&عبدالله جمعة الحاج

بعد تأخر يبدو وكأنه مقصود من قبل وفد الانقلابيين «الحوثيين» وحليفهم المخلوع علي عبدالله صالح، اكتمل عقد تجمع اليمنيين في الكويت، وعُقدت المشاورات التفاوضية بينهم. لكن المهم أن وفد الانقلابيين وحليفهم المخلوع لم يذهب إلى الكويت بسهولة أو بطيب خاطر، لكنه ذهب فيما يبدو بعد أن تعرض لضغوط شديدة من قبل مجلس الأمن الدولي ومندوب الأمم المتحدة أو وسيطها في اليمن. إن تخلف «الحوثيين» بهذه الطريقة لا ينم عن أن هؤلاء الانقلابيين يريدون حلاً سياسياً للمشكلة اليمنية، ويريدون إطالة أمد الحرب في مناورة تكتيكية لكسب المزيد من المساحة على أرض المعارك، على أمل أن يحقق لهم ذلك فرصاً أكبر عندما يذهبون إلى أية مفاوضات، بما في ذلك مفاوضات الكويت. وهنا يمكن الإشارة إلى أن داعمهم الإيراني هو الذي يزين لهم مثل هذه التكتيكات ويشجعهم عليها، لكي يحقق من خلالهم مكاسب خاصة تتعلق بنواياه التوسعية في الأراضي العربية. ما فعله «الحوثيون» وصالح باليمن حتى الآن مدمر ويرتقي إلى مستوى الآثام التي لا تغتفر، فبانقلابهم على الشرعية المتمثلة في الرئيس والحكومة التي شكلها، ودخولهم إلى العاصمة صنعاء، وتوغلهم بقوة السلاح في كل مناطق اليمن واستيلائهم على المؤسسات والمرافق الخاصة بالدولة اليمنية وفرض سيطرتهم على البلاد والعباد بقوة السلاح، متجاهلين الدولة والرئيس والشرعية المتمثلة في شخصه، والمبادرة الخليجية، أدخلوا اليمن في دوامة من العنف السياسي والعسكري الذي مثلت اجتماعات الكويت البادرة الأولى لإنهائها وإعادة الشرعية إلى البلاد، فكان من واجب «الحوثيين» وصالح وكل الأطراف الضالعة في الصراع أن تغتنمها كفرصة ذهبية لإخراج اليمن من ماهو فيه، قبل أن تنهار الدولة، ويتعرض المجتمع إلى المزيد من المآسي والتشتت والضياع. والحقيقة أن الحكومة الشرعية والقوى المتحالفة معها من مقاومة شعبية وقبائل شريفة كانت ولازالت حريصة على إنقاذ البلاد وإخراجها من غياهب النفق المظلم الذي أدخلها فيه الانقلابيون.

وعندما نشير إلى أن ما فعله الحوثيون وصالح شديد الدمار باليمن، فإننا نقصد بأن الدولة اليمنية الموحدة صارت على المحك، وكتذكير بأن هذه الدولة، كما تطورت منذ أن عقدت اتفاقية الوحدة، تتطلب كشرط أساسي لكي تستمر وجود شعب لديه افتراض ذاتي مسبق بأنه شعب واحد ذو ثقافة واحدة. وهذا لايعني القول بأن القبلية والطائفية في اليمن ستنتهي بين ليلة وضحاها، وبأنها لا تلعب دوراً في تحديد الهوية الوطنية لليمنيين وتحديد التحالفات السياسية فيما بينهم، فبوضوح توجد اختلافات فيما بينهم، فهم كشعب جديد على الوحدة، ولديهم شعور بالقبلية والعشائرية والمناطقية والمذهبية، ويحتاجون إلى الوقت الكافي للشعور بالجماعية، فكان لزاماً على «الحوثيين» وصالح، ومن تحالف معهم، العمل في اتجاه تأصيل عوامل الوحدة، عوضاً عن السعي للسيطرة المنفردة والاستيلاء على السلطة والثروة من قبل طرف واحد. وخلاصة القول، هي أنهم هم الطرف الذي يجمح لكي يسيطر. الدولة الوطنية التي يمكن أن تنجح في اليمن هي تلك التي تستطيع أن تخلق لنفسها «أساطير» تشير إلى أنها ذات شعب واحد، لكنه متعدد المنابع والأهواء السياسية والاجتماعية، فمن خلال ذلك يمكنها أن تجذب كل مواطن وكل جيل قادم لكي ينتمي إلى جوهرها كدولة موحدة. فبهذه الطريقة يستطيع اليمنيون الالتفاف حول التاريخ المشترك الذي يدعونه لأنفسهم، والماضي التليد الذي يخصهم جميعاً، وتغلفه الأساطير وسلسلة من الإنجازات الجديدة والحديثة، والتطلعات المستقبلية المشتركة والتقاليد المبتكرة التي يتم خلقها وصياغتها ودمجها عضوياً في النسيج الوطني الجديد بصورة درامية مؤثرة. ونصيحتي لهم في هذا السياق، هي أن يبعدوا إيران عنهم، وأن يبتعدوا عنها بأقصى ما يستطيعون، فهي سبب البلاء الذي هم فيه الآن.