&سالم سالمين النعيمي

«الجيوبوليتيكس» جزء حيوي من المنظومة السياسية، ولكن على المستوى الشعبي هناك قصور في الفهم يحتم ضرورة تثقيف الشعوب عن طبيعية الجغرافيا السياسية وتداعياتها على ما يجري في الساحة العالمية، وذلك حتى تستوعب الشعوب ما هي الخلفية التي تستند عليها آليات اتخاذ القرار في ما يخص سياسات الدول الخارجية وأهمية أثر الموقع السياسي على الفعل السياسي.

فمن يستطيع في وقتنا الراهن أن يفرض موقفاً على دولة أخرى ترى في نفسها قوة إقليمية مهمة؟ ففي عالم بلا أقطاب تغيب المرجعية وتسود الفوضى، ويبرز فاعلون كُثر من الدول الطموحة والذين يكون لهم دور كبير في صنع القرار الدولي، بل إن هناك حتى إمبراطوريات إعلامية تملك قنوات فضائية مؤثرة لها دور على الساحة السياسية الدولية.

ومن جانب آخر هل تفاجأت الولايات المتحدة الأميركية عندما وجدت نفسها القطب الأوحد في العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، ولم يجد مفكروها النظريات لكيفية السيطرة والهيمنة لفترات طويلة على عالم متسارع ومتغير بالثواني والنمو السريع، فغابت بدائل الهيمنة الأحادية ووتيرة دبلوماسية أربكت حسابات المخطط الاستراتيجي الأميركي وإيمانه بصلابة مقومات القوى العظمى لديه عطفاً على أداء الإمبراطوريات السابقة التي سبقتهم فتوقعوا نظرياً كل الاحتمالات، ولكن السيناريوهات التي تطورت كانت خارج كل التوقعات.

فالنظريات حول الجغرافيا السياسية عديدة، وما بين «جزيرة عالمية» و«قلب العالم» و«قوى البر» و«قوى البحر» و«احتواء أو احتلال القلب للسيطرة على الموارد»، وقع العالم العربي في منطقة الاصطدام وإعادة ترتيب الأوراق وتضييق الخناق على القلب حتى قبل ظهور النفط والغاز! وهي أطروحات لربما هي الأكثر تأثيراً في عالم السياسة المعاصرة وما نحن فيه من نزاعات، والتي تتمركز في الشرق الأوسط والمنطقة المحيطة به، والصراع القادم سيكون في جزء معين من أفريقيا والشرق الأوسط وشرق أوروبا وروسيا كقلب العالم وأوراسيا وباقي أفريقيا يشكل «جزيرة العالم».

فالقوة التي يمكنها التحكم في «قلب العالم» هي قوى عظمى بالضرورة، وأهمية التجارة والصناعة والمعرفة والطاقة والردع النووي والقوة العسكرية وخاصة الجوية أمر أساسي لتحقيق ازدهار الدول العظمى واستمرارية النمو فيها، وبالتالي تأمين التجارة والممرات البحرية وفرض سيطرة ووجود عسكري على البحار لتكون القوة البحرية أحد المقومات الأساسية للأمة الإمبراطورية، فمن يسيطر على قلب العالم، يحاصر قارات العالم القديم وما يتاخمها، ولحدوث ذلك لابد من السيطرة على الفضاء والأرض لإيجاد عمق كافٍ وخاصة في الهلال الداخلي للقلب كأوروبا الغربية، والشرق الأوسط، وجنوب آسيا، وجنوب شرق آسيا والشرق الأقصى، والتي تمثل محيط الأرض، ومن يسيطر على محيط الأرض يحكم أوراسيا، ومنها يسهل إمكانيه الوصول إلى البحر وإلى المناطق الداخلية على اليابسة.

وهي أحد أهم مبررات سياسات الولايات المتحدة لاحتواء الاتحاد السوفييتي وجمهورية الصين والخطر الشيوعي سابقاً وتقسيم العالم إلى مناطق جيواستراتيجية. والمنطقتان الرئيسيتان هما العالم البحري، والذي يعتمد على التجارة، والعالم القاري الأوراسى، والذي هو في الاتجاه الداخلي بحيث تصبح الدول التي تفصل بين العوالم، هي دول الحزام المحطم، ودول أخرى تعتبر البوابة وهي مناطق تعمل بوصفها الروابط. الدول المتقدمة هي المناطق الأساسية في الاقتصاد العالمي، وهي الدول المركزية المستقلة عن المحيط، وكانت المناطق المحيطة تشمل الدول الضعيفة، التي رزحت تحت الاحتلال والدول ذات الدرجة المنخفضة من الاستقلال الذاتي، وأخرى هي مناطق شبه المحيط، والتي عملت كمناطق عازلة بين المركز والمحيط والربط بين الجغرافيا والسياسة والاقتصاد.

وعلى الجانب العربي، كانت الوحدة العربية ممنوعة بقرار دولي والتفكيك ضرورة لا تملك حياله غير الاستسلام بقدرها كأداة للصراع في المنطقة، التي تعد العمق الاستراتيجي لمصالح الدول، وبكل اختصار فإن الانتقال من نظام دولي إلى نظام آخر من الطبيعي أن يترك خلفه في ساحة الصراع مخلفات ضارة وضحايا لا حصر لهم، ويعبث بالبنية التحتية. فالوطن العربي يعتبر مساحة جغرافية حيوية، والإشكاليات التي تتناولها الجغرافيا السياسية في معترك القوة وتنظيم المساحات الجغرافية طبقاً للمصالح انتقلت إلى الفضاء وشبكات التواصل الاجتماعي والتجارة وكل ذلك للاستيلاء على الموارد أو التحكم فيها، ومن أجل ذلك يُنادى بالعولمة والديمقراطية لخلق ثقافة وأعراف وقيم جديدة تبرر القتل والغزو وتشرعن الحروب وتفتت الدول التي تقف في وجه المخطط، ولذلك لا سلام في الشرق الأوسط دون خضوع تام.