سعد الياس

&&بقيت ارتدادات العبوة الناسفة التي استهدفت بنك لبنان والمهجر مساء الاحد يتردّد صداها في كل الارجاء، ولاسيما أن هذه الرسالة لم تقتصر على المصرف فحسب بل وجّهت إلى كل المصارف، وبدت كأنها نذير شؤم يحوم فوق الاستقرار النقدي والاقتصادي في لبنان. وعلى رغم عدمِ تبنّي أيّ جهة للتفجير، إلاّ أنّ الأنظار اتّجَهت إلى مواقف متدرّجة لـ»حزب الله» اتّهمت بعض المصارف بالمغالاة في التوسّع بتطبيق القانون، وبأنّها «حصان طروادة للولايات المتحدة الامريكية».

ووضعت صفحة «الضاحية» على «فيسبوك» عبارة « إحذروا مصرف لبنان والمهجر BLOM…أخذ مجدو بالتضييق والتسكير…إسرائيلي أكثر من اسرائيل»، فيما كتب مؤيدون للحزب على صفحاتهم عبارة «رياض مع السلامة».

وحفلت مواقع التواصل الاجتماعي بالكثير من التعليقات التي وضعت حزب الله في دائرة الاتهام، واعتبر بعضهم أن الاجهزة الامنية إما أن تكتشف سريعاً المتورطين والمنفّذين كما فعلت في حالات سابقة مع تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وإما يكون الفاعل معلوماً.

وتداول نشطاء على مواقع التواصل ما سبق الانفجار من رسائل اعلامية وإلكترونية آخرها ما ورد في تقرير إخباري في وكالة أنباء «فارس» الإيرانية، نُشر قبل ساعتين فقط من موعد وقوع الانفجار وتضمن تهديداً صريحاً منسوباً إلى أحد المقرّبين من «حزب الله» بـ»7 أيار جديد». وهدّد التقرير بأن الطاولة «ستقلب على الجميع عندما ترتفع أسهم المواجهة الشعبية مع المصارف»، معتبراً «أن مشاطرة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وزملائه للامريكيين يعرّض الاستقرار المصرفي لخطر داهم». وشبّه المشهد الحالي بمرحلة القرار 1559 وبحقبة «جيش لحد» عندما كان «يشاطر الإسرائيليين على أبناء الوطن فيما يحصل اليوم «جيش لحد» مصرفي».

واعتبر التقرير أن أولى التبعات للانهيار السياسي هو «الانهيار المصرفي الذي سيجعل العديد من المتواطئين مع أمريكا على الطائفة الشيعية في لبنان، ولاحقاً من يدعمها من المسيحيين والسنّة، أمام مصير مشابه لما حصل مع المتواطئين مع إسرائيل قبل العام 2000»، محذراً إما «أن تستثنى بيئة الحزب الحاضنة وتنحصر المواجهة معه بشكل مباشر، وإلا نكون في النهاية أمام 7 أيار جديد، وربما الخامس والعشرين منه».

ولم تكن بعض المواقف السياسية بعيدة عن الربط بين التفجير وبين مشكلة حزب الله مع المصارف، واعتبر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع تعليقاً على التفجير الذي تعرض له بنك لبنان والمهجر اننا «ما زلنا بانتظار نتائج التحقيقات الأولية للأجهزة الأمنية نظراً لدقة وحساسية الموضوع».وقال «من جهة أخرى، أتمنى على مصرف لبنان وجمعية المصارف والمصارف اتخاذ كل التدابير اللازمة ليبقى القطاع المصرفي في لبنان مقبولاً ومرتبطاً بالمجموعة المصرفية الدولية مهما يكن الثمن». وأضاف «ان القطاع المصرفي في لبنان هو عماد الاقتصاد اللبناني ومن غير المقبول تعريض هذا القطاع لأي مخاطر كرمى لعيون كائن من كان».

وختم «نقف كلنا اليوم مع القطاع المصرفي بوجه التحديات على جميع أنواعها التي يواجهها».

ورأى عضو كتلة المستقبل النائب أحمد فتفت انه «طالما هناك الكثير من الإرهاب في المنطقة والسلاح غير الشرعي في البلد فستبقى هناك امكانية لحصول خضات أمنية وتفجيرات إرهابية»، مشيراً إلى «ضرورة متابعة بعض الاعلام لنرى كيف تعاطى مع قضية المصارف مثل وكالة فارس الإيرانية التي سبقت الانفجار بتهديد ما سمته «جيش لحد المصرفي» ب 7 أيار جديد وبعض الاعلام اللبناني الذي تهجم على بعض المصارف وتحديداً بنك لبنان والمهجر».

