محمد عاكف جمال
&
مصطلح »الشرق الأوسط«، يعني تقليدياً، المنطقة الجغرافية التي تضم تركيا وإيران ومصر والعراق وسوريا والأردن وفلسطين ولبنان وقبرص والسعودية والكويت وقطر والبحرين والإمارات واليمن وعُمان.
&
إلا أن إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، أدخلت تعديلاً على هذا المصطلح، أسمته »الشرق الأوسط الكبير أو الجديد«، وقدمته إعلامياً ضمن الأعمال التحضيرية لقمة الثمانية الكبار عام 2004، كجزء من اقتراح لتغيير طريقة تعامل الغرب مع الشرق الأوسط. حيث أضيف إلى التعريف التقليدي، جميع دول الشمال الأفريقي، إضافة إلى موريتانيا والصومال وجيبوتي والسودان والباكستان وأفغانستان.
&
ويرى بعض الاستراتيجيين الأميركيين، أنه في حالات خاصة، يمكن أن تضم النظرة الموسعة للشرق الأوسط، دول وسط آسيا، طاجكستان وتركمانستان وأوزبكستان وقيرغزيستان، وكذلك دول جنوب القوقاز، التي تضم جورجيا وأذربيجان وأرمينيا وداغستان والشيشان..
&
وذلك للصلات السياسية والدينية والاجتماعية لهذه الدول مع الشرق الأوسط التقليدي. والحقيقة أن هذه البقعة الجغرافية، تضم جميع الدول العربية، وتضم جميع دول العالم الإسلامي، عدا دولتين، هما بنغلاديش وإندونيسيا.
&
أوردنا هذا التعريف، ليكون مقدمة لمناقشة بعض ما ورد في كتاب »الحروب الأميركية في الشرق الأوسط الكبير«، الذي نشر في الخامس من أبريل الجاري، لمؤلفه أندرو باسيفيتش. المؤلف كولونيل متقاعد قي الجيش الأميركي، ساهم في حرب فيتنام، وسياسي متخصص بالعلاقات الدولية والتأريخ العسكري، له العديد من المؤلفات ذات الطابع الاستراتيجي، ويشغل حالياً منصب أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بوسطن، وهو من أشد منتقدي الاحتلال الأميركي للعراق.
&
يقول المؤلف في كتابه »منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1980، لم يُقتل جندي أميركي واحد أثناء الخدمة في الشرق الأوسط الكبير، وتقريباً منذ عام 1990 وحتى الآن، لم يقتل جندي أميركي في أي مكان من العالم غير الشرق الأوسط الكبير«.
&
المؤلف يستعرض تأريخ التورط الأميركي عسكرياً بقضايا المنطقة، ويخرج باستنتاج واقعي، مفاده أن الولايات المتحدة تنتهج استراتيجية »غير فاعلة« في هذه المنطقة، فقد أخفقت في تحقيق السلم والنظام فيها من جهة، وأضرت بأمن الولايات المتحدة في الداخل من جهة أخرى. ويتساءل، كيف أن أقوى جيش في العالم، لم يتمكن من تحقيق سوى القليل، مع أنه دفع الكثير، وكيف في مواجهة نتائج غير مرضية كهذه، ترفض الولايات المتحدة رسم مسار جديد لاستراتيجيتها في المنطقة، ويختصر ذلك بالقول »إننا لم نفز، لماذا لا نستطيع الخروج؟«.
&
سبق للمؤلف في مقال له نشرته صحيفة بوسطن غلوب في يناير 2015، أن ربط بين أحداث مجلة شارلي إيبدو في فرنسا، وحادث سباق ماراثون بوسطن في الولايات المتحدة عام 2013، مبيناً أن منفذي العمليتين لم يأتوا من الخارج..
&
وإنما خرجوا من الداخل، معزياً مسؤولية ذلك إلى الحروب التي خاضها الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، في العالم الإسلامي، حروب أججت مشاعر الغضب والاغتراب لدى المسلمين المقيمين في الغرب، مؤكداً أن هذين الحدثين قد نسفا الاعتقاد السائد في الغرب، بأنه محصن ضد العنف الموجود في مناطق أخرى من العالم.
&
المؤلف يُعزي أزمة بلده، إلى النهج الذي اعتاد عليه قادته في رسم سياساته في المنطقة، على أسس نظرية، تعتمد وسائل غير تقليدية »إحراق البلد كوسيلة لإنقاذه وإطلاق العنان للفوضى في ساحاته في المدى القريب، على أمل الحصول على نظام مستقر على الأمد البعيد«.
&
وهو يطرح موقفاً منطقياً، يدعو فيه سياسيي بلده للخروج من المنطقة، من خلال تحليل جميع انشغالاته العسكرية فيها، والجدوى التي ترتبت عليها لصالح الولايات المتحدة.
&
والحقيقة أن من الصعب الاختلاف مع المؤلف في ما ذهب إليه في تحليلاته، فلو تحرينا عن مخرجات الانشغال العسكري الأميركي بالعراق، الذي بدأ منذ ربع قرن، ولا يزال حتى اليوم، نرى مدى صحة ما توصل إليه. فالولايات المتحدة غير قادرة على الادعاء بأنها قد أنجزت عملاً لصالحها باحتلالها العراق، يوازي ما قدمته من خسائر مادية بلغت ما يقرب من تريليون دولار..
&
ولا يزال العداد شغالاً، وخسائر بشرية وصلت إلى أربعة آلاف وثلاثمئة قتيل، وأضعاف ذلك من المعاقين، أو ما أنجز لصالح الشعب العراقي، مقابل خسائره الهائلة على المستويات البشرية والمادية والإنسانية والمجتمعية.
&
السياسي له معاييره في الحكم على الاستراتيجيات المتبعة في هذه المنطقة من العالم أو تلك، ضمن الأطر الأوسع للرؤية على مستوى العالم. صحيح أنها تدخل أيضاً في حسابات الربح والخسارة، ولكن من منظور آخر غير المنظور الأكاديمي، فالربح والخسارة لا تحسب من قبل الدول العظمى على مستوى المنطقة، وإنما على مستوى أوسع من ذلك، مستوى الدور الذي تلعبه الدولة على المسرح السياسي العالمي.
&
إدارة الرئيس أوباما، لها التوجه الذي يرغب المؤلف أن يراه، إلا أنها تصطدم بواقع أنها سياسة لا تتفق مع مواصفات القوة العظمى الوحيدة في العالم، والتي وصف نائب الرئيس السابق، تشيني، تداعيات أدائها بالقول »لم يعد أعداؤنا يخشوننا، ولم يعد حلفاؤنا يثقون بنا«.

&