&بول كروجمان

لستُ متخصصاً في العلوم السياسية أو خبيراً في استطلاعات الرأي، ولا أحاول أن ألعب ذلك الدور على القنوات التلفزيونية. ولكنني أجيدُ قراءة الأرقام واستعمالها، أولاً، في مرحلة من المراحل عليك أن تتوقف عن تغطية السباق على الترشح الحزبي، كما لو كان الأمر يتعلق فقط بالسرد و«الزخم». فذاك قد يكون صحيحاً في مرحلة مبكرة، عندما يتنافس المرشحون على المصداقية والدولارات. ولكن في النهاية يصبح كل شيء مسألة حسابية بسيطة لعدد المندوبين.

ولهذا السبب أقول إن هيلاري كلينتون هي التي ستكون مرشحة الحزب «الديمقراطي»، فقد حسمت السباق قبل شهر من خلال انتصاراتها الكبيرة في ولايات «الأطلسي الأوسط»، ليصبح بذلك من المستحيل على بيرني ساندرز تجاوزها من دون انتصارات ضخمة مستبعدة وبعيدة المنال (الفوز بثلثي الأصوات!) في ولايات ذات مجموعات سكانية غير بيضاء كبيرة، وهي المجموعات نفسها التي دعمت كلينتون بهوامش كبيرة طيلة مراحل الحملة.

كلا، إن القول بأن السباق انتهى ليس مساعدة لمخطط خبيث يروم إغلاق السباق عبر إعلان النصر بشكل مبكِّر وسابق للأوان. وقد لّخص الكاتب «نايت سيلفر» ذلك على نحو جيد مؤخراً، حين قال: «إن استراتيجية كلينتون تقوم على إقناع عدد أكبر من الناس بالتصويت لها، وبالتالي، تأمين أغلبية من المندوبين. وقد تعتقد أن أولئك الناس اختاروا المرشح الخطأ، ولكن اختيارها هو ما قاموا به».

ثانياً، استطلاعات الرأي قد تكون مفيدة حقاً في تقييم حالة السباق، ولكن فقط إذا قاومتَ إغراء الانتقاء والإشارة فقط إلى استطلاعات الرأي التي تحكي القصة التي تريد سماعها. ولعل الضجة الأخيرة التي أثيرت حول الانتخابات التمهيدية في كاليفورنيا مثال جيد في هذا الباب. ذلك أن معظم استطلاعات الرأي تُظهر تقدماً كبيراً لكلينتون في السباق، غير أن استطلاعاً حديثاً للرأي أظهر سباقاً جد متقارب. وعليه، فهل «تبخر» تقدمها، مثلما توحي بذلك بعض التقارير؟ على الأرجح لا، فقد أظهر استطلاع آخر للرأي، أجري في الوقت نفسه تماماً، تقدما بـ18 نقطة.

والواقع أن خبراء استطلاعات الرأي يطلبون منا دائماً أن نعتمد على «المتوسطات» أو الاتجاه الذي تشير إليه أغلبية استطلاعات الرأي، بدلاً من التركيز على استطلاع واحد بعينه. وهذا الأمر له قيمتان في الواقع: الحؤول دون انتقاء ما يريده المرء من استطلاعات الرأي فقط، والمساعدة على التخلص من التقلبات العشوائية التي تُعد جزءاً عضوياً من استطلاعات الرأي، ويمكن بسهولة أن تُقرأ على نحو خاطئ باعتبارها حركة حقيقية.

ولا شك أن استطلاعات الرأي يمكن أن تكون خاطئة، وقد كانت كذلك بالفعل في عدد من المرات. ولكنها بشكل عام أنجح وأدق مما يعتقد كثير من الناس. ولعل خير مثال في هذا الباب هو أن صعود دونالد ترامب لم يطعن في مصداقية استطلاعات الرأي، بل على العكس، كانت استطلاعات الرأي تشير إلى تقدمه بشكل كبير في السباق. والخبراء التلفزيونيون الذين قللوا من شأن حظوظه كانوا يرفضون ما كانت استطلاعات الرأي تحاول قوله لهم.

وهو ما يقودنا للحديث عن الانتخابات العامة. وإليكم ما ينبغي أن تعرفوه، ولكنكم قد لن تسمعوه بشكل واضح في التغطية الإعلامية: فكلينتون متقدمة بكل وضوح، سواء في استطلاعات الرأي المتعلقة بالانتخابات العامة، أو في التوقعات المتعلقة بـ«المجمع الانتخابي» بناء على استطلاعات الرأي في كل ولاية. صحيح أن تقدمها ليس كبيراً مثلما كان عليه الحال قبل أن ينتزع «ترامب» ترشيح حزبه، لأن الجمهوريين التفوا حول مرشحهم المفترض، في حين مازال العديد من أنصار ساندرز يقاومون ويرفضون القول إنهم سيصوِّتون لها. ولكن ذلك قد لا يدوم طويلًا، لأن الكثير من أنصار هيلاري كانوا يقولون أشياء مماثلة عن أوباما في 2008، ولكنهم التفوا حول مرشح الحزب في الأخير. وعليه، فما لم يرفض بريني ساندرز الاعتراف والتلميح إلى أن الترشيح الحزبي قد سُرق بطريقة ما من قبل المرشح الذي فاز بأكبر عدد من الأصوات، فإن كلينتون هي الأوفر حظاً بكل وضوح للفوز بالبيت الأبيض.