وأوضح أن «هناك من يريد تدمير آخر أسس الدولة اللبنانية»، لافتاً إلى أن «حزب الله وفّر الجو المناسب لحصول تفجير فردان والمعلومات الامنية التي كانت تحذر بعض الاجانب كانت تعرف ان هذه المنطقة تعج بالمصارف وخصوصاً مصرف لبنان وكانت تخشى من عمل من هذا النوع».

وشدد على «وجوب أن نتذكر أن هناك من حاصر السراي مدة 18 شهراً واقفل المصارف حينها، وهذا ما فعله حزب الله تحت العنوان السياسي لكنه لم ينزعج ابداً من ضرب القطاع المصرفي والقطاع الاقتصادي اللبناني».

في المقابل، حرصت قيادات لبنانية على اعتبار حزب الله متضرراً من الانفجار، وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري «ان الايادي الآثمة التي سعت لارباك وزعزعة الوضع في لبنان بتفجير الامس انما تستهدف: لبنان اولاً وحزب الله ثانياً قبل ان تصل شظاياه لاحد اهم مصارفنا لبنان والمهجر. وهي تدل على نفسها اذ ان بصمة هذه الجريمة المنظمة وابعادها واضحة للعيان وتستدعي القول كاد المريب ان يقول خذوني».

وأضاف «انني اوجه عناية اللبنانيين وقواهم السياسية الحية وشخصياتهم ومرجعياتهم الروحية للتنبه للابعاد الحقيقية الكاملة وراء استهداف لبنان في قلب عاصمته واستهداف نظامه المصرفي المميز الذي نافس ولا يزال رغم الحروب والاجتياحات والمحاولات الإسرائيلية لمجاراة خبرتنا ونظامنا الاقتصادي الحر.كما وانني ادعو الجميع إلى الانتصار مجدداً لوحدة موقفهم وخطابهم وعدم التسرع والانجرار خلف المخططات المشبوهة التي استهدفت وتستهدف حاضر ومستقبل لبنان وصيغته الفريدة».

ولم يكن رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط بعيداً عن توجّه بري والاستشعار بحجم الخطر فرأى أن «لبنان دخل في مسلسل تفجيرات يستهدف القطاع المصرفي»، معتبراً أن «إسرائيل هي أول المستفيدين منه، وحزب الله متضرر». ولفت إلى أن «هناك جهات تريد ضرب النظام المصرفي اللبناني»، طالباً من القطاع «التماسك».

واعتبر وزير المالية علي حسن خليل، عبر «تويتر»، أن «‏الانفجار يستهدف استقرار كل القطاع المصرفي، وبالتالي استقرار كل لبنان. وهو بالتأكيد مستنكر ومدان».

وقال الرئيس سعد الحريري «إن معركتنا مع الإرهاب والتفجير وعمليات القتل والاغتيال والرسائل المباشرة وغير المباشرة طويلة، وهي معركتنا نحن، وستكمل، ولبنان سينتصر في نهاية المطاف، وكل أنواع الإرهاب لن تخيف اللبنانيين، وجميعنا سنكون في مواجهته ولبنان سينتصر في النهاية».

وسعى اعلام 8 آذار إلى تبرئة حزب الله من التفجير، وكتبت صحيفة «الاخبار» أنه «ليس خافياً على أحد أن حزب الله دخل في مواجهة مع بعض القطاع المصرفي، بعدما قرّر جزء من هذا القطاع تنفيذ قانون العقوبات الامريكية على الحزب، بطريقة تسعى إلى خنق بيئة المقاومة في مؤسساتها الاستشفائية والاجتماعية. وفي هذه اللحظة، قرّر طرف ما أن يدخل على الخط، بتفجير إرهابي استهدف «بنك لبنان والمهجر»، ليضع المقاومة في خانة الاتهام، ومحاولة محاصرتها بالفتنة بعد العقوبات». واضافت « كما في كل مرة، بدأت موجة «الاتهام السياسي»، مستفيدة من الأجواء السياسية التي سبقت الانفجار. لكن هذا الاتهام بقي محصوراً إلى حدّ بعيد في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.

وبدا رئيس مجلس إدارة بنك «لبنان والمهجر» سعد الأزهري على قدر الحدث، فأتى تعليقه عليه هادئاً، قائلاً «لا نتهم أحداً بتفجير اليوم الذي استهدف المصرف وننتظر التحقيقات».

كما كتبت صحيفة «السفير» ما يلي «ليس هناك أسهل من الافتراض الفوري، كما فعل البعض، بأن «حزب الله» يقف وراء التفجير بهدف تحذير المصارف من الغلو في تطبيق قانون العقوبات المالية الامريكية بحقه. إنه التفسير الأبسط الذي يستجيب لنداء الغرائز الكامنة أو المواقف المسبقة، من دون بذل أي جهد للتدقيق أكثر في أبعاد هذا الاعتداء المشبوه. لكن، القليل من التمعن في ما حصل، يقود إلى الاستنتاج الأقرب إلى المنطق، وهو أن من فجّر المصرف، المعروف بأنه الأكثر تشدداً في تطبيق العقوبات، إنما أراد بالدرجة الأولى الاستثمار في الخلاف بين المصارف و»حزب الله»، لتوسيع الهوة بينهما، وللتحريض على الحزب وتوجيه أصابع الاتهام نحوه، مع ما سيجره ذلك من تداعيات داخلية، من شأنها أن تؤجج الاحتقان المذهبي والتوتر السياسي، وبالتالي تهيئة المسرح أمام عروض الفتنة، المتنقلة بين ساحات المنطقة، والتي نجح لبنان حتى الآن في تفاديها. إن ما يكاد يكون واضحاً، برغم الضجيج والغبار، هو أن المستهدَف من تفجير «بنك لبنان والمهجر» هما «حزب الله» والقطاع المصرفي على حد سواء، وأي تفسير آخر يخدم الجريمة ويساهم في تحقيق أهدافها، عن قصد أو غير قصد».

وكان بنك لبنان والمهجر علّق في بيان على حادثة المتفجرة التي أصابت الجزء الخلفي من المركز الرئيسي للبنك، وجاء في البيان:

«1ـ نحمد المولى على أن هذا الحادث لم يؤد إلى أية خسائر بشرية وإنما اقتصرت الأضرار على بعض الماديات.

2ـ لم تمس أية أوراق أو مستندات للبنك.

3ـ استمر البنك في تقديم كافة خدماته المصرفية في جميع فروعه، وحتى إصلاح الأضرار يتابع الفرع الرئيسي أعماله من خلال مبنى البنك الملاصق له.

4ـ بكافة الأحوال فإن بنك لبنان والمهجر يمثل شرائح المجتمع اللبناني وطوائفه كافة:

-سواء لجهة زبائنه البالغ عدد حساباتهم أكثر من أربعمائة ألف في لبنان، أو لجهة مساهميه الذين يفوق عددهم العشرة آلاف، أو لجهة موظفيه البالغ عددهم أكثر من ألفين وخمسمائة في لبنان فقط». وختم: البيان: «حمى الله لبنان وقطاعه المصرفي من كل مكروه».

وعقد مجلس إدارة جمعية مصارف لبنان اجتماعاً استثنائياً للتداول في التطورات الراهنة بعد التفجير في منطقة فردان، وأصدر بياناً أكد فيه أن «الجمعية تشارك اللبنانيين كافة إدانتهم واستنكارهم لوقوع عملية التفجير على مؤسسة اقتصادية رائدة، وتعتبر أن هذا التفجير أصاب القطاع المصرفي بكامله، وأنه يهدف إلى زعزعة الإستقرار الاقتصادي»، لافتة إلى أن «مصارف لبنان اعتادت العمل في بيئة مليئة بالتحديات، وقد خرج القطاع المصرفي منها دائماً أكثر متانة وسلامة».

وأهابت الجمعية ب «السلطات والأجهزة القضائية والأمنية كشف الفاعلين، كما نجحت في حوادث سابقة ما أكسبها بجدارة تقدير العالم أجمع».وأكدت أن «المصارف تعمل وفق أعلى الممارسات المهنية وضمن القواعد السائدة في الأسواق الدولية، كما تخضع في لبنان للقوانين اللبنانية المرعية ولتعاميم مصرف لبنان حفاظاً على مصالح جميع اللبنانيين».

تزامناً، طالب رئيس حزب «التوحيد العربي» وئام وهاب بـ «الخروج من المزايدات لأن مصالح الشعب اللبناني أهم من مصالح بعض المصارف المزايدة وعلى الدوله حماية مصالح مواطنيها»، مشيراً إلى أن «حماية القطاع المصرفي ضرورة ولكن حماية مصالح اكثر من نصف اللبنانيين ضرورة اكبر فليتوقف البعض عن البكاء السخيف». وفي تغريدة له عبر «تويتر»، قال وهاب «المطلوب من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وضع حد لعربدة ومزايدة بعض المصارف وضربها عرض الحائط بمصالح الناس إلا اذا أصبحنا ولاية أمريكية».