتت الشاشات التلفزيونية العين السحرية التي يرى فيها العرب والأوروبيون زعماءهم ورؤساءهم. الحزام الناسف القادر على اختراق المسجد. والديوان، حرم الجمهور من معرفة الحياة العائلية للزعماء. لأسباب تقليدية لا يظهر زعماء الخليج وشيوخه مع أسرهم العائلية، باستثناء الشيخ حمد والد الشيخ تميم حاكم قطر الشاب. فقد ظهر ويظهر في الاستقبالات والاحتفالات الرسمية. ومعه زوجته الشيخة موزا المسند.

هذا الظهور الثنائي من دلائل تخطي قطر مرحلة الجيل الأول إلى الجيل الثاني والثالث اللذين وضعا جزيرة صغيرة على خريطة السياسات العربية والدولية، على الرغم من أن قطر تدعم جماعة «الإخوان» التي لا تسمح لزعاماتها بالظهور مع الزوجات، فيما يقدم الإسلام التركي ظهور زوجة الرئيس رجب طيب إردوغان العربية إلى جانبه، كإعلان عن مدى تسامحه مع ضرورات العصر.

سر ازدهار الصحافة الخليجية الورقية كونها حلت محل المجلس والديوان اللذين كانا رمزا للديمقراطية الخليجية العائلية والعشيرية. وحتى رموز العنف الديني راحت تعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي، للاتصال بالرعية المحكومة بالتزمت الشديد. لكن هذه التنظيمات لا مستقبل لها. لامتناعها عن تقديم رموزها وزعمائها، كالبغدادي. والجولاني. والظواهري. والزرقاوي. والملا الطالباني أختر محمد منصور، بصور وأسماء حقيقية لهم.

الشعوب لا تحكم بطاقية وعمامة الإخفاء. الشعوب تود أن تعرف حكامها. حياتهم. أسرهم. تقاليدهم المنزلية. هذه المعرفة توثق العلاقة بين الزعماء والمحكومين. وقديما قال الحجاج بن يوسف الثقفي لأهل «الشقاق والنفاق» في العراق، متمثلاً ببيت الشعر «... متى أضع العمامة تعرفوني». وكان يعني متى يحسر عن رأسه. من هنا، فزعماء الإرهاب الشيعي الديني، كحسن نصر الله. وقاسم سليماني. وعماد مغنية قبلهما، يلتزمون مخابئهم الأمينة. وبالتالي لم تعد عملياتهم. ونشاطاتهم السرية تلقى هوى لدى جمهور عربي وإيراني يخالجه الشك في مصداقيتهم السياسية. والمخابراتية.

تسييس الدين. والرأي العام. والشارع الشعبي، أدى إلى ردود فعل سلبية خطيرة على العرب والمسلمين. والعالم أجمع. ثقافة الحقد. والكراهية التي أشاعتها إيران الخميني وخامنئي. ونظام الأسد، سقطت في الانتفاضة العربية. فر مليون سوري إلى ألمانيا قلعة الديمقراطية الرأسمالية في أوروبا.

لأول مرة يتولى زعماء النظام الخليجي الدفاع بقوة السلاح عن عروبة المشرق. واليمن. لكن الميليشيات الدموية المتزمتة التي تشن حربا دينية على العالم، أثارت غضب زعماء الرأسمالية الديمقراطية في أميركا. وأوروبا. هناك اليوم حرب عالمية حقيقية بين الدول الكبرى وهذه التنظيمات، وفق مقولات الاستشراق الحديث عند برنارد لويس. وصموئيل هنتنغتون، عن الصراع بين الحضارات.

في الأعوام الأخيرة، راحت أصابع الإعلام والزعماء في الغرب تتوجه بالاتهام إلى النظام العربي، بعدم القضاء التام، على قنوات التمويل السرية لهذه التنظيمات. وظاهرة دونالد ترامب هي استطراد لمبادرة جورج بوش الابن الذي رد على نسف ناطحتي السحاب التجاريتين في نيويورك، بإسقاط نظامي صدام وطالبان. وتسليم العراق إلى عملاء إيران.

ترامب يجدد إعلان الحرب على العرب والمسلمين. ويهدد بالاستيلاء على آبار النفط. وتسليمها إلى شركات النفط الأميركية. هل تستطيع هيلاري كلينتون (69 سنة) الديمقراطية الأكثر تجربة. واتزانًا منع ترئيسه. ووضع أصابعه على الزناد النووي، في «الملاكمة» الرئاسية المقبلة في هذا العام؟ المشكلة أن الأميركيين مضطرون للتصويت لها، من دون أن يثقوا بها. وبه! فقد عرفوا أخيرًا علاقتها الغامضة مع بيوتات المال الرأسمالي في «وول ستريت».

هناك أزمة ثقة، إذن، بين الشارع الشعبي وزعماء العالم الرأسمالي. السيناتور بيرني ساندرز يبشر بتخلي الولايات المتحدة عن مراهقة الليبرالية المهترئة لدى زعماء الحزبين الديمقراطي والجمهوري، داعيًا إلى اعتناق أميركا الاشتراكية التقليدية الأوروبية. المشكلة أن الزعماء الاشتراكيين الفرنسيين الحاكمين يتخلون عن رومانسية الاشتراكية. فقد بات همهم دفع الحياة في عروق الاقتصاد الرأسمالي الفرنسي! على حساب المكاسب الاجتماعية التي حققها النضال النقابي السلمي، في القرن العشرين.

&

&