&سلمان الدوسري&

&&ليست جديدة؛ مثل هذه الاتهامات التي تزعم وجود صلات بين السعودية وهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 الشهيرة، تخبو لفترات ثم تظهر فجأة كلما أريد لها ذلك، وما أن تظنها قد تلاشت واختفت، حتى تجدها طافية على السطح من جديد... وهكذا، ولعل آخرها ما كشفت عنه صحيفة «نيويورك تايمز» من أن الكونغرس يناقش مشروع قانون يحمّل المملكة المسؤولية عن دور في هذه الهجمات. وبعيدًا عن كون هذه المزاعم لا تستند إلى حقائق أو أدلّة أو وقائع قانونية، فإنها في حقيقة الأمر ترمي إلى شق وحدة الصف بين الحليفين الرئيسيين ضد الإرهاب، كما أنها تزلزل الثقة بين الطرفين، فكيف تريد النصر في حرب، بينما أنت تشكك في حليفك الأساسي ضد عدوكما المشترك؟

قبل 13 عامًا وتحديدًا في يوليو (تموز) 2003 ابتدأ الجدل ذاته بشأن نفس التقرير، وقال حينها الراحل الأمير سعود الفيصل في تصريحات لبرنامج «أميركان مورننغ» على قناة «سي إن إن»: «نريد الاطلاع على هذه الصفحات (من التقرير) لسببين؛ أولاً: إذا كانت تحوي اتهامات ضد السعودية، نودّ الردّ عليها، لأننا نعلم أننا غير مدانين مطلقًا بأي اتهامات. ثانيًا: إذا كانت تحوي معلومات حول داعمين محتملين للإرهابيين، نريد معرفتهم للتعامل مع الأمر».

ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن، وهذا التقرير يجري استخدامه بشكل انتهازي لا يناسب العلاقات بين حليفين استراتيجيين، فهناك من يرى أنها جزء من المعركة الرئاسية الانتخابية الأميركية مع وجود أطراف من مصلحتها الاستفادة من هذا الجدل في الانتخابات القادمة. الخبر السيئ هو أن عددًا من أولئك الذين اطلعوا على التقرير لا يتوقفون طوال السنوات السابقة عن الحديث عنه بشكل سلبي وموجه وغير موضوعي، ثم تبدأ عملية الترويج والافتراء ضد السعودية، من دون أن يشرح لها أحد وبشكل واضح ما هي الاتهامات الموجهة ضدها، لكي تقدّم وجهة نظرها وتفنّد الاتهامات، وهذا حق من حقوق أي طرف يتم ترويج هذه الاتهامات والادعاءات ضده، فكيف بدولة شريكة أساسية للولايات المتحدة في محاربة الإرهاب؟! مع تذكير أولئك، وغيرهم، أنه ومنذ هجمات سبتمبر الإرهابية وحتى الآن ثبت بالأدلة والبراهين القاطعة أن ضرر «القاعدة» وهجماتها ضد السعودية ومواطنيها ومسؤوليها وحكومتها وحتى أسرتها الحاكمة، يفوق ما فعلته ضد الولايات المتحدة، ألا يكفي ذلك لإثبات أن «القاعدة» عدو للمملكة أولاً، فكيف يمكن تخيل أنك تحمي من يقتلك، ويسعى لهز استقرارك؟

إذا كان 15 إرهابيًا من الذين نفذوا هجمات سبتمبر سعوديين، فذلك قطعًا ليس مبررًا أن تتحمل السعودية وزر هؤلاء إلى ما لا نهاية، خذ عندك تصريحات سابقة لرئيس الوزراء الفرنسي بأن 5 آلاف أوروبي يحاربون إلى جانب المتطرفين في سوريا والعراق، وأن هذا الرقم مرشح، بحسب ما تقدره المخابرات الفرنسية، لأن يرتفع إلى 10 آلاف مقاتل في صفوف «داعش» مع نهاية 2015، فهل من العدل اتهام حكومات هؤلاء المتطرفين، وتحميلهم وزر انضمام هذا العدد المهول إلى جماعة إرهابية واحدة؟ بل هل من المعقول أن دولة مثل تونس، مثلاً، تكافح الإرهاب بشدة كما يضربها بقسوة، تتحمل هي الأخرى وزر مئات من المتطرفين التونسيين، الذين هربوا من بلادهم وانضموا لـ«داعش»؟!

الرياض تريد أن تعرف تفاصيل معلومات تتعلق بأولئك الإرهابيين ومن عاونهم ومولهم، لا لتحمي الولايات المتحدة والعالم بأسره من خطرهم فحسب، وإنما لتحمي نفسها من إرهاب يستهدفها بالدرجة الأولى، ومثل تلك الاتهامات التي ترمى جزافًا لا تستند إلى حقائق بقدر ما هي تكهنات واجتهادات لا يُعتدّ بها ولا أساس لها، كما أنها تنافي الأسس القانونية والدستورية للولايات المتحدة نفسها، وبالطبع فإن السعودية لن تتعامل مع مزاعم باطلة وغير قانونية. الخطير هنا أنه كلما حاول مسؤولو البلدين تمتين جدار الثقة بين الدولتين، جاء من يفتح ثقوبًا فيه، وهذا ما يجعل مساعي مكافحة الإرهاب غير ذات جدوى، وأكثر من يستفيد من هذا هم المتطرفون أنفسهم، الذين يسعى العالم للقضاء عليهم، والسعودية الشريك الأبرز في هذا الملف الشائك، وهنا يأتي الدور الكبير على إدارة الرئيس باراك أوباما لترميم سكة حديد التحالف بين البلدين، وعدم السماح لانتهازية وقتية بالعبث بالعلاقات الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن، على الأقل من باب إظهار النوايا الحقيقية في عدم تصدع تحالف تاريخي استراتيجي، يستفيد منه البلدان لا بلد واحد فقط.

&

&

&