&رياض ياسين

المشاورات القادمة في دولة الكويت الشقيقة بين «الحوثيين» وممثلي مليشيات «صالح» والشرعية، والتي تمثل كل الشعب في هذه الفترة العصيبة من تاريخ اليمن محطة مهمة، وهي بين طرفين فقط أردنا ذلك أو لم نرد، ولكنها ليست بين طرفين متكافئين، أو هناك أي مجال للندية والمساواة! طرف قام بعملية انقلابية كاملة الأركان وواضحة، واستمر فيها ويحاول جاهداً وبكل الوسائل غير المشروعة تثبيتها وفرضها على واقع الأرض دون مراعاة أو تردد، وإنْ أدى ذلك إلى إبادة تسعين بالمائة من الشعب اليمني، أو ربط اليمن بإيران بشكل نهائي وتغيير الجغرافيا السياسية للمنطقة، وتحقيق أوهام طاووسية إيرانية وخلق حروب لا تنتهي.

وبطريقة «غزو داخلي» وتدمير لكل مؤسسات الدولة والبنية التحتية وقتل الأبرياء وإصابة المواطنين وحصارهم ومنع الماء والغذاء والدواء، ولم تختلف وسائله الانقلابية والجرائم التي ارتكبت ولا زالت مستمرة إلى اليوم عن أي منظمة أو جماعة إرهابية سوى أنها مكثفة وممنهجة، ولها بداية وتسير بخطة واضحة وقيادات «معروفة»، وتعودت على محاولات متجددة من «الباطنية» والمكر والكرّ والفر، ولن يكون آخرها ما يحصل في تعز «الوازعية» أو شبوة أو باب المندب أو عدن، وهذه القيادات وإن اختبأت في الكهوف والأنفاق فقد اختفى قبلهم أسامة بن لادن، ومعمر القذافي وغيرهما، وابتداءً من عبد الملك الحوثي وعلي عبدالله صالح والمدانان دولياً، وبقرار أممي واضح مروراً ببقية الكومبارس والتابعين اللذين يجاهرون ويتبجحون ليل نهار، وبمختلف وسائل الإعلام الخاصة بهم والتابعة والمدعومة من إيران و«حزب الله» واتباعهم يتغنون بانتصارات وهمية وخطرشات محاربة «الدواعش» وصمود وهمي في حرب هم من أشعلها، لا تدل على أن هناك «حسن النية» لا من بعيد ولا من قريب، فهذا مصطلح «غريب» وغير مفهوم بالنسبة لـ«الحوثيين» وجماعة المخلوع وإيران.

إذا هناك «حسن نية» في هكذا مشاورات إذن يفترض، ويفرض أن نتعامل معهم ونقبلهم في المستقبل القريب شركاء، فلنستعد إذاً للشراكة وحسن النوايا مع الجماعات المتطرفة والإرهابية الأخرى (القاعدة - داعش- حزب الله - بوكوحرام) والقائمة طويلة. كبقية الجماعات الإرهابية، نجد أن ميليشيا «الحوثي» و«عفاش» مستمرون في القتل والحصار، ولن تتراجع عن خرابها، بل تصعد وتتمادى وتستمر، فهل يقبل عاقل أو منصف أن يتوقع من ميليشيات مسلحة استخدمت ولا زالت كل أنواع العنف والقتل والإرهاب والاعتقال والاحتجاز، ومرتبطة ارتباطاً واضحاً وصريحاً ومعلناً بالحرس الثوري، وبأطماع إيران و«حزب الله»، وتعمل ضمن إطار مخطط وواضح للعيان، ومن لا يزال يتوهم أن لدى «الحوثيين» وجماعة صالح «حسن نية» بالتأكيد سيكون «ساذج النية»!

أما «التوازن» المطلوب من «الشرعية» فهو في الحقيقة يقصد به «التنازل عن الشرعية» فلا فرق هناك! «التوازن» المراد العمل به في مشاورات الكويت القادمة هو العودة إلى نقطة الصفر، أي قبل توقيع اتفاق «السلم والشراكة» مع «الحوثيين» معناه ببساطة وبدون مبالغة وفلسفة (كما يقولوا اليمنيون: بطلوا الفلسفة).

إن كل الجرائم والتدمير والقتل والحرب التي قامت بها ميليشيات «الحوثي» وصالح كانت سبباً في إعادة اليمن عشرات السنوات إلى الوراء، ودمرت الوحدة واللحمة الوطنية والإنسانية والأخلاقية، وجعلت اليمن مرتعاً خصباً وجاذباً للمنظمات والجماعات الإرهابية والمتطرفة. معنى «التوازن» أقصد «التنازل» هنا هو «عفا الله عما سلف»، وكل واحد يصلح «بابوره» أو «سيارته»، المهم سلامة الأرواح «كما يُقال بعد حوادث اصطدام السيارات، أو أن ما حصل كان سحابة صيف ستنقشع قريباً في الكويت المشمسة!

«التوازن» مصطلح خطير لا يصح أن يُستخدم في حالة الحوار القادم في الكويت مع المليشيات والإرهابيين والمتطرفين، وإلاّ لابد من «التوازن» مع خاطفي الطائرات ومغتصبي النساء والأطفال وسارقي البنوك ومحتجزي الرهائن وقتلة الأبرياء ومجرمي الحروب. أما مصطلح «إنهاء النزاع»، فهو بالمطلق مصطلح فيه من «سوء النية» الكثير، وبه أجندات ملتوية وخفية لتثبيت أمر واقع، وفرض سياسات ملثمة وخجولة عن الإفصاح في الوقت الحاضر، ولكنها ستتحول إلى استحقاقات وأثمان وإرضاءات ومكافآت وفوائد على المدى القريب والبعيد، وهذا ليس إلاّ لإنقاذ من هو بالنزعّ الأخير!

ثلاثية «حسن النوايا» و«التوازن» و«الإرادة السياسية» مصطلحات غير صالحة ومفقودة، ولا داعي للإصرار عليها والحديث حولها بمناسبة، ومن دون مناسبة للدعوة والترغيب للحوار، أو بهدف توقيع اتفاقات شكلية أو الحوار العقيم حولها في المشاورات القادمة، فمن يراهن عن وجود بصيص من «النوايا الحسنة» لدى المليشيات المتطرفة والإرهابية أو «التوازن العقلاني»، أو حتى «العاطفي» لدى من يرتكب جرائم القتل والسلب والإبادة والحصار، ومن يطالب بدخول المشاورات بمفهوم «التوازن» أو «التنازل» أو الإرادة السياسية في وقت الحرب والدمار للوصول إلى حل سياسي مسلوق، فهو يؤكد أن المفاهيم الحقيقية قد تغيرت ولم نعلمها بعد، ولم يدركها اليمنيون الطيبون وحلفاؤهم الخليجيون والعرب والعالم، أو أن المرسوم لنا بالخفايا أن نستمر في هذه الدوامة الغامضة، لتكون كل العمليات الإرهابية والمتطرفة والانقلابية والغزو الميليشاوي الداخلي مجرد «نزاعات» خاصة بمنطقتنا.

لا مجال في الكويت إلاّ للحوار والمفاوضات الشفافة، والتي تناقش وترتب عملياً لتنفيذ قرار الأمم المتحدة بشكل سلمي وواقعي من دون افتراضات «حسن النوايا»، فنيتهم واضحة منذ البداية وغير «مبيتة أو مخفية»، وترجموها عملياً منذ انقلابهم على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، ولا أحد يدرك حتى الآن «نزاعهم» الوطني على ماذا؟ سوى ما هو واضح لنا وللغالبية هو محاولة نزعهم لليمن من محيطها وتسليمها لإيران بأقل ثمن وأبخس تكلفة، أما الإرادة السياسية فحدث ولا حرج، هذا وهم وأمنية بعيدة المنال في هذه الظروف، وبعد ذلك فإن فاقد الشيء لا يعطيه